تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الخروج من غزة

دخلت الحرب الأسرائيلية على غزة شهرها الثانى دون أن تبدو بوادر للحل, ولا أحد يعرف متى وكيف ستتوقف, إسرائيل نفسها لا تُفصح عن استراتيجيتها للخروج من غزة, وتُغير من أهدافها المعلنة كما حدث مرارا, مع رغبة رئيس وزرائها نيتانياهو اطالة أمد الحرب, أملا فى تحقيق إنجاز يخفف من الضغوط الداخلية التى تواجه حكومته, ولذا تحدث مرة عن أن الهدف هو الانتقام واستعادة قوة بلاده على الردع بعد العملية الهجومية التى قامت بها حماس ضدها فى 7 أكتوبر, ومرات أخرى عن تحرير الرهائن المحتجزين لدى الحركة, ثم وهو الإهم, اتسع الهدف ليكون القضاء التام على حماس وانهاء حكمها للقطاع, ومن هنا ثار الجدل حول مستقبل غزة, مع تواتر الحديث عن خطط لاعادة احتلال القطاع أو تقسيمه والسيطرة على نصفه الشمالى, وتهجير السكان إلى نصفه الجنوبى, ودول الجوار.

 

فى كل الأحوال ستكون الحرب طويلة, ولكنها لا تمنع من طرح السؤال حول اليوم التالى, أى ما بعد الحرب, فهل ستستطيع اسرائيل اخراج حماس من المعادلة وتنحيتها والاجهاز على المقاومة؟ وهل يعنى ذلك أن تبقى القوات الإسرائيلية فى غزة بعد انتهاء العملية العسكرية؟ أم ستقيم منطقة عازلة منزوعة السلاح على طول حدودها معها لضمان السيطرة الأمنية؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى من ستؤول مسئولية إدارة القطاع وسكانه الذين يزيدعددهم على مليونى نسمة؟

فى تصريح له الأسبوع الماضى لقناة إن بى سى نيوز الأمريكية, قال نيتانياهو إن بلاده ستتولى مسئولية الأمن فى غزة لأجل غير مسمى لكنه لا يرغب فى احتلالها, وهو تصريح غامض أو مراوغ كما وصفته التايمز البريطانية, لا يجيب عن الجزء الجوهرى من المشكلة المتعلق بالادارة السياسية, والأكثر من ذلك عن آلية تنفيذ هذا السيناريو, دون تواجد لقواته القتالية على الأرض. فى هذا السياق, ظهر نوع من الخلاف بين الجانب الاسرائيلى والولايات المتحدة رغم تقديمها له دعما غير محدود منذ اندلاع الحرب, ربما تحت وطأة ضغط الرأى العام العربى والعالمى, وأيضا خشية من ألا يكون للدولة العبرية تصور استراتيجى لغزة بعد ذلك, وكذلك لعدم قدرتها على الحسم السريع لعمليتها العسكرية, فقال الرئيس بايدن إنه لا يوافق على احتلال غزة أو تهجير سكانها وذلك بعدما رفضت كل من مصر والأردن هذا الطرح, كما تحدث عن ضرورة تطبيق حل الدولتين كحل نهائى للصراع, وهو ما أكده وزير خارجيته أنتونى بلينكن, بأنه لا احتلال ولا حصار ولا تقليص لأراضى غزة, وهو أمر لن تُختبر مصداقيته إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها, لأن كل ما يقال فى ذروة أى أزمة يجب أن يؤخذ عموما بحذر, ولكن أيا ما كانت صدقية هذه التصريحات, فإن ما يمكن التوقف عنده هو ما طالب به من الحاجة لفترة انتقالية بعد توقف الحرب, وأن يكون الحكم بقيادة فلسطينية وتوحيد غزة مع الضفة الغربية تحت لوائها, فى إشارة لتولى السلطة برام الله زمام الأمور, تساندها قوى دولية لحفظ السلام. والمعروف أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع إلا بسلطة محدودة ومقيدة فى الضفة الغربية بعدما جُمدت المفاوضات حول قضايا الوضع النهائى, خاصة فيما يتعلق بالحدود وتبادل الأراضى والترتيبات الأمنية, وأنها أخرجت من غزة فى 2007 عندما استولت عليها حماس اثر معارك دامية بين الطرفين, ومن ثم فليست هناك رؤية واضحة عن الكيفية التى قد تتمكن بها من إعادة ترسيخ وجودها هناك فى ظل عدم امتلاكها القدرة والقوة الأمنية والبنية التحتية للحكم فى القطاع.

ومع ذلك, فقد أبدى رئيس السلطة محمود عباس خلال لقائه الأخير ببلينكن منتصف الشهر الحالي, موافقة مبدئية على هذا الحل, لكنه ربط عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بعملية سياسية شاملة, حيث أشار إلى أن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين, وستتحمل السلطة مسئوليتها كاملة فى إطار حل سياسى شامل على كل من الضفة الغربية, بما فيها القدس الشرقية, وقطاع غزة.

والواقع ورغم وجاهة هذا السيناريو من الناحية النظرية, إلا أنه يواجه عقبات عدة, إذ سيكون من الصعب على أى جهة خارجية أو فلسطينية أن تحظى بقبول شعبى وسياسى بعد حجم الدمار الذى أصاب القطاع, ما لم تكن هناك خطة ضخمة لإعادة إعماره, على غرار مشروع مارشال الأمريكى لمساعدة أوروبا عقب الدمار الهائل الذى خلفته الحرب العالمية الثانية, كما أن كثيرا من القوى الدولية والعربية ستتحفظ على تولى هذه المسئولية, حتى لا تُستهدف من المقاومة أو يُنظر إليها على أنها قوة احتلال, والأهم أنه مازال من غير المعلوم إلى الآن ماذا سيكون مصير حماس, بمعنى هل يمكن تحولها إلى حركة سياسية وإدماجها ضمن منظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم يصبح من الممكن تشكيل حكومة ائتلافية تتولى إدارة الضفة وغزة معا؟ أم أن الرهان هو على اختفائها تماما من المشهد, والأمر الأخير يصعب الجزم به لأنه متوقف على النتيجة النهائية للعمليات القتالية, وحتى بفرض الاجهاز عليها فستبقى المقاومة كفكرة, ما لم ينته الصراع.

ومع ذلك, هناك مباحثات أوروبية أمريكية جارية لنشر قوات دولية فى غزة بعد انتهاء الحرب, واقترحت بعض الدول وعلى رأسها إيطاليا أن توكل هذه المهمة لحلف الناتو, إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبى أكد أنه لا يعترف إلا بالسلطة الفلسطينية كممثل وحيد للفلسطينيين. فى المقابل, تبدو هذه المقترحات فى واد وإسرائيل فى واد أخر, حيث رفض رئيس وزرائها مجددا تسلم السلطة الفلسطينية إدارة القطاع, لتكون لدولته الإدارة الأمنية والمدنية, لتغييره جذريا, على حد قوله, على غرار ما حدث لألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية, وبالمنطق الإسرائيلى ستمتد الحرب ليس فقط للقضاء على البنية التحتية لحماس, وإنما لإعادة تشكيل القطاع ثقافيا وحضاريا, لتصبح الأمور أكثر تعقيدا وطولا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية