تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. هالة مصطفى > الاستقرار مازال بعيدا فى سوريا

الاستقرار مازال بعيدا فى سوريا

مازالت سوريا تعانى انقسامات شديدة ربما أكثر من أى وقت مضى، وتتجاذبها العديد من القوى داخليا وخارجيا، صحيح أن كفة الميزان مالت لمصلحة هيئة تحرير الشام التى يقودها أحمد الشرع بعد فرض سيطرتها على أغلب الأراضى السورية، لتتزعم جميع الفصائل المسلحة التى كانت فى موقع المعارضة، إلا أن ذلك لا يُعد نهاية المطاف، فخريطة الصراعات معقدة ومتشابكة، بعضها بين تلك الفصائل نفسها التى أطاحت بالنظام السابق، وبعضها الآخرمع ما تبقى من العناصر الموالية له، وهو ما أظهرته المواجهات العنيفة التى جرت فى مدن مثل حمص وحلب وطرطوس واللاذقية والساحل السورى وغيرها، والتى رافقتها احتجاجات رفعت شعارات طائفية، تصدت لها قوات الأمن العام، وفرضت حظر التجوال فى هذه المناطق، بعد اتهام إيران بتحريكها والوقوف وراءها، كما جاء على لسان وزير الخارجية بحكومة تصريف الأعمال أسعد الشيبانى الذى حذر طهران عبر حسابه على منصة إكس من «بث الفوضى فى بلاده».

فى الوقت ذاته، يسعى الشرع لتثبيت شرعيته كحاكم لـ«سوريا موحدة»، من خلال محاولاته الحثيثة لنزع عنه عباءة التطرف والتنصل من توجهاته الأيديولوجية القديمة كمؤسس لجبهة النصرة المنتمية لتنظيم القاعدة قبل أن يغير اسمها إلى هيئة تحرير الشام، ولذا حرص على تبنى مفردات «الوطنية الجامعة» لكل أطياف الشعب السورى، وتوجيه خطاب منفتح ذى صيغة براجماتية نحو الدول الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، ففى مقابلة له مع «التايمز»ً البريطانية، طالب هذه الدول برفع اسمه وفصيله من قوائم الارهاب، وأشار إلى لقائه زعماء الأقليات خاصة من المسيحيين والدروز لطمأنتهم، وبقرب إصداره عفوا عاما عن جميع السوريين، وأن هدفه هو إعادة بناء الدولة قبل أى انتخابات، رغم اعترافه بأنها بعيدة الآن، ولن تكون قبل أربع سنوات وكذلك الحال بالنسبة لكتابة الدستور، وحول الحريات الشخصية، أضاف «أن الحكم الجديد لن يتدخل بعمق فيها وإن كان سيأخذ العادات والتقاليد فى الاعتبار» وهى عبارات مراوغة، لكن هدفها واضح فى استمالة الغرب وإقناعه بقبول حكمه وإلغاء العقوبات التى فُرضت على سوريا إبان حكم الأسد، بزعم أنه تحول فكرياوسيعمل على تبديل السياسات القديمة التى استدعت هذه العقوبات.

واستكمالا لذات الخط، بعث برسالة إلى تل أبيب، مؤداها أنه «لن يسمح باستخدام بلاده كنقطة انطلاق لشن هجمات ضدها» فى إشارة إلى حزب الله والميليشيات الإيرانية، والتى تعهد بمنعها، والتزامه باتفاقيات فك الاشتباك الموقعة 1974، ومن ثم ناشد إسرائيل لإنهاء سيطرتها على المنطقة العازلة التى احتلتها عقب سقوط نظام بشار والتراجع إلى مواقعها السابقة، والمفارقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو أعلن إلغاءه تلك الاتفاقيات من جانب واحد.

وعلقت صحيفة «إسرائيل اليوم» على ذلك فى مقال افتتاحى للمستشرق الإسرائيلى «إيلى زسير» «بأن الدولة العبرية لن تغير موقفها لخشيتها من تسلل الإرهاب والإسلام الراديكالى إلى أراضيها عبر سوريا».

أما التطور الأهم فتمثل فى اللقاء الذى عقده مع قادة وممثلى الفصائل المسلحة، لتسليم أسلحتها وإدماجها تحت مظلة واحدة وهى وزارة الدفاع، ليرسم شكل المؤسسة العسكرية الجديد، وصرح فى مؤتمر صحفى جمعه مع وزير الخارجية التركى هاكان فيدان، بأنه لن يسمح مطلقا أن يكون هناك سلاح خارج الدولة سواء من الفصائل الثورية التى كانت جزءا من المعارضة والمنشقين عن جيش الأسد، أو من تلك الموجودة فى المنطقة التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التى يشكل الأكراد عمودها الفقرى ويشار إليها اختصارا بـ«قسد»، وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء الذى شمل ما يزيد على الخمسة عشر فصيلا لم يتضمن ممثلا عنها، وهو ما دعا مدير مركزها الاعلامى فرهاد شامى، إلى القول صراحة لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن «هذا الاستبعاد هو تعبير عن وصاية وهيمنة القوى الإقليمية على القرار السورى»، والمقصودهنا بالطبع هو تركيا التي وصفها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب بأنها من تملك «السيطرة الفعلية» على السلطة السورية الحالية.

لا جدال فى أن لأنقرة هواجسها الأمنية وأهدافها الخاصة فيما يتعلق بالوجود الكردى فى الشمال الشرقى السورى، وتنظر إليه كمهدد لأمنها القومى، وأعلنت مرارا أنها لن تسمح للكرد، بانشاء كيان مستقل لهم على حدودها، وتسعى دوما للاطاحة باداراتهم الذاتية هناك، حيث يحكم حزب الاتحاد الديمقراطى الذى تعتبره جزءا من حزب العمال الكردستانى المحظور لديها،لدرجة أن أردوغان الذى سيقوم بزيارة مرتقبة إلى دمشق، توعدهم بكلمة قاسية فى أثناء اجتماعه بالمجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وترافق ذلك مع ما نشرته وول ستريت جورنال من استعدادها للقيام بعملية عسكرية واسعة ضدهم فى مناطق تمركزهم بالتعاون مع الجيش السورى الحر الذى أنشأته ودعمته من المنشقين عن الجيش النظامى فى السابق.

لكن هذا لا يعنى أن الأمور باتت سهلة، فهذا المنحى ببساطة سيُدخلها فى مواجهة مع الولايات المتحدة الداعم الرئيسى لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، والتى تراها شريكا لها فى محاربة الارهاب ومواجهة تنظيم داعش بسوريا والعراق، وستظل هذه نقطة خلاف جوهرية بينهما بغض النظر عمن يجلس فى البيت الأبيض، ولذا لم يكن مستغربا أن يحتل هذا الملف الأولوية فى المحادثات التى جرت بين وزيرى خارجية الدولتين منتصف ديسمبر الفائت، وأن يجتمع المبعوث الأمريكى للمنطقة بقائدها مظلوم عبدى.

لهذه الأسباب، فمن المبكر الحكم على التجربة الجديدة، لأنها مرتهنة بالعديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، وكلها فى وضع انتقالى لم يستقر بعد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية