تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«جحيم» ترامب

يومان متبقيان ويتم تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب رسميا، ليبدأ مهامه مباشرة، ولأن صفاته الشخصيه التى عُرف بها خلال فترة ولايته الأولى كانت مثيرة للجدل، فكذلك أصبح الحال بالنسبة لتصريحاته، التى تكشف عن طباعه الحادة المفتقدة للغة الدبلوماسية، وحتى جماهيريته تأتى من أسلوبه الشعبوى الحماسى فى مخاطبة المواطن العادى فى بلاده أو المجتمع الخارجى، كما أنه يميل إلى الحسم السريع فى الملفات الساخنة، لكنه بالتوازى لا يتورع عن تبنى الشىء ونقيضه، ما يجعل التنبؤ بسلوكه وسياساته صعبا، كونهما متغيرين دائما، وأيضا لأنه بارع فى عقد الصفقات التى من الممكن أن تفرض معادلات مختلفة على أرض الواقع فى اللحظات الأخيرة، وأبرز مثال على ذلك، هو ما أدلى به مؤخرا فى مقابلة إذاعية حول صفقة تبادل الأسرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين من «أن عدم إتمامها بإطلاق الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس قبل تاريخ توليه المنصب سيكون له ثمن فادح، وسيفتح أبواب الجحيم على مصراعيها»، وربما هذا ما يفسر الزخم الذى اكتسبته المفاوضات بعد تعثرها عدة مرات، إذ شهدت خطوات متسارعة أفضت إلى اتفاق، خاصة أنه حرص فى نفس الوقت، وفى سابقة غير معتادة لرئيس لم يُنصب رسميا، لإرسال مبعوثه ستيف ويتكوف، إلى الدوحة التى تتولى الوساطة فى تلك المفاوضات، لتبليغ رسالته أو بالأحرى «تهديداته» حال لم تلتزم حماس بشروط الصفقة.

أما بخصوص تصريحه السابق عن «إنهاء الحروب» والذى قد يتناقض مع هذا التصريح، فهو يُعد من الأقوال الفضفاضة التى لا تستند لخطة ملموسة، باعتبار أن طبيعة تلك الصراعات تختلف من منطقة إلى أخرى، وقد يسهل حل بعضها دون البعض الآخر الذى يتطلب فترة زمنية أطول، وهو ما ينطبق على أزمات الشرق الأوسط. فعلى الرغم من إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والافراج عن الرهائن، فإن ذلك لا يعنى نهاية المطاف، لأن الاتفاق الحالى مُقسم على ثلاث مراحل، والحديث هنا هو فقط عن المرحلة الأولى، وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإنه جزئى ومؤقت، وليس شاملا، ولن يتضمن مشروعا نهائيا لوقف إطلاق النار ولكن مجرد هدنة، أى أن الحرب فى غزة ستستمر. فى كل الأحوال، فإن سياساته ستتجه نحو التشدد، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية عموما وحماس خصوصا، وهو ما تشير إليه ترشيحاته للمسئولين الذين سيتولون المناصب السياسية والأمنية العليا ممن ينتمون لـ«صقور» اليمين ويتماهون مع حكومة نيتانياهو اليمينية، وفى مقدمتهم مارك روبيو المرشح وزيرا للخارجية الذى صرح لموقع «أكسيوس» بـ«أن على إسرائيل تدمير كل عنصر من عناصر حماس، المصنفة أمريكيا كحركة إرهابية، وتفكيك شبكتها التنظيمية، ومنع التمويل والتسليح عنها» وباختصار فإن فريقه كله متشدد تجاه وجود «المقاومة المسلحة» والميليشيات المدعومة إيرانيا، من حماس إلى حزب الله اللبنانى وفى سوريا والعراق واليمن، وبالطبع هذا يتطابق مع رؤيته المعروفة للسلام فى الشرق الأوسط.

فى هذا السياق، قال وزير الأمن الإسرائيلى يسرائيل كاتس، إنه طلب من جيشه تقديم خطة لهزيمة حماس فى غزة بشكل كامل، إذا لم تطلق سراح المختطفين بحلول موعد تنصيب ترامب، لأن الضغط العسكرى عليها لم يتمكن إلا جزئيا من إضعاف قوتها العسكرية.

ولكن وبغض النظر عن هذه التصريحات، فإن القضاء على حماس وإبعادها عن حكم القطاع، هو هدف رئيسى للحرب الإسرائيلية عليه، والذى لم ولن تعارضه أى إدارة أمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، وإن كانت الأمور قد تسير بوتيرة أعلى فى ظل الإدارة الجمهورية الجديدة.

لم يُخف ترامب انحيازه التام لإسرائيل، حيث ضمن تصريحه الأخير قوله إنه «أفضل صديق لها» وإنه من اتخذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترافه بها عاصمة موحدة للدولة العبرية، كما أقر بسيادتها على هضبة الجولان، علاوة على رعايته اتفاقيات السلام التى عقدتها مع الدول الخليجية، وإنه سيستمر فى هذا الدعم خلال ولايته الثانية بصورة أكبر، وبالتالى فالأرجح أنه سيزيد من المساعدات العسكرية المقدمة لها، ويرفع الحظر الذى فرضه سلفه على جزء منها، ليعطيها حرية التصرف ضد حماس بصورة أقوى، وعلى الأصعدة كافة.

فى الوقت ذاته، لم يعلن تأييده للسلطة الفلسطينية ودورها فى حكم قطاع غزة تحت مظلة موحدة، بعد انتهاء الحرب، وكذلك الحال بالنسبة لـ«حل الدولتين»، وتحدث فقط عن مشروعية التوسع الاستيطانى الإسرائيلى فى الضفة الغربية، وحق إسرائيل فى بسط سلطتها عليها، واحتفاظها بالأراضى التى استولت عليها وضمها إليها، بل وأعلن صراحة فى تصريح مثير فى أثناء حملته الانتخابية أمام تجمع للناخبين اليهود بولاية نيويورك، وبثته قناة 12 الإسرائيلية، بشأن مساحة إسرائيل، «أنها تبدو كبقعة صغيرة جدا مقارنة بالدول المحيطة بها»، وأضاف نصا «أنه فكر مرارا فى كيفية توسيعها»، من هنا يضغط أعضاء حكومة نيتانياهو على تحقيق هذا المطلب منذ فوزه فى الانتخابات .

لكن رغم ذلك ، فإن تنفيذ هذا السيناريو، لن يكون سهلا، لأنه سيصطدم برغبته فى الاسراع بعجلة التطبيع بعد توقفها إثر عملية 7 أكتوبر، وطموحه فى توسيع اتفاقيات السلام لتشمل السعودية، وهذه الخطوة مشروطة بتسوية القضية الفلسطينية وفقا لـ«حل الدولتين»، وبالتالى فعليه مراعاة توازنات معينة فى علاقاته بدول المنطقة، يضاف إلى ذلك أن سلطة رام الله أبدت مرونة للتفاوض حول قضايا الوضع النهائى، ووجهت انتقادات عنيفة لحماس، رافضة محاولاتها إعادة انتاج «مغامرتها غير المحسوبة فى الضفة»، واصفة الحركة بأنها «رهنت نفسها لصالح طهران»، وهو موقف يجب أن يؤخذ فى الحسبان، بالتزامن مع انفتاحه على الخليج، واتباعه نهجا أكثر صرامة ضد إيران وحلفائها.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية