تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. نيفين مسعد > نقاش حول سوريا ومستقبلها «2ــ2»

نقاش حول سوريا ومستقبلها «2ــ2»

انتهى مقال الأسبوع الماضي من تحليل المصاعب الاقتصادية والسياسية التي تعانيها سوريا في المرحلة الحالية. واستعرض المقال اتجاهات النقاش حول هذه النقطة، في ندوة «المشهد السوري في واقع إقليمي معقّد»، وذلك كما عبّر عنها المتحدّث السفير رمزي عزّ الدين النائب الأسبق للمبعوث الخاص للأمم المتحدّة إلى سوريا، وكما وردَت في مداخلة مدير الندوة الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلاقات الدولية والتعقيب الذي قمتُ به، وكذلك مشاركات الأجيال المختلفة من أعضاء هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. وينتقل مقال هذا الأسبوع إلى نقطةٍ أخرى هي المتعلّقة باستشراف مستقبل سوريا كدولة وكنظام حكم.

 

انطلق المتحدّث من أن هناك اتفاقًا بين القوى الدولية والإقليمية على عدم تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة، لما يترتّب على ذلك من إضرار بمصالح هذه القوى.

ترغب الدول الأوروبية في إنجاز خط الغاز القطَري المار بسوريا والذي يجعلها في غنى عن استيراد الغاز الروسي، كما ترغب أيضًا في وقف موجات الهجرة إليها خصوصًا في ظلّ تصاعد شعبية تيار اليمين الأوروبي المتطرّف.

ولا تريد الولايات المتحدّة التورّط في سوريا التي باتت تحتّل أهمية متأخرّة على جدول اهتماماتها، وربما يساعد احتفاظ روسيا بقاعدتيها العسكريتين الموجودتين في سوريا على لعب دورٍ ما في حفظ الاستقرار الداخلي. وتبذل إسرائيل جهودًا لإقناع الولايات المتحدّة بالإبقاء ولو في الحدّ الأدنى على إحدى هاتين القاعدتين الروسيتين من أجل مواجهة النفوذ التركي الآخذ في التمدّد داخل سوريا. هذا مع ما هو معلوم من أن الرئيس الأمريكي ترامب رسم حدود التنافس التركي-الإسرائيلي بما لا يجعله يتحوّل إلى مواجهة عسكرية في سوريا، ومع ما يتردّد عن أن الوضع القائم في سوريا إنما هو ثمرة تعاون إسرائيلي-تركي في الإطاحة بنظام بشّار الأسد.

وألمح المتحدّث إلى أن إسرائيل مثلها مثل باقي الدول الأخرى لا ترغب في تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة، وإن كانت تسعى بشكلٍ حثيث إلى إضعاف سوريا عسكريًا بشتّى الطرق. وهنا ثار نقاش مفيد حول الفارق بين الدولة الفاشلة والدولة الضعيفة، فلقد عرّف المتحدّث الفشل بأنه من صفات الدولة التي تتحوّل إلى مرتع للجماعات الإرهابية، وهذه شَعرة رفيعة جدًا بين ما يُعّد ضعفًا وما يُعتبر فشلًا. فمع قيام إسرائيل بالتكسير الممنهج للقدرات العسكرية السورية بقصد إضعافها والتمدّد خطوة خطوة داخل حدودها، أفلا يسمح ذلك لخلايا داعش النائمة بأن تطّل برأسها وتعود إلى سابق نشاطها بعد أن يتهيأ لها المناخ ويتوفّر لها المبرّر؟

هذه واحدة والأخرى، أن إسرائيل بتعمّدها تشجيع النزعات الانفصالية لدى دروز سوريا وأكرادها، أفلا يكون نجاحها في مخططها ذروة فشل للدولة السورية إذ تعجز عن الاحتفاظ بوحدة أراضيها؟.

كذلك ثار نقاش حول دور إيران في سوريا، فعلى حين اعتبر المتحدّث أن إيران تسعى لتوتير الأوضاع في سوريا كما تجلّى من دورها المحتمل في تمرّد الساحل السوري، كان هناك رأي آخر يقول إن إيران تقوم في هذه المرحلة بدور رجل المطافئ في المنطقة، وهو ما تجلّى مثلًا في قيامها بسحب مستشاريها العسكريين من اليمن، فأولوية إيران هي إنجاز اتفاق نووي جديد، وتجنّب ضربة عسكرية أمريكية - إسرائيلية.

أما الدول العربية، فعلى الرغم من عدم توافقها على حد أدنى من المبادئ التي تصلح لأن تكون ركيزة لسياسة عربية تجاه سوريا، إلا إنها لا ترغب في تحوّل سوريا إلى مرتع لتصدير الإرهاب والمخدرات والمهاجرين سواء اعتبرنا هذه الصادرات ترتبط بالدولة الضعيفة أو بالدولة الفاشلة.

أخذًا في الاعتبار الأوضاع الصعبة داخل سوريا ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، طرح المتحدّث والمشاركون عدّة سيناريوهات لمستقبل سوريا - القاسم المشترك الذي يجمع بينها جميعًا هو أنها تتميّز بعدم التفاؤل.

السيناريو الأول يتمثّل في إقامة نظام تسلّطي يحكم سوريا كما قيل بالحديد والنار، وهناك بالفعل العديد من المؤشّرات التي تفيد بأن المرحلة الانتقالية (على الأقل) سوف تخضع لنظام تسلّطي بامتياز، فلقد تمّ تجميع كافة السلطات بيد رئيس الدولة دون حسيب ولا رقيب، وغلب اللون الطائفي الواحد بل واللون الفصائلي الواحد على كافة الأطر، وأعيد استنساخ ممارسات نظام بشّار الأسد في التضييق على المجتمع المدني. هذا النظام التسلّطي لا يبدو أنه يزعج الدول الغربية طالما لم يقترن بالصبغة الدينية كما قيل في المناقشات، وهنا يثور سؤال مشروع عن جدوى الإطاحة ببشّار الأسد طالما تمّ استبدال نظام تسلّطي بآخر يشبهه. لكن من ناحية أخرى هل يمكن حكم سوريا بالحديد والنار؟

من الصعب الإجابة بالإيجاب، فالسلاح لا يقتصر على فصائل هيئة تحرير الشام، ومن الممكن أن ينشأ سيناريو فرعي يتمثّل في إعادة تنظيم لواء الساحل لنفسه وانقلابه عسكريًا على حكومة دمشق، وهو ما تمّت الإشارة له في المقال السابق.

والسيناريو الثاني هو تفكيك الدولة السورية إلى عدة دويلات في الساحل والجنوب وشرق الفرات، فلا يبقى للحكومة الحالية إلا منطقة الوسط قليلة الموارد. ومن الناحية النظرية يبدو هذا السيناريو واردًا، وإسرائيل تشتغل عليه بقوة وهو أصلًا قديم تاريخيًا وخرائطه جاهزة. لكن في الوقت نفسه فإن هذا الخيار ليس سهلًا كما ذكر المتحدّث، لأنه مع التسليم بوجود أكثريات معينة في هذه الأقاليم، إلا أنها ليست خالصة لمكوّناتها، فحكومة دمشق تسيطر على بعض أهم المدن في داخل الأقاليم، وهذا يفتح الباب أمام احتمال الحرب الأهلية.

 السيناريو الثالث هو الدولة الفيدرالية التي يمكن أن تحول دون الوصول إلى سيناريو التفكّيك، لكن هذا السيناريو تبدو الفرص أمامه محدودة، لأنه مرفوض بشكلٍ معلنٍ من رئيس الدولة.

ظنّ كثيرون أن دخول هيئة تحرير الشام والفصائل المساندة لها إلى العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر 2024 يمثّل النهاية السعيدة لحكم آل الأسد، فإذا بهم يتبيّنون أن هذا التاريخ قد فتح مستقبل سوريا على مستقبلٍ شديد الغموض.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية