تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لماذا الضغط الأمريكى لوقف حرب إيران أسرع من غزة؟
يواصل مقال هذا الأسبوع التعرّض للأسئلة التى أثارها العدوان الإسرائيلى على إيران، وأحد الأسئلة التى تكررَت إثارتها ويهتم بها مقال اليوم هو عن السبب فى اختلاف السلوك الأمريكى حيال كلٍ من حربى إيران وغزة.
فعندما استخدمَت الولايات المتحدة فى الرابع من يونيو الماضى حق الڤيتو ضد مشروع القرار الذى توافقَ عليه كل أعضاء مجلس الأمن للوقف الدائم والفورى وغير المشروط لإطلاق النار فى قطاع غزة -عُدّ هذا الڤيتو هو الأول بالنسبة لإدارة ترامب والخامس بالنسبة للولايات المتحدة منذ بداية الحرب قبل ثمانية عشر شهرًا.
فقط منذ مطلع شهر يوليو الحالى بدأ حديث ترامب عن وقف إطلاق النار فى غزة يتخذ طابعًا جديًا وتكررَت التصريحات التى أدلى بها للإشارة لقرب التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب.
وفى المقابل، أعلن ترامب انتهاء الحرب الإسرائيلية -الإيرانية بعد اثنى عشر يومًا من اندلاعها، وهنأ طرفيها لامتلاكهما القدرة والشجاعة والذكاء على إنهائها، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة منعَت حربًا كانت ستمتد سنوات، قاصدًا أنه لو تُركت هذه الحرب لطرفيها ولم تقم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عنيفة للمنشآت النووية الإيرانية لما كان أيهما قادرًا على الحسم.
الإجابة السهلة لتفسير اختلاف سلوك إدارة ترامب بسرعة إعلانها وقف إطلاق النار فى إيران ومماطلتها فى العمل على وقف إطلاق النار فى غزة - هى أن الحرب الإسرائيلية ــ الأمريكية على إيران قد حققَت أهدافها بنجاح فى مدى زمنى قصير، بحيث أمكن تدمير برنامجها النووى وتقويض قدراتها الصاروخية ولم يعد هناك مبرر لاستمرار الحرب.
ومع تحقّق الأهداف بنجاح أصبح الطريق ممهدًا للضغط على حماس من أجل عقد صفقة مناسبة مع إسرائيل. وتفسّر هذه الإجابة من وجهة نظر أصحابها التحول فى السلوك الأمريكى ما بين رفض وقف إطلاق النار فى قطاع غزة يوم 4 يونيو، أى قبل حرب إيران وبين الترويج له بعدها بأيام قليلة.
لكن مثل هذه الإجابة كان قد تم تفنيدها فى مقال الأسبوع الماضي، على أساس أنه لا يمكن تقديم أى تحليل موضوعى للحجم الحقيقى للخسائر الإيرانية. والأهم من ذلك هو أن حركة حماس نفذت بعد انتهاء حرب إيران سلسلة من أنجح عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما يعنى فك العلاقة الارتباطية بين نتائج حرب إيران ومسار حرب غزة.
على ضوء ما سبق يحتاج تفسير اختلاف السلوك الأمريكى حيال الحربين إلى الالتفات لمجموعة أخرى من العوامل
ـ أحدها هو أن الولايات المتحدة تعتبر غزة قضية إسرائيلية تتصرف فيها كيفما شاءت، وطالما ارتبط المصير السياسى لرئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو باستمرار حرب غزة وتعمّد بالتالى إفشال كل جهود الوساطة، فإن إدارة بايدن ومن بعدها إدارة ترامب عملَت على مسايرته بتكرار استخدام حق الڤيتو، ومؤخرًا باستحداث ترامب آلية جهنمية لتوزيع المساعدات تمتص فى الظاهر الاحتجاج على تجويع الفلسطينيين وتهيئ فى الباطن لقتل المزيد منهم. وأن تكون إدارة ترامب قد غيّرت موقفها من استمرار الحرب فى غزة، فهذا لأنه بدا واضحًا أن القضاء على حماس غير ممكن وأن الحل العسكرى لن يؤدى لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. أما مع إيران فإن الموقف مختلف، فالإدارات الأمريكية المتعاقبة تتعامل مع البرنامج النووى الإيرانى بوصفه يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين عمومًا وللأمن القومى الأمريكى خصوصًا، أى أن الموضوع يتعدّى كونه مجرد تهديد للأمن القومى الإسرائيلي. وإيران منذ اندلاع ثورتها تعتبر إسرائيل مجرد وكيل للولايات المتحدة، ومع كونها تشيطن كلتا الدولتين إلا أنها تخص الولايات المتحدة بصفة الشيطان الأكبر. وعندما تتأزم علاقة ايران مع إسرائيل يرد حلفاء إيران بمهاجمة المصالح الأمريكية فى المنطقة. وكان هذا هو الغطاء السياسى للتدخل الأمريكى فى حرب إيران، وسواء وقع التدخل لأن إسرائيل ضغطَت على إدارة ترامب لتفعل بسبب ارتفاع خسائرها، أو لأن الإدارة الأمريكية نفسها قدّرت خطورة استمرار الحرب فى منطقة بالغة الأهمية الإستراتيجية فقرَرَت التدخل لتحسم-فإن النتيجة واحدة وهى أن التدخل الأمريكى كان مخططًا له أن يكون تدخلًا جراحيًا ومحددًا.
يقودنا ذلك لوزن الجوار الخليجى لإيران وشركاء إيران من القوى الكبرى فى التأثير على قرار الولايات المتحدة بإنهاء الحرب، وهذه نقطة بالغة الأهمية فى التمييز بين وضع غزة ووضع إيران.
وذلك لأن الحرب الإسرائيلية على غزة تمثل عنصرًا أساسيًا لعدم الاستقرار السياسى فى الشرق الأوسط هذا بالتأكيد، لكنها لا تمثل على الأقل فى الأمد القصير تهديدًا مباشرًا لدول الخليج العربية، على العكس من حرب إيران المفتوحة على كل سيناريوهات التصعيد.
ولئن كان استهداف قاعدة العديد فى قطر لم يؤد لنتائج ذات بال، إلا أنه كان بمثابة بروفة لما يمكن أن تؤدى إليه هذه الحرب فى حال استمرَت.
ـ من جهة أخري، فمع البرود الذى ميّز الموقفين الروسى والصينى تجاه حرب إيران، إلا أنه لم يكن من المتصور أن تقف هاتان الدولتان موقف المتفرج فى حال طال أمد الحرب وتطورَت إلى إلحاق هزيمة كاملة بإيران، فهناك شبكة من المصالح التى تربط بين الدول الثلاث، وهناك دور تلعبه إيران (وبطبيعة الحال تركيا أيضًا) فى الحفاظ على نوع من التوازن الإستراتيجى مع النفوذ الإسرائيلي/الأمريكى فى الشرق الأوسط.
ـ يضاف إلى ذلك كله حساسية السوق النفطية لأى توترات تشهدها منطقة الخليج، فى وقت أصلًا تعانى فيه هذه السوق من تداعيات الحرب الأوكرانية.
لم يكن من الوارد إذن بالنسبة لإسرائيل ولا بالنسبة للولايات المتحدة أن تتحوّل الحرب مع إيران إلى حرب استنزاف ممتدة، على غرار ما يحدث فى قطاع غزة، فالسياقان الإقليمى والدولى مختلفان تمامًا، كما أنه لا مقارنة بين القدرات العسكرية لكلٍ من حماس وإيران.
والذى يتأمل حذر إسرائيل وتريثها وتجهيزها العسكرى قبل إعلان الحرب على إيران يدرك وعيها بخطورة الإقدام على هذه الخطوة، وهو ما ثبت لها بالفعل على أرض الواقع، فما بالنا باستمرارها لشهور.
بل إن تغريدة ترامب فى اليوم التالى مباشرةً للحرب - كانت واضحة جدًا فى إظهار تعامله معها كحرب قصيرة المدي، إذ قال إنه يشعر ( مع الرئيس بوتين) بأن هذه الحرب يجب أن تنتهي.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية