تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عن حكومة الإصلاح والإنقاذ
لم يطل الوقت بنوّاف سلام رئيس الحكومة اللبنانى المكلّف حتى أعلن تشكيلته الحكومية الجديدة التى أطلق عليها اسمًا مستوحىً من المهام الموكولة إليها: حكومة الإصلاح والإنقاذ.فما بين تكليفه بمنصبه وتشكيل الحكومة لم يمضِ أكثر من أربعة وعشرين يومًا، وهذا الرقم يعتبر رقمًا قياسيًا فى عُمر الحكومات اللبنانية. فلقد اعتاد لبنان على التأقلم مع ظاهرة شغور المناصب القيادية وعلى امتداد عُمر حكومات تصريف الأعمال، وبالتالى فإن ما تحقّق حتى الآن يعّد إنجازًا.
لكن الأمر لم يكن سهلًا، فالإنجاز المطلوب من سلام كان فى مرحلة أشبه ما تكون بالبرزخ الذى يفصل بين عهدين سياسيين مختلفين، وفى مثل هذا النوع من المراحل الانتقالية تزدحم المطالب والتوقعات بشكلٍ يصعب معه الاستجابة لها وتلبيتها جميعًا.
وفى الأخير خرجَت حكومة فيها مزيج من العهدين معًا، فمن جهة استمّر الاحتكار الطائفى لحقائب وزارية معينّة، وعطّلت عُقدة حقيبة المالية إعلان التشكيل الحكومى بل إنها كادت تفسد العملية برمتها إلى أن أعطيت الحقيبة لياسين جابر القريب من حركة أمل كما جرت العادة دائمًا فى الربط بين المالية والحركة.
ومن جهة أخرى، اختلَفت هذه الحكومة عن سابقاتها على مدار عشرين عامًا بالتمام والكمال، حيث أتت لأول مرة من شخصيات غير حزبية ومن غير النوّاب فى البرلمان، وزاد فيها عدد خريجى الجامعة الأمريكية وحمَلة الجنسية الأمريكية، كما زاد بوضوح عدد الوجوه الجديدة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التمثيل النسائى فيها، وقد كان ضعف التمثيل الحكومى للنساء ظاهرة ملازمة لكافة التشكيلات السابقة وإن توّلت الوزيرات حقائب ثقيلة كالداخلية والدفاع.
فى التعليق على حكومة الإصلاح والإنقاذ يمكن إبداء ملاحظتين أساسيتين، الأولى هى أن نوّاف سلام فَعَل أقصى ما يمكن فِعله للتعجيل بتشكيل الحكومة، واختار حلًا ذكيًا للتخلّص من عقدة تمثيل أعضاء من حزب الله فى حكومته- وذلك بأن اتجه إلى تكليف وزراء غير حزبيين وإن كانوا على صلة جيّدة بالأحزاب والقوى السياسية المختلفة ومنها حزب الله.
هذا الحلّ لم يعجب أولئك الذين كانوا ينتظرون من سلام تشكيلًا وزاريًا راديكاليًا يطوى بالكامل صفحة النفوذ السياسى لحزب الله، فما أن تم إعلان الأسماء حتى انتُقد سلام لخضوعه لابتزاز الثنائى الشيعى، وذلك فى الوقت الذى رحبّت فيه السفارة الأمريكية نفسها بالحكومة الجديدة. ومعلوم أن مورجان أورتاجوس نائبة المبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط كانت قد اشترطَت عدم تمثيل حزب الله فى الحكومة الجديدة، والمعنى هو أن موقف بعض الفرقاء اللبنانيين بدا أكثر تشددًا من الموقف الأمريكى نفسه! وكما انتُقد سلام من هذا الفريق، انتقده بعض أنصار الثنائى الشيعى، والأدّق القول إنهم واصلوا انتقاد المسار السياسى الذى بدأ بانتخاب چوزيف عون، ومرّ بتكليف نوّاف سلام وانتهى بتشكيل حكومة غير حزبية، ووصفوا العملية برّمتها بأنها منتج أمريكى خالص. ومن الناحية العملية بدا المخرج الذى توصّل إليه سلام هو الأنسب لمرحلة شديدة الخطورة ولا تحتمل تصفية الحسابات، وذلك على الرغم من أنه من الناحية الديمقراطية وكما سبق القول فى مقال سابق لا توجد مشكلة فى أن ينتقل الثنائى الشيعى للمعارضة كما سبق أن انتقلَت للمعارضة قوى مسيحية وسنيّة رئيسية ولم تحدث مشكلة، لكن خطورة المرحلة كانت تقتضى التحلّى بالحكمة، ويُحسَب لنوّاف سلام أنه أنهى بِدعة الثلث المعطّل التى كان يحتجزها الثنائى الشيعى لنفسه ويوقف بموجبها ما لا يعجبه من قرارات الحكومة.
الملاحظة الثانية هى أن حكومة نوّاف سلام تستحّق كل الدعم لتمكينها من استيفاء قائمة المهام الداخلية والخارجية التى يتعيّن عليها القيام بها. وكون هذه الحكومة حظت بتأييد فورى من الولايات المتحدّة وفرنسا فإن هذا يعنى أنها تتمتّع بالدعم الدولى، وهو ما قد ييسّر عملية إعادة الإعمار الضخمة التى يحتاج إليها الجنوب اللبنانى بشكلٍ خاص.
لكن هذا لا يلغى أن حكومة سلام تواجه تحديات تنبع من عدّة مصادر، فهناك الوضع الأمنى الهش على حدود لبنان مع كلٍ من إسرائيل وسوريا، فمن المفترض أن تجلو إسرائيل عن القرى الجنوبية التى احتلّتها بحلول الثامن عشر من هذا الشهر، وبفرض أنها انسحَبَت فلا أحد يدرى بالضبط ماذا فى جعبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة المنتعشة جدًا فى ظل رئاسة ترامب للولايات المتحدّة.
وأى تعقيد يطرأ على مسألة الانسحاب سيجّر معه سلسلة من التعقيدات المرتبطة به والمتعلّقة بقضية سلاح حزب الله. وبالتوازى مع ذلك تشهد الحدود مع سوريا اشتباكات متقطّعة وعنيفة بين القوات التابعة لما يسمّى إدارة العمليات فى سوريا وبين مهربين لبنانيين بعضهم يقيم فى سوريا، وهذا بدوره يعطّل مهمة حصر السلاح بيد الدولة التى يؤكد عليها رئيسا الجمهورية والحكومة. كما يوجد التحدّى الخاص بعدم التجانس بين أعضاء الحكومة ذوى الخلفيات والخبرات المختلفة فبعضهم انتقل من قطاع الأعمال أو قاعات التدريس أو العمل مع المؤسسات الدولية أو مؤسسات المجتمع المدنى إلى عضوية الحكومة بشكلٍ مباشرٍ، والبعض الآخر له خبرة سابقة بالعمل الحكومى وتنقل بين عدّة وزارات.
كما توجد خشية من استخدام وزير المالية حق التوقيع الثالث لتعطيل القرارات الحكومية فى أمور ملغومة مثل القرارات الخاصة بملّء الفراغات فى الإدارات المختلفة. وهناك التحدّى الخاص بالاحتقان الطائفى المكتوم الذى ينفجر بين الحين والآخر بسبب تصريح هنا أو هناك، وهو أمر يمكن أن يسحب طرف الخيط إلى حيث لا يريد له أحد أن يصل.
هذه التحديات المركّبة يلزمها تقدير الحاجة لتهيئة الطريق أمام مواجهتها، وأول سبل مساعدة الحكومة على البدء فى العمل هو نيلها الثقة من مجلس النواب، فنتمنى ألا يطول انتظار المرور الآمن لبيانها الوزارى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية