تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حول زيارة عراقجى للقاهرة
أثارت زيارة وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقچى إلى القاهرة قبل عدة أيام ضجة واسعة من حولها. ومع أن هذه الضجة عادةً ما تلازم أى اتصال رفيع المستوى بين مصر وإيران وعلى سبيل الاستثناء عن جميع الاتصالات الإيرانية الأخرى مع كل الدول العربية، إلا أن هذه الزيارة بالتحديد كانت لها خصوصية معينة لأسباب مختلفة. ومن بين هذه الأسباب أركّز بشكل خاص على تزامنها مع زيارة رافييل جروسى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى القاهرة، وانعقاد لقاء ثلاثى بين وزير الخارجية المصرى الدكتور بدر عبدالعاطى وضيفيه الإيرانى والأرچنتيني. وقبل أن أستطرد فى تحليل أهمية هذا اللقاء، أنتهز الفرصة لتحية الرؤية المتوازنة للسياسة الخارجية المصرية فى ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي، والنشاط الدبلوماسى الذكى والدؤوب لوزير خارجيتنا الدكتور بدر عبد العاطى فى تنفيذها على أرض الواقع، فعلى الرغم من أنه لم يمض عليه فى منصبه سوى شهور قليلة إلا أنه استطاع أن يؤكد حضوره ويشتبك مع العديد من الملفات الشائكة، ومن بينها الملف الإيراني.
انعقد اللقاء الثلاثى قبيل عدة أيام من الاجتماع المرتقب لمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى التاسع من هذا الشهر، وفى أعقاب التقرير الأخير للوكالة والذى كان قد أوضح الزيادة الكبيرة فى نشاط التخصيب الإيرانى وبنسبٍ عاليةٍ خلال الثلاثة أشهر الماضية أى منذ وصول ترامب إلى الرئاسة وبالتوازى مع انعقاد جولات المفاوضات الأمريكية - الإيرانية حول البرنامج النووي. هذا إضافةً إلى ما أشار له التقرير حول استمرار عدم وضوح موقف ثلاثة مواقع جرى فيها تخصيب اليورانيوم سرًا، على نحو يجعل تعاون إيران مع الوكالة دون المستوى المُرضي. ومن هنا توجد خشية حقيقية من أن يؤدى التقرير المُقبل لمجلس محافظى الوكالة إلى مزيد من تعقيد الموقف مع إيران، وربما يؤدى إلى قيام دول الاتفاق النووى لتفعيل آلية الزناد التى تعنى عودة عقوبات مجلس الأمن ضد إيران بشكلٍ تلقائى ودون إمكانية استخدام حق الڤيتو ضدها لا من روسيا ولا من الصين.
وبينما هذا هو وضع العلاقة مع الوكالة ومع دول الاتفاق النووي، فإن المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة تقف على مفترق طرق، وذلك أنه بعد التفاؤل الكبير الذى ساد المفاوضات فى الجولتين الأولى والثانية، بدأ التفاؤل يتراجع بالتدريج وصولًا إلى الجولة الخامسة والأخيرة فى الثالث والعشرين من مايو الماضي. ويساعد على هذا التراجع ما يبدو من عدم وجود رؤية أمريكية واضحة ومستقرة ومتكاملة لتسوية قضية البرنامج النووى الإيراني،سواء بحكم الطبيعة الشخصية لترامب أو بحكم التدخلات الإسرائيلية الكثيفة. إذ يستنتج المتابع لهذا الملف منذ وصول ترامب للسلطة، أن الإدارة الأمريكية الحالية وإن كانت تعرف جيدًا الهدف النهائى من التفاوض مع إيران وهو عدم حيازتها سلاحا نوويا، إلا أنها مترددة فى ما عدا ذلك من تفاصيل. ففى حين تذهب جميع التصريحات الرسمية من أول الرئيس مرورًا بوزير خارجيته ماركو روبيو وانتهاءً بمبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى أنه لا يمكن السماح لإيران بتصنيع قنبلة نووية.
توجد مروحة واسعة جدًا من التفاصيل التى تظهر وتختفى من مسئول لآخر ومن أسبوع لآخر حول ما هو دون هذا الخط الأحمر، فتارةً يتم ربط برنامج إيران النووى ببرنامجها الصاروخى وتدخلاتها فى شؤون المنطقة كما فى رسالة ترامب التى حملها المستشار الإماراتى أنور قرقاش للمرشد على خامنئي، وتارةً أخرى يتم التركيز على البرنامج النووى حصريًا مع تهديدات بين وقت لآخر بوجوب الامتناع عن دعم جماعة الحوثي، بل إنه فى إطار التركيز على البرنامج النووى نفسه، تارةً يقال إنه لن يسمح لإيران ولا بـ1% من التخصيب، على نحو يذكّرنا بتهديد ترامب فى ولايته الأولى بتصفير الصادرات الإيرانية من البترول، وهو لم يحدث بالطبع، وتارةً أخرى يقال إن من الممكن إنشاء تعاون نووى إقليمى خليجى بالأساس مع إيران تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو حل جيد نظريًا لكن تكتنفه هواجس خليجية من انعكاس تعقيدات العلاقة الأمريكية-الإيرانية عليها، وتارةً ثالثة يتم التنصّل الأمريكى من هذا الاقتراح وإلقاء مسئوليته على إيران.
ومن جانبها، تعى مصر جيدًا خطورة حدوث انسداد فى تواصل إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتدرك تمامًا أن هذا الانسداد يمثل فرصة ذهبية لإسرائيل من أجل التحريض على توجيه ضربة عسكرية موجعة لإيران. وتتحرك من أساسيات العلاقات الدولية التى تفيد بأنه كلما تعددت مراكز القوة زادت فرص المناورة والحرية المتاحة للحركة، وبالتالى فليس من مصلحة أيٍ من الدول العربية أن تنفرد إسرائيل بالهيمنة على الشرق الأوسط وتسييد مشروعها الإقليمى فوق الجميع. وقد رأينا كيف تسعى إسرائيل لتقليص النفوذ التركى فى سوريا بعدما انتهت من النفوذ الإيراني، وهذا وإن كان لا يعنى بالتأكيد الموافقة على الوجود التركى فى سوريا وتغلغله فى مختلف مفاصل الدولة، إلا أن المقصود أن إسرائيل ترفض أى منافسة إقليمية من حيث المبدأ، حتى إن كانت تربطها بمنافسها علاقة تاريخية وطيدة. وعندما تتوسط مصر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فإنها ترتكز على شفافيتها فى التعامل مع الوكالة والتزامها المعلن والثابت بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
كما تستثمر مصر أيضًا حرص إيران على حل مشكلة برنامجها النووى بالوسائل الدبلوماسية.
كل الدول توجد بينها مساحات اتفاق ومساحات اختلاف، والمصالح الوطنية للدول تقضى بتوسيع نطاق ما هو مشترك والبناء عليه، وهذا تحديدًا ما سعت إليه مصر بترتيبها لقاء جروسي- عراقچي. أما الذهاب بعيدًا فى بعض التحليلات السياسية إلى أن هناك محورًا جديدًا آخذًا فى التشكل من مصر وتركيا وإيران وربما العراق والأردن أيضًا، فإن هذا النوع من التحليلات لا يتفهم أسس السياسة الخارجية المصرية الرافضة لمبدأ المحاور، وحقيقة أن مصر التى رفضَت الاصطفاف ضد إيران فى الناتو الشرق أوسطى لن تصطف مع إيران ضد أحد، ناهيك عن أن يكون الاصطفاف ضد دول عربية شقيقة.
كما أن التخويف من النظام السياسى الإيرانى لا ينبغى له أن يوقف تطوير العلاقات المصرية - الإيرانية على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، فلا توجد علاقات دبلوماسية مقطوعة إلى الأبد.
أما الكلمة الأخيرة فهى عن هذا الحى المصرى العتيق: خان الخليلي، الذى أضيف إلى كونه حيًا ملهمًا للأدب والفن والثقافة والذائقة الشعبية - كونه محفلًا للسياسة وملتقيً للسياسيين من الغرب والشرق، وهكذا دخل مقهى نجيب محفوظ التاريخ من بابٍ مختلفٍ.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية