تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. نيفين مسعد > حول حديث المؤامرة على سوريا

حول حديث المؤامرة على سوريا

ينقسم تحليل التطورات الأخيرة فى سوريا إلى اتجاهين أساسيين، الاتجاه الأول يرى أن سقوط حلب كان نتيجة مؤامرة كبيرة على سوريا بسبب مواقفها العروبية ووجودها كطرف أصيل داخل محور المقاومة، وذلك مع اختلاف بين أنصار هذا الاتجاه فى تحديد أطراف المؤامرة. فهناك مَن يرى أن إسرائيل استخدَمَت التنظيمات الإرهابية لضرب ما تبقّى من نفوذ إيرانى فى سوريا مستشهدًا بذلك على أن بنيامين نيتانياهو حذّر بشار الأسد صراحةً- فى خطاب الإعلان عن وقف إطلاق النار مع لبنان- من أنه يلعب بالنار، علمًا بأنه سبق لنيتانياهو أن فتح المستشفيات الإسرائيلية إبان رئاسته الحكومة عام 2013 أمام جرحى جبهة النصرة التى تحوّلت لاحقًا إلى هيئة تحرير الشام.

وهناك مَن يرى أن تركيا هى المستفيد الأول مما جرى فى سوريا لتضييق النطاق على قوات سوريا الديمقراطية وللتوسّع الجغرافى فى جوارها المباشر. ويُدخل البعض روسيا فى إطار التفسير التآمرى لسقوط حلب على أساس أنه من المستبعد أن تضّحى إسرائيل وتركيا بالعلاقة مع روسيا وتقومان بتشجيع الهجوم على حلب دون الحصول على ضوء أخضر من الرئيس بوتين.

أما المقابل الذى ستحصل عليه روسيا فهو على الأرجح ضبط القصف الأوكرانى للأراضى الروسية، وهو ما يؤكّد الضلوع الأمريكى فى تمرير صفقة احتلال حلب إن تكن هيئة تحرير الشام على قائمة التنظيمات الإرهابية الأمريكية، فلقد سبق أن كانت طالبان على نفس اللائحة ثم تفاوضت معها إدارة ترامب.

أما الاتجاه الثانى فإنه يرفض التسليم بفكرة المؤامرة التى يعتبرها مسيطرة على العقل السياسى العربي، وهو يفسر سقوط حلب بالعنف الذى استخدمه النظام مع المعارضة على مدار ثلاثة عشر عامًا كاملة، ورفض الأسد الانخراط فى أى عملية تنتهى بإنجاز الإصلاح الدستورى والانفتاح السياسي.ويرى أنصار هذا الاتجاه أنه بما أن الأمر كذلك،فلقد كان من المتوقّع أن تخطط المعارضة المسلّحة-كما يسميها-لإسقاط النظام فى انتظار أن تحين اللحظة المناسبة لتنفيذ خطتها، وهو ما تحقّق بالفعل بعد الضربات المتتالية لإيران وحلفائها وعلى رأسها حزب الله.

عندما نتأمل التفسيرين السابقين نجد أن أحدهما ينطلق من فكرة التآمر بينما ينطلق الآخر من فكرة التخطيط، فهل يوجد فارق بين الاثنين؟ فى نقاش طويل مع المفكر الكبير الأستاذ جميل مطر رأى أن الفارق بين الاثنين يكمن فى عنصر السرّية، بمعنى أن التآمر عادةً ما يجرى خلف الأبواب المغلقة، أما التخطيط فإنه يتم على المكشوف وفى وضح النهار. وكمثال ذكر مطر أن العدوان الثلاثى على مصر فى 1956 كان ينطوى على مؤامرة لأنه كان من المستحيل إعلام الولايات المتحدة- وقد خرجَت من عزلتها الدولية- بالاستعداد لمهاجمة مصر. وفى المقابل فإن مؤتمر برلين فى عام 1884 الذى جرى فيه تقسيم أفريقيا بين الدول الأوروبية كان نوعًا من التخطيط المعلن لتنظيم عملية الصراع على إفريقيا، وبالمثل كانت اتفاقية سايكس- بيكو فى عام 1916 لتقسيم الإمبراطورية العثمانية أو تركة الرجل المريض بين أكبر قوتين أوروبيتين استعماريتين فى مطلع القرن العشرين: بريطانيا وفرنسا. وبالتطبيق على سقوط حلب أو إسقاطها،فإن دولة إسرائيل الكبرى تمثّل جوهر العقيدة الصهيونية المعلومة للكافة،ورئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بنيامين نيتانياهو كان شديد الوضوح فى الإفصاح عن تصميمه على تغيير وجه الشرق الأوسط مرارًا وتكرارًا، وبالتالى يعتبر مطر إنه من الناحيتين العقائدية والسياسية كان لا مناص من التركيز على سوريا والعمل على إخضاعها. وذلك أن سوريا تقع فى قلب المشرق العربي،وهى بتعدديتها الإثنية المفرطة تكاد تكون نموذجًا مصغّرًا لكل سكان الشرق الأوسط،وبالإضافة لهذه المعطيات الجغرافية والديموجرافية الثابتة فإن تحالف دمشق مع طهران أضفى على سوريا أهميةً أكبر لأنه جعلها بهذا التحالف تمثّل عقبة أمام تنفيذ المشروع التوسعى الإسرائيلي.

هذا التمييز بين التخطيط والتآمر يبدو لى تمييزًا مراوغًا إلى حدٍ بعيدٍ، بمعنى أنه ليس من السهل على المحلّل السياسى التوصّل إلى نتيجة تفيد بأن سياسةً معينةً تدخل فى نطاق التخطيط بينما تدخل سياسةُ أخرى فى إطار التآمر. وكمثال يثور السؤال حول ماهية الحدود الفاصلة بين التخطيط والتآمر فى الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003؟

لقد جاهر چورچ بوش الابن بأنه ماضٍ لاحتلال العراق حتى لو ثبت أنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل، فهذا إذن تخطيط أمريكى لاستنزاف ثروات العراق وفق معيار العلانية. لكن فى الوقت نفسه فإن هذا الاحتلال وتداعياته أدى إلى سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، وهناك مَن يرى أن داعش عبارة عن صناعة أمريكية، لكنه أمر لا يمكن الإعلان عنه بالتأكيد، فهل نستطيع القول إن احتلال العراق بدأ تخطيطًا وانتهى تآمرًا؟.

وأسبق من ذلك تاريخًا لو أخذنا التحريف الأمريكى لقرار مجلس الأمن رقم 688 فى عام 1991 الذى كان يطالب العراق بوقف قمع الأكراد واحترام حقوق الشعب العراقي، والذهاب بهذا القرار إلى فرض منطقة حظر جوى عند خط عرض 36 شمالًا وهو ما وضع الأساس للوضع شبه الانفصالى لإقليم كردستان - أقول لو أخذنا التعامل الأمريكى مع هذا القرار فهل نعتبره تخطيطًا فوريًا معلنًا لحماية الأكراد أم نعتبره تآمرًا سريًا طويل الأمد لتقسيم العراق وتقطيع أوصاله؟.

ولو أخذنا بعض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى توقّع فى العلن وعلى مرأى ومسمع من وسائل الإعلام- لوجدنا أن البعض منها يتضمّن بنودًا سريّة لا يتم الإعلان عنها بحكم ما قد تتميّز به من حساسية تخص السيادة الوطنية مثلًا، فهل هذا يعنى أنه فى داخل التخطيط قد يكمن التآمر؟ إننى أؤمن بأن أخطاء النظام فى حق شعبه ليست هى سبب الموقف الدولى منه، بل السبب هو العمل على تنفيذ الفوضى الخلاقة على طريق الشرق الأوسط الجديد، وأؤمن بأن إسقاط حلب بواسطة جماعات إرهابية أتت من شتّى أنحاء المعمورة لم يكن تخطيطًا معلنًا لمعاقبة نظام حكم تسلطى بل كان تآمرًا متعمدًا لتمزيق سوريا إلى دويلات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية