تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
العلاقات المصرية ــ السورية
مثلى مثل كل الذين يعرفون عمق العلاقات المصرية ـــ السورية التى ترتبط بها صفات من قبيل أول وحدة عربية وأول انتصار عربى فى الحرب مع إسرائيل، كنّا ننتظر من وقت طويل هذه الخطوة فى تطوّر العلاقات بين البلدين. ثم جاءت زيارة وزير الخارجية سامح شكرى إلى العاصمة السورية، وكأنها تقول هنا القاهرة من دمشق كما سبق أن كانت دمشق هى صوت القاهرة عندما ضُرِبت الإذاعة المصرية أثناء عدوان ١٩٥٦، وللتاريخ فى علاقة الدولتين محدداته. عندما دخلت مصر فى مجلس التعاون العربى مع كلٍ من العراق والأردن واليمن كنّا نعلم تعقيدات العلاقة بين حافظ الأسد وصدّام حسين، ومع ذلك كنّا نتساءل أين سوريا من هذا المجلس؟ وحين كوّنت مصر والعراق والأردن تجمّعًا ثلاثيًا فى ظل حكومة مصطفى الكاظمى بتنا نتطلّع إلى أنه حين يتوّسع هذا التجمّع أول ما يتوَسع فإن من الضرورى أن يضّم إليه سوريا. اشترَكَت الدولتان معًا فى تحرير الكويت من الغزو العراقى واشتركتا معًا فى إعلان دمشق بعد التحرير. واشتركتا مع السعودية فى قيادة النظام الإقليمى العربى فى التسعينيات. وهذا ليس كل شىء، لكن سوريا هى قلب الشام الذى أسهم فى النهضة الصحفية والثقافية والفنية المصرية مطلع القرن العشرين، وهى التى أعطتنا أصواتًا ذهبية ومواهب تمثيلية بارعة فى السينما والمسرح. وعندما تم تجميد عضوية سوريا فى جامعة الدول العربية وقطع العرب علاقاتهم الدبلوماسية مع سوريا، فإن مصر كانت آخر دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية معها فى ٢٠١٢، وبالتالى فإن ذهاب رئيس مجلس النواب وعميد الدبلوماسية المصرية إلى دمشق الأسبوع الماضى إنما كان بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها، فمن بين ما كان يؤلم فى قطع العلاقات مع سوريا أنه تمّ فى ظل حكم الاخوان الذى أعلن المصريون رفضهم له فى الثلاثين من يونيو. لكن زيارتّى الجبالى وشكرى تمهّدان الطريق لاستئناف العلاقات وتجدّدان الأمل فى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، خاصةً عندما ندرك أن هاتين الزيارتين جاءتا فى سياق إقليمى متحوّل سواء فيما يخص المصالحات العربية ــ العربية، أو فيما يخص علاقات العرب مع دولّتى الجوار. وفى النهاية لن يصّح إلا الصحيح، وذلك أن السياسات قد تتغيّر بتغيّر النظم، لكن حقائق الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا تضع حدًا للمدى الذى يمكن أن يذهب إليه التغيّر فى السياسات.
منذ الحراك الشعبى الواسع فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ حافظَت مصر على عدد من المبادئ الأساسية التى حكَمَت موقفها من الصراع الدائر فى سوريا. المبدأ الأول هو التأكيد على أن الحل السياسى هو الحل الوحيد لإنهاء الصراع، وبالفعل فإننا عندما نتأمل فى الأسباب التى أدّت لإطالة أمد الصراع السورى فإننا لابد أن نضع من بينها عسكرة المعارضة السورية بل وانخراط مجموعات مسلحة من خارج سوريا والمنطقة فى الصراع. ولذلك فإن مصر كانت متسَقة تمامًا مع نفسها عندما لعبت دورًا فى التهدئة ورعت اتفاقات لوقف القتال بين النظام والجماعات المسلحة فى مناطق مثل الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالى، ما أسفر عن فتح ممرات آمنة لعبور المساعدات الإنسانية. وكون مصر لم تتوّرط فى الصراع السورى فإن هذا جعل وساطتها مقبولة من أطراف الصراع، سواء فيما يخّص وقف العنف أو فيما يخّص التفاهم على خطوات الحل السياسى عبر استضافة اجتماعات بعض قوى المعارضة. المبدأ الثانى الذى أكدّت عليه مصر مرارًا وتكرارًا هو التمسّك بوحدة الأراضى السورية ورفض كل مشاريع التقسيم المُعّدة فى السر والعلن من جانب قوى دولية وإقليمية وامتداداتها فى الداخل السورى. وفى المقابل فإننا نتذكّر على سبيل المثال تلك الدعوة التى رُفعَت أثناء عام حكم الإخوان من أجل فرض حظر جوى فوق سوريا، ومثل هذا الحظر الجوى الذى سبق أن فُرض على العراق فى ١٩٩١ كان هو الأساس الذى بُنيت عليه عدة تطورات سياسية، ما احتاج تدخلًا قويًا من الحكومة المركزية. المبدأ الثالث هو دعم الدولة السورية فى معركتها مع الإرهاب، وذلك انطلاقًا من أن الأمن القومى المصرى مرتبط بالأمن القومى السورى، ومن أن مصر تخوض هى الأخرى معركة مع الجماعات الإرهابية، وبالتالى فإن نجاح تنظيم داعش لا قدّر الله فى مخططه الإجرامى فى كلٍ من العراق وسوريا كان لابد أن تكون له آثاره الكارثية على مصر، ومن هنا جاء التنسيق الاستخباراتى والأمنى المصرى - السورى رفيع المستوى. أما المبدأ الرابع والأخير فهو استقبال الإخوة السوريين الذين اضطرتهم ظروف الحرب لترك ديارهم، وتيسير سبل إقامتهم ودراستهم وأنشطتهم التجارية، ومن حق مصر أن تفخر بأدائها المتميّز فى هذا الملف بما يتسّق تمامًا مع طبيعة الشعب المصرى.
فى تحليل الانفتاح العربى الأخير على سوريا جرى استخدام مصطلح دبلوماسية الزلزال للإشارة إلى أن الزلزال المدمّر الذى ضرب سوريا الحبيبة هو الذى أدّى للإسراع بالانفتاح عليها. ومثل هذا التحليل يصدق جزئيًا لأنه كان من المستحيل الوقوف موقف المتفرّج أمام المشاهد الإنسانية شديدة الإيلام التى تنقلها الفضائيات من اللاذقية وإدلب، ومن هنا جاء التحرّك المصرى الواجب كما جاء تحرّك العديد من الدول العربية الأخرى لإسناد جهود الإغاثة والإنقاذ والمساعدة. لكن فى الوقت نفسه فإن الأساس لتفعيل دبلوماسية الزلزال هذه كان موجودًا قبل سنوات، وقضية مشاركة سوريا فى القمة العربية الأخيرة بالجزائر كانت مطروحة بقوة قبل أن يتّم تأجيلها، فالكوارث الطبيعية تخلق تعاطفًا إنسانيًا مع الدول التى تصاب بها، لكنها لا تُحدث استدارة حقيقية فى السياسات الخارجية التى تبنى على المصالح، وهذه المصالح. نتمنى من كل قلوبنا فتح صفحة جديدة مع سوريا، وذلك أن عَقدَا من القطيعة مع سوريا قلب الشام يكفى ويزيد.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية