تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الطريق إلى ٣٠ يونيو «1-2»

حلّت بالأمس الذكرى العاشرة لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، هذه الذكرى الغالية التى أكملَت تغييرًا أظنّه كان قد حلّ بكثيرٍ من المصريين منذ ثورة يناير ٢٠١١ ودفعهم للخروج من الشرنقة التى أحاطوا بها أنفسهم زمنًا طويلًا. وذلك أن أغلبية المصريين كانت قد اختارت الصمت وقرَرَت مقاطعة العمل السياسى لأسباب مختلفة أهمها اقتناعها بأن هذا العمل لا يفضى إلى شىء. لكن مع يناير اختلف الوضع، وانتاب كل مواطن مصرى شعور بالاقتدار، ودفع ذلك قطاعات لا تشترك عادةً فى العمل العام إلى الخروج والتظاهر والمشاركة. خرج أساتذة الجامعة فى مظاهرة حاشدة وكان آخر خروج لهم مرتبطًا بحركة ٩مارس التى تركزّت مطالبها على تحقيق استقلال الجامعة، وخرج القضاة يرتدون الأرواب والأوشحة، وخرجَت النساء بكثافة ليكون لهن دور فى تشكيل لحظة التغيير.

لكن ما أن انقضت الأيام الثمانية عشرة وانسحب الرئيس حسنى مبارك من المشهد السياسى حتى بدأَت تتوالى مظاهر انجراف أو انحراف الثورة عن مسارها الأول. أتى الشيخ يوسف القرضاوى من الخارج ليخطب فى ميدان التحرير محاطًا بعدد لا بأس به من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وتزامن ذلك مع خطبة ألقاها المرشد الإيرانى على خامنئى باللغة العربية قال فيها إن الثورة المصرية استلهَمَت روحها من الثورة الإيرانية، وكأن المصريين بلا تاريخ ثورى لا ١٨٧٩ ولا ١٩١٩ ولا ١٩٥٢ ولاشىء.

وأذكر حينها إننى كتبتُ مقالًا فى جريدة الشروق بعنوان: ثورتنا بلا إمام، وكان المعنى أن هذه الثورة صنعها الشعب المصرى كله لا جماعة الإخوان ولا علماء الدين، وأن أبرز ما ميّزها هو ذلك التلاحم بين مسلمى مصر ومسيحييها فمَن ذا الذى ينسى الدور العظيم الذى لعبته كنيسة قصر الدوبارة فى حماية المتظاهرين وعلاج الجرحى؟. لكن الموجة كانت عالية وكان يستحيل السباحة ضدها تسلّحًا بمقال أو حتى بمئات المقالات المضادة. ولذلك استمرت الثورة تتزحزح بالتدريج فى اتجاه لم يخطر ببال معظم القوى التى شاركَت فى ثورة يناير.

وظهر المؤشر الثانى على هذا التزحزح مع الاستفتاء على الإعلان الدستورى فى ١٩ مارس ٢٠١١، فمع أنه كان من الوارد قبول اختلاف المصريين حول أى البديلين أحق بأن تكون له الأولوية قبل الآخر: الإعلان الدستورى أم الانتخابات البرلمانية؟ إلا أن الذى كان غير مقبول هو تشجيع الاستقطاب وتقسيم المصريين وفق هذا الاختلاف إلى معسكرين متواجهين، أكثر من ذلك كان هو تصوير عملية الاستفتاء باعتبارها غزوة أو موقعة دينية، وكلنا يذكر ذلك الربط العجيب الذى تمّ بين التصويت بنعم فى الاستفتاء والتصويت بنعم على الإسلام نفسه.

هذا المؤشّر المبكّر كان فى غاية الخطورة، لأنه كان دليلًا على ممارسة الاستقواء من جانب التيارات الدينية باستخدام التوظيف السياسى للدين. وسرعان ما تكّرر هذا الاستقواء فى تشكيل الجمعيتين التأسيسيتين الأولى ثم الثانية، فلقد عكس التشكيلان وزنًا نسبيًا كبيرًا للإخوان والسلفيين كان لابد أن يترك تأثيره على دستور ٢٠١٢ فيما يخصّ مقومات الدولة والمجتمع أو بتعبير آخر فيما يخصّ الهوية المصرية. وحتى يمكن إدراك حجم هذا التأثير، من المفيد أن نقارن بين دستور ٢٠١٢ والدستور التونسى الذى كان يتّم إعداده فى نفس الفترة تقريبًا، فلو أخذنا جانبًا واحدًا فقط هو المتعلّق بوضع المرأة فى كلا الدستورين، لوجدنا الدستور المصرى قد تكلّم عن حقوق المرأة المعيلة والأرملة بينما تكلّم الدستور التونسى عن حقوق التناصف بين المرأة والرجل، وشتّان هو الفارق بين وضع المرأة كحالة اجتماعية خاصة تستحق الرعاية من الدولة ووضعها كمواطنة كاملة الحقوق والواجبات.

من جانبها لم تتمكّن القوى الحزبية المدنية الناشئة من تكتيل جهودها لمحاولة تصحيح مسار الثورة، فمنها من دخل الانتخابات البرلمانية منفردًا وحاز عددًا محدودًا من المقاعد رغم أن حزبًا آخر كحزب النور نشأ فى نفس الفترة ونجح فى تقاسم الأغلبية مع الإخوان، ومنها مَن خاض هذه الانتخابات على قوائم جماعة الإخوان، ومع تقديرى لأن السياسة هى لغة المصالح إلا أننى أدرك أيضًا أن هناك حدودًا للبراجماتية السياسية، وبالتالى بدا لى غريبًا تلاقى المشروعين الناصرى والإخوانى فى قائمة واحدة. وستعود هذه البراجماتية لتبرز بشكل أوضح وأكثر غرابةً عندما تتعامل قوى من التيارات الليبرالية واليسارية والناصرية مع محمد مرسى مرشّح جماعة الإخوان باعتباره مرشحًا للثورة، وكان ذلك فى لقاء ڤيرمونت الشهير. وهذا التشرذم الذى ميّز حركة القوى المدنية، وسباحة بعضها مع الموجة الإخوانية لم يساعد على خلق البديل. لكن خارج هذا الإطار الحزبى الضيّق، كانت القوى المجتمعية الحيّة تتحرك وتحاول أن تحدث تغييرًا فى المشهد السياسي.

حرّر العديد من الأفراد العاديين ومنظمات المجتمع المدنى توكيلات للدكتور جابر جاد نصّار، أستاذ القانون الدستورى المرموق والذى صار لاحقًا رئيسًا لجامعة القاهرة، للطعن بعدم دستورية قانون الانتخابات الذى جرت على أساسه الانتخابات البرلمانية، ثم شاركتُ مع أساتذتى وزملائى وتلامذتى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى تقديم عدد وافر من تلك التوكيلات، وحضرتُ إحدى جلسات نظر القضية فى مجلس الدولة وكان محامى الجماعة وقتها هو أحمد أبوبركة.

وبالفعل حُكم بعدم دستورية القانون الانتخابى لتمييزه بين المستقلين والحزبيين فى عدد المقاعد، وكان مؤدّى ذلك حلّ مجلس الشعب. ومع أن مجلس الشورى كان يسرى عليه ما يسرى على مجلس الشعب، إلا أن محمد مرسى بادر بتحصين مجلس الشورى ضد الحلّ، وجاء ذلك ضمن حزمة أخرى من القرارات التى ضمّنها فى إعلانه الدستورى الصادر فى نوفمبر ٢٠١٢، وهى القرارات التى وصفها بالثورية فإذا بها تفجّر غضبًا شعبيًا عارمًا عجّل بالوصول إلى ٣٠ يونيو، ودفع مجموعة ڤيرمونت، وكل القوى التى تعاملت مع الإخوان، إلى مراجعة حساباتها مراجعةً دقيقة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية