تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. نيفين مسعد > الطريق إلى ٣٠ يونيو « ٢ـــ٢»

الطريق إلى ٣٠ يونيو « ٢ـــ٢»

انتهى مقال الأسبوع الماضى عند دلالة صدور الإعلان الدستورى المكمّل الذى أصدره محمد مرسى فى نوڤمبر٢٠١٢، وكيف أنه عجّل بالوصول إلى ثورة ٣٠ يونيو، وذلك أن هذا الإعلان مثّل تغوّلًا غير مسبوق على صلاحيات السلطة القضائية، سواء عبر تحصين القرارات الرئاسية ضد الطعن من أى جهة كانت، أو عن طريق تحصين كلٍ من مجلس الشورى والجمعية التأسيسية الثانية ضد الحلّ، أو عن طريق عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه. وفكرة التحصين هذه تتصادم على طول الخط مع هدف الديمقراطية الذى نادت به القوى المدنية وسايرتها فيه جماعة الإخوان حتى وصل مرشح الجماعة إلى سدّة الحكم، ثم انقلَبَت عليه. ومع أن مرسى حاول امتصاص الغضب الشعبى بإلغاء الإعلان المذكور إلا أنه جعل هذا الإلغاء كأن لم يكن من خلال الإعلان الدستورى الجديد الذى أبقى على نتائج إعلان نوڤمبر سارية. وبالتالى فإن الضرر تحقّق فعلًا، وأظن هذه كانت هى اللحظة التى وجدَت فيها القوى الحزبية نفسها فى حاجة للتعامل مع الوضع السياسى بشكل مختلف بعد أن تحوّل استقواء الإخوان إلى استبداد صريح. كذلك برزَت على السطح وبشكل واضح مشكلة العلاقة بين حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، وهى مشكلة لم تظهر عندما لم يكن للجماعة وجود حزبى، أما وقد اضطُرَت الجماعة لهذا الوجود وأُرغمت على توفيق أوضاعها، فلقد بدا واضحًا للعيان أن الجماعة هى مركز القرار، أما الحزب فليس أكثر من مجرد واجهة، وهذه الازدواجية أدّت لخلط الأوراق وإرباك المشهد السياسى. وعندما شرعَت الجماعة فى استنساخ نموذج الحرس الثورى الإيرانى وقام قاسم سليمانى قائد فيلق القدس بالحرس الثورى بزيارة القاهرة وفق ما ورد فى وثائقيات مسلسل الاختيار، زاد الأمر تعقيدًا لأنه كان يعنى استحداث كيان ثالث، بالإضافة إلى كيانيّ الحزب والجماعة، وهو الكيان الذى كان من المتصوّر أن يكون بمثابة الذراع العسكرية للجماعة. وبينما كان هذا يحدث على الصعيد الداخلى بهدف التمكين السياسى للجماعة، كانت تجرى عملية إعادة تشكيل ثوابت السياسة الخارجية المصرية وفقًا لتحالفات الجماعة الإقليمية والدولية، وفى هذا السياق دفعَت الحسابات الأيديولوچية محمد مرسى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وهو تطوّر يصادم أحد عناصر الأمن القومى المصرى، كما أنه يصادم تاريخ العلاقة بين الدولتين. هكذا نجحَت الجماعة فى توحيد قطاعات واسعة من المصريين ضدها وأعادتهم مجدّدًا إلى الشارع، وبشىء من التبسيط يمكن القول إن العمل بدأ يتّم على مسارين متوازيين. المسار الأول هو حملة التوقيعات الشعبية التى تزعمّتها حركة تمرّد، وكانت تدعو لسحب الثقة من رئيس الجمهورية، وهى الحملة التى استمدّت قوتها وسعة انتشارها من بساطتها، فلقد انخرطت فيها جموع من المصريين من مختلف الطبقات الاجتماعية ومن جميع محافظات الجمهورية، لأنها لم تكن تتطلّب أكثر من مجرد توقيع على استمارة سحب الثقة، ومثّل هذا التطوّر إحراجًا شديدًا لرئيس الجمهورية الذى تم تسويقه باعتباره مرشّح الثورة والذى بادر بالنزول إلى ميدان التحرير فاتحًا صدره. أما المسار الثانى فهو نشاط نخبوى بدرجة معيّنة وقد مارسته جبهة الإنقاذ الوطنى التى تكوّنَت من خليط من الأحزاب والتيارات السياسية وشباب يناير والشخصيات العامة المخضرمة، وتميّزت مطالب الجبهة بدرجة أعلى من التبلوّر والتفصيلية بحكم طبيعتها النخبوية، ومن ذلك إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة تتولّى الإشراف عليها حكومة من التكنوقراط. وعلى صعيد آخر بدأ التجهيز للمرحلة الانتقالية بعد رحيل مرسى، وتم تنظيم ندوات وملتقيات لدراسة سبل الخروج الآمن من حكم الجماعة تحت عنوان مابعد الرحيل. وتخلّل ذلك كله مظاهرات حاشدة فى مختلف أنحاء البلاد. أصدرَت القوات المسلّحة بيانًا دعت فيه مرسى إلى الاستجابة لمطالب الشعب، لكن الجماعة كانت قد دخَلَت فى مرحلة إنكار الواقع، وشكّكَت فى مصداقية الحشود الجماهيرية التى امتلأت بها الميادين، وغرّد أحد قادة الإخوان صبيحة يوم ٣٠ يونيو مهنئًا مرسي ببداية عام جديد من حكمه وكأن شيئًا لم يكن. وبناءً عليه اقتصر العرض الذى قدّمه محمد مرسى فى آخر خطاب له على تشكيل حكومة تكنوقراط، وكذلك لجنة دستورية جديدة تقوم بتعديل المواد موضع الخلاف. مثل هذا العرض الرئاسى كان يمكن قبوله فى مرحلة مبكّرة من مراحل الأزمة بين السلطة والشعب، فلقد كان يستجيب بالفعل لمطالب سابقة تقدّمت بها جبهة الإنقاذ الوطنى على ما رأينا، أما وقد أمسك الشارع بالزمام وتطوّرت الأمور إلى حد المطالبة الشعبية الواسعة بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة فلم يكن بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والقاعدة تقول إن القرار الجيد فى التوقيت غير المناسب هو قرار سيئ. انحازت القوات المسلحة للإرادة الشعبية كما سبق أن انحازت فى ٢٠١١، ووقع التغيير المنشود، وكانت أبرز الرموز السياسية والاجتماعية والدينية حاضرة صباح يوم ٣ يوليو فى مشهد التغيير، وتلك رسالة مهمة. عندما ننظر إلى الوراء ونراجع حجم المخاطر والتهديدات وأعمال العنف التى تعرّض لها المصريون فى الطريق إلى ٣٠ يونيو ثم لإحداث التغيير فى ٣ يوليو ندرك الدلالة الحقيقية لهذا التاريخ، ونتبيّن أن هذا التاريخ هو الذى حما الوطن من أن يتحوّل لمجرد حفنة من التراب فى نظر الجماعة، وأعاد الاعتبار لمفهوم المواطنة والوحدة الوطنية.

كل عام ومصر بألف خير.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية