تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قمة شنغهاى .. نحو نظام دولى أكثر عدالة
رغم كونها القمة 25 لقادة منظمة شنغهاى للتعاون، فإن قمة هذا العام التى تعقد فى تيانجين الصينية اليوم وغدا، تكتسب أهمية خاصة بالنظر لعدة اعتبارات.
أولها، السياق الدولى والإقليمى شديد التعقيد استراتيجيا واقتصادياً، وتوجه الأنظار، والآمال، على مخرجات القمة فى التخفيف من التصعيد العسكرى فى عدد من الأزمات الإقليمية المتفاقمة، وكذلك حالة اللايقين فى الاقتصاد العالمى واحتدام الحرب التجارية مع التعريفات الجمركية للرئيس الأمريكى ترامب والتى طالت الشركاء قبل المنافسين، وتمثل تحديا للأمن الاقتصادى والمالى لدول شنغهاى وفى مقدمتها الصين والهند.
ثانيها، تمثل القمة إعادة إطلاق للمنظمة على النحو الذى يتجاوز النطاق الإقليمى الضيق إلى العالمية وقيادة التغيير فى النظام الدولى. فمن ناحية اتسعت أهداف المنظمة من حفظ الأمن والاستقرار فى وسط آسيا، والتعاون فى مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة والحركات الانفصالية، إلى قيادة التغيير فى النظام الدولى. وهو ما أكده الرئيس الصيني، شى جين بينج، فى تصريحاته التى سبقت القمة، حول أهمية توحيد بلدان الجنوب العالمي، والالتزام بالتعددية الحقيقية وتعزيز بناء نظام دولى أكثر عدالة وعقلانية.
والواقع أنه منذ تأسيسها عام 2001، تطورت منظمة شنغهاى من آلية حكومية إقليمية تركز على تعزيز الثقة على طول المناطق الحدودية إلى منظمة شاملة ومتعددة الأطراف مُكرسة لدعم الأمن الإقليمى والتعاون الاقتصادي، وتعزيز الحوكمة العالمية.
وفى قمة أستانا العام الماضي، طرح الرئيس شى مقترحًا من خمس نقاط لبناء وطن مشترك لمنظمة شنغهاى يتميز بالتضامن والثقة المتبادلة، والسلام والهدوء، والازدهار والتنمية، وحسن الجوار والصداقة، والإنصاف والعدالة. من ناحية أخرى، اتسعت عضوية المنظمة لتتجاوز القارة الآسيوية باتجاه أوروبا والشرق الأوسط، وتمثل قمة هذا العام أكبر تجمع من حيث الحجم منذ تأسيسها. فقد واصلت منظمة شنغهاى توسيع عضويتها وشراكاتها، وحصلت إيران وبيلاروس على العضوية الكاملة فى عامى 2023 و2024 على التوالي، ليصل إجمالى عدد الدول الأعضاء إلى عشر دول ودولتين مراقبتين، و14 شريك حوار فى مقدمتهم مصر وخمس من دول مجلس التعاون الخليجى وتركيا وعدد من الدول الآسيوية.
وتعد مصر أول دولة إفريقية تُصبح شريك حوار لمنظمة شنغهاى وقامت باستضافة عددً متزايدً من أنشطة المنظمة، وذلك فى إطار توجهها شرقاً بهدف تنويع الشراكات التنموية والأمنية على النحو الذى يحقق المصالح المصرية، ويعزز الأمن القومى المصرى. وتتطابق رؤى وسياسات مصر فى مجال مكافحة الارهاب مع توجهات منظمة شنغهاى، كما تتطور شراكات شنغهاى الاقتصادية والتكنولوجية مع دول المنظمة خاصة الصين وروسيا والهند.
وقد تم اختيار هذا العام ليكون عام التنمية المستدامة لمنظمة شنغهاى، ودعم أعضائها فى التحول للاقتصاد الأخضر ويتضمن ذلك توسيع نطاق التعاون فى مجالات الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الطاقة، والبنية التحتية، والتمويل، لتعزيز منظومة طاقة إقليمية أكثر تكاملاً واستدامة.
ويُعد التعاون الاقتصادى والتجارى محركًا رئيسيًا للنمو الديناميكى للمنظمة، التى تغطى دولها نحو ربع مساحة اليابسة، وتضم 40% من سكان العالم، وتسهم بنحو 25% من الناتج العالمي. وعلى مدى العقدين الماضيين، تضاعف حجم تجارة الصين مع دول منظمة شنغهاى أكثر من 30 مرة، ليبلغ 11.2 تريليون يوان فى الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، وهو رقم قياسى فى الفترة نفسها، ويتضمن نموًا قويًا فى صادرات التكنولوجيا الفائقة، مثل الروبوتات الصناعية، وقطع الغيار الإلكترونية والمنتجات الزراعية.
وتشهد قمة هذا العام تركيزاً واضحاً على التعاون فى مجال الاقتصاد الرقمي، وتعمل الدول الأعضاء فى المنظمة على توسيع نطاق تعاونها فى مجالات البنية التحتية الرقمية، والتحول الرقمى للصناعات التقليدية، والتنمية الصناعية التعاونية.
على صعيد آخر، تمثل المنظمة ثقلاً استراتيجياً، بالنظر لكونها ناديا نوويا جديدا يضم أربع دول تمتلك قدرات نووية عسكرية هى روسيا والصين والهند وباكستان، وأخرى لديها قدرات نووية للاستخدام السلمى منها كازاخستان وبيلاروس وإيران وغيرها. ورغم الخلافات بين عدد من أعضائها والتى وصلت حد المواجهة العسكرية، كما حدث مؤخراً بين الهند وباكستان، تظل منظمة شنغهاى مظلة مهمة للتنسيق الأمنى وتخفيف التوترات ونزع فتيل الأزمات، وعاملاً هاماً لبناء الثقة بين أعضائها. وربما المثال الواضح على ذلك هو استعادة الدفء فى العلاقات الصينية الهندية عقب عقود ممتدة من التوتر، بإعلان البلدين، فى 21 أكتوبر الماضى، توصلهما إلى اتفاق بشأن الحدود المتنازع عليها يتضمن تسيير دوريات مراقبة، كمقدمة لترسيم الحدود بينهما فى المستقبل، وأكد رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى مشاركته فى القمة فى أول زيارة للصين منذ سبع سنوات. لقد تأسست المنظمة منذ ربع قرن على أساس «روح شنغهاي»، التى تُعلى من الثقة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة، والمساواة، والتشاور، واحترام تنوع الحضارات، والسعى لتحقيق التنمية المشتركة، وحل النزاعات عبر الحوار، وتعزيز السلم والأمن للدول كافة. وقد جعلت «روح شنغهاي» المنظمة وجهة لقطاع واسع من دول الجنوب العالمى التى تطمح فى عالم أكثر استقراراً وأمناً، وتنمية أكثر استدامة.
وتزداد الحاجة إلى هذه الروح فى عالم اليوم الذى يشهد انقسامات جيوسياسية، وصراعات مستمرة وحروبًا تقليدية واقتصادية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية