تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. نورا صادق > لماذا هرب الشباب إلى الشات؟

لماذا هرب الشباب إلى الشات؟

لا ننكر أن التكنولوجيا الحديثة لها أثر كبير فى تيسير حياتنا، فقد ساعدتنا على إنجاز المهام بسهولة، سواء على المستوى الشخصى للفرد أو على المستوى المجتمعى، فقد دخلت وسائل التواصل إلى أروقة الأجهزة الحكومية والمؤسسات، وشكلت أداة فعالة للتواصل بين المواطنين وقطاعات الدولة المختلفة فيما يتعلق باستخراج الوثائق الرسمية وخلافه، كما قدمت وسيلة للترفيه والتعبير عن الرأى للعديد من المستخدمين.

 

وانجذب إليها الناس من جميع الأعمار صغارًا كانوا أم كبارًا، ومنهم من يحسن استخدامها والاستفادة منها، ومنهم من يهدر وقته فى نقاشات لا جدوى منها، ولكن الأخطر من ذلك لجوء الشباب فى عمر الزهور لهذا العالم الافتراضى، وبالطبع لا نرفض مسايرة ما تقتضيه تطورات العصر الحالى، إلا أننا نرفض تمامًا أن تكون حوارات الشات هى الملجأ والملاذ للشباب.

وهنا يجب أن يستوقفنا سؤال فى غاية الأهمية «لماذا هرب الشباب إلى الشات؟ أهم يهربون من واقع مؤلم لعالم افترضوا أن يجدوا فيه بُغيتهم؟ أم أنهم بحثوا عمن يُصغى إليهم ويرشدهم بين صفحاته؟».

وإذا ما حاولنا الإجابة فالخيارات كلها أحلاها مر، فنحن من تركنا أبناءنا يلجأون لمن لا نأمنهم ومن نجهل أفكارهم، ولا شك أن الأوضاع الاقتصادية فى الوقت الحالى فرضَت على البيت المصرى تغييرات عصفت بكيانه، فاختفى مشهد التفاف الأسرة حول مائدة الطعام كل يوم، واستهلك السعى لتلبية احتياجات الأسرة الكثير من وقت الآباء والأمهات، فلم يعد الأهل يملكون رفاهية الوقت للجلوس مع أبنائهم والتحاور معهم ومناقشة مشكلاتهم الخاصة، وتصحيح مفاهيمهم إذا ما اختلط عليهم الأمر أو تعثر تفكيرهم يومًا ما، وصارت لقاءات الأسرة عابرة حسبما يسمح بها الوقت المتبقى بعد معارك الحياة اليومية.

وما يدعو للانتباه بحق هو التغيير الذى طرأ على أفكار الأبناء ونلاحظه هذه الأيام حتى باتوا يرفضون الاستماع لنصائح الآباء، فهم يرون من وجهة نظرهم أن هذه الإرشادات قد عفى عليها الزمان، وأصبحت لا تناسب العصر الحالى، وقد يستند البعض إلى القول المأثور: لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم... فليس المقصود التخلى عن توجيه الأبناء وتوجيههم، وإنما تدعونا هذه المقولة إلى تقبل اختلاف العادات والطباع بين الأجيال، فربما تقبلنا فى الماضى ما لا يتقبلونه الآن مما يوجب التزام المرونة فى التفاهم معهم، ورغم أن التغيير أمر طبيعى، فإن مكارم الأخلاق والسلوكيات الراقية لن تتغير مهما تعاقبت العصور والأزمان، فهى ثوابت لن يصيبها الهَرَم أبدًا، وأصبح من الضرورى على الآباء تقليل الفجوة بينهم وبين أبنائهم وتقريب لغة الحوار، وألا يكونوا مجرد ألقاب فى حياة أبنائهم أو بنوك بشرية يقدمون الدعم المادى فقط، ويتناسون احتياج أبنائهم لعاطفة الآباء، خاصة فى مرحلة الطفولة المبكرة، وكذلك الاحتياج النفسى فى مراحل المراهقة، فكم من كوارث كاد يقع فيها أبناء لولا متابعة الآباء لهم، فأبناؤنا تتشكل كثير من جوانب شخصياتهم بدعم من آبائهم.

ولعل أهم ما يجب أن يسعى إليه الآباء جاهدين هو رفع الوعى لدى الأبناء، فالإنسان الواعى يدرك الأحداث من حوله، ويتحكم فى سلوكه، كما أنه لا يترك نفسه فريسة سهلة لمن يريد أن يسيطر على عقله أو يجبره على تبنى الأفكار الشاذة المتطرفة، ولن يتم ذلك إلا بمتابعة سلوك الأبناء ومعرفة المواقع التى يتصفحونها، حتى لا يجد المتلاعبون مدخلًا إلى عقولهم، وليس المقصود بالطبع مصادرة أفكارهم وتجاهل آرائهم أو النقد المستمر لتصرفاتهم، بل على العكس، إن ترك المساحة لهم للتعبير عن آرائهم ومناقشة أفكارهم يعزز ثقتهم بأنفسهم، كما أن إشعارهم بحاجة المجتمع إليهم ومساعدتهم على اتخاذ القرارات الصائبة سيكون له أكبر الأثر فى تكوين شخصياتهم، فينشأ لدينا جيل قادر على تحمل المسئولية يعرف حقوقه ويلتزم بواجباته، وبالطبع فإن ذلك يحتاج من الآباء إلى بذل الجهد فى تربية الأبناء وتجنب القسوة والغلظة معهم، فهى مدعاة إلى الجفاء والبعد، مع التحلى بالمرونة والصبر، فلاشك أن تنشئة جيل واعٍ مستنير ليست بالأمر اليسير.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية