تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لمثل هذا اجتاح المغول العالم!
تعلمنا كتب التاريخ المعاصرة أن المغول تحت قيادة جنكيز خان، وأولاده اجتاحوا عالم المسلمين فى ذلك الزمان، وأسقطوا الخلافة العباسية، ودمروا عاصمتها بغداد عام 1258م، وأوشكوا ان يجتاحوا أوروبا لولا ان هزمهم جيش مصر بقيادة المماليك فى معركة عين جالوت فى شمال فلسطين عام 1260م. ولكن لم يخبرنا أحد لماذا خرج المغول من عاصمتهم «قراقورم»فى منغوليا شمال الصين وتوجهوا غربا، واجتاحوا ديار المسلمين، وأسقطوا خلافتهم فى بغداد؟
جنكيز خان لم يكن مستعمرا، ولا غازيا، ولم يخطر على باله ان تتوجه جيوشه غربا لتغزو المناطق، والمماليك، والامارات المسلمة المجاورة، كل همومه وطموحاته كانت تأمين حكمه من الهجمات القادمة من الجنوب، من امبراطورية الصين، وان كانت هناك طموحات دفينة كانت فى التوسع جنوبا على حساب الصين.
وكعادة هذه المنطقة من العالم كانت منغوليا مثلها مثل الصين ناشطة فى التجارة مع مختلف المناطق المحيطة، خصوصا فى وسط آسيا.
وكانت حرية التجارة مؤمنة من جميع الكيانات السياسية فى ذلك الزمان، وكان الدولة القوية الأقرب الى المغول هى الدولة الخوارزمية التى كانت تمتد من شمال الهند، وحدود جبال القرغيز الى غرب إيران، وجنوب القوقاز، بحيث كانت تشتمل على معظم أراضى ايران، وأفغانستان، وباكستان، وطاجيكستان، واوزبكستان، وتركمانستان، وأذربيجان.
وهذا الشعور بالقوة أحيانا يغرى القادة والحكام بالتخلى عن الحكمة وصوت العقل، وكذلك بعدم احترام القواعد، والقوانين المتعارف عليها، سواء أكانت قوانين دولية، أو أعرافا وتقاليد قبلية.
وفى 1218م حدث أن ذهبت مجموعة من التجار من رعايا جنكيز خان، وكان من بينهم تجار مسلمون الى مناطق الدولة الخوارزمية فى عهد محمد علاء الدين خوارزم شاه، وبدوافع الطمع والغرور تم الاستيلاء على بضائع هؤلاء التجار من قبل جنود السلطان خوارزم شاه، وعندما اشتكوا تم سجنهم. وحينما علم جنكيز خان بذلك أرسل وفدا دبلوماسيا للتفاوض، وحل هذه الأزمة، والوصول الى اتفاق لإطلاق سراح التجار، وكان من بين هذا الوفد أحد أبناء جنكيز خان، وحينما وصلوا سمرقند عاصمة الدولة أمر خوارزم شاه جنوده بقتلهم.
هنا تحرك جنكيز خان بقواته لتأديب من قتل الوفد المفاوض فوجد دولة ضعيفة متهالكة، لا تملك من القوة ما يبرر تلك العنجهية، والغرور الذى يسيطر على حكامها، فسقطت مدن الدولة من بخارى الى سمرقند الى قندهار بصورة سهلة يسيرة، وأحيانا بدون مقاومة، واعمل فيهم جنود المغول القتل، والتشريد ما يشفى غليل قائدهم.
واكتشف حينها جنكيز خان انه امام عالم مختلف، كثير الثروات، بل فاحش الثروات، خصب الأراضى، كله انهار، وبحيرات، ومدن مزدهرة، ولكنه ضعيف متهالك، لا يملك من عناصر القوة شيئا، لذلك غير وجهته بدلا من أن يحارب الإمبراطورية الصينية القوية الحصينة، عليه ان يتوسع غربا، ويؤسس امبراطورية لم يعرف مثلها التاريخ.
هنا بدأ الغزو المغولى الى ان وصل حدود اوروبا. منذ فجر التاريخ وعند جميع الكيانات السياسية، سواء أكانت قبائل بدائية او امبراطوريات مترامية الأطراف جميعها متفق على حصانة الرسل، والمبعوثين، والمفاوضين أوقات الحروب، ومن هذه التقاليد ظهر مفهوم الحصانة الدبلوماسية المتعارف عليها اليوم.
طوال التاريخ الدبلوماسى المكتوب لم يعرف العالم عمليات قتل للمفاوضين، او الدبلوماسيين الا حالات محدودة جدا بدأت مع خوارزم شاه 1218، وعلى إثرها اجتاح المغول العالم القديم، وكان آخرها الهجوم الإسرائيلى على الدوحة الأسبوع الماضى، وما بينهما حدثت حالات محدودة قامت بها بعض الدول الأوروبية مع المبعوثين العثمانيين، وقامت بها أمريكا مع المفاوضين المكسيكيين.
وما عدا ذلك استقر العالم على تقاليد تحولت الى اتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، التى رسخت هذه التقاليد فى قوانين دولية واجبة الاحترام.
الحصانة الدبلوماسية فى وقت الحرب يتمتع بها الأعداء والمحاربون، الذين شارك بعضهم فى الحروب، وأحيانا يكون من بينهم جنرالات قادوا الحروب، لذلك لا يجوز أن يتم استخدام مشاركتهم فى الاعتداء مبررا لقتلهم او اغتيالهم، لان التفاوض لا يحدث بين الأصدقاء، وإنما فى العرف الدولى يتفاوض الأعداء، لذلك تم تقنين الحصانات الدبلوماسية للمفاوضين حتى يمكن تحقيق التواصل بين الأعداء، ويمكن كذلك الوصول الى نهايات للحروب وتحقيق السلام.
بغض النظر عن الموقف من حماس، أو من دولة قطر فان ما حدث فى يوم 9 سبتمبر 2025 سوف يسجل فى التاريخ الدبلوماسى الدولى على أنه أحدث اعتداء على القانون الدولى، وآخر انتهاك للأعراف الدبلوماسية التى كان أولها ما قام به خوارزم شاه.
الكون جميعه مبنى على نظم قانونية، سواء أكانت قوانين طبيعية وضعها الخالق سبحانه وتعالى، او قوانين وضعها البشر، وبدون هذه القوانين يرتبك الكون، وتضطرب المجتمعات البشرية، ولا يمكن قبول ان يكون هناك من يرى ان القوانين مسألة اختيارية مصلحية، يتبعها عندما تحقق مصالحه، ويخالفها حين يرى مصلحته فى ذلك.
والامر يزداد خطورة عندما يكون الأمر متعلقا بالدول والعلاقات بينها، فاذا كانت المافيا والجماعات الإرهابية لا تحترم القانون، وترى أنها تصنع قوانينها طبقا لمصالحها، فان الدول إذا تحولت الى ما يشبه الجماعات الإرهابية والمافيا وتصرفت بنفس المنهج، فان العالم يوشك أن يدخل فى حالة من الفوضى والتوحش والهمجية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية