تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

دولة الاغتيالات والجرافات

يعتبر المنظور البيولوجى للسياسة واحدا من النظريات التى تساعد فى فهم الظواهر السياسية بصورة أكثر عمقا. حيث تركز هذه النظرية على اعتبار الظاهرة السياسية حالة بيولوجية تنطبق عليها قوانين علم الأحياء، فتكون هناك جينات للظواهر السياسية، ومنها الدول بحيث يكون للدول أطوار، وأعمار، ومراحل مثل الكائن البشري.

 

ورغم ان الادبيات الحديثة تنسب النظرية البيولوجية للسياسة الى العالم البريطانى تشارلز داروين المتوفى 1882 فإن الحقيقة التاريخية تقول إن عبدالرحمن بن خلدون المولود فى تونس والمتوفى فى القاهرة 1406م هو المؤسس الحقيقى لتلك النظرية؛ حيث كان ابن خلدون اول من نظر الى الدولة باعتبارها كائنا بيولوجيا يولد ويموت، وله شباب وكهولة وشيخوخة، واعتبر أن الدولة تمر بثلاث مراحل، كل مرحلة تعادل عمر جيل من الأجيال، فتبدأ بالبداوة حيث اشتعال الروح والفكرة والقيم، وتستقر مع الجيل الثانى حيث التحضر والعقل والتوازن، وتنهار مع الجيل الثالث حيث الترف والشهوة والتنازع والتخاصم.

هذه المقدمة ضرورية لفهم ظواهر غريبة وغير معهودة ارتبطت بدولة إسرائيل؛ مثل سياسات وقوانين هدم بيوت الأشخاص الذين يتورطون فى أفعال معادية للمواطنين الإسرائيليين، او لمصالح الدولة ومؤسساتها، وظاهرة هدم البيوت سياسة دولة تحكم بها المحاكم طبقا لقوانين وضعتها الهيئات التشريعية المنتخبة فى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط ــ كما يحلو للسياسيين والإعلاميين الامريكان والاوروبيين ان يصفوها. بحيث صارت الجرافات سلاحا مصاحبا للجيش الإسرائيلي، وللشرطة الإسرائيلية فى كل عملية اقتحام لقرى ومدن الضفة الغربية، حيث يتم تخريب البنية التحتية، وتجريف الطرق والمرافق، وتخريبها بحيث لا تكون صالحة للاستخدام لجعل حياة السكان جحيما، كل هذا الذى يعتبره القانون الدولى عقابا جماعيا، حتى لو تعلق ببيت المجرم كما تصفه القوانين الإسرائيلية، إذ لا ذنب لأسرته فى جريمته، ولكن القانون الإسرائيلى يعتبر العقاب الجماعى سياسة دولة، والدول الغربية المتحضرة لا تعلق على ذلك، ولا تراه أصلا.

كذلك تعتمد دولة إسرائيل العضو فى الأمم المتحدة الاغتيال السياسى وسيلة للتخلص من الخصوم السياسيين، وتنفذ تلك الاغتيالات فى دول أخرى أعضاء فى الأمم المتحدة؛ ضاربة عرض الحائط بكل مفاهيم السيادة وحكم القانون، وحرمة الحياة البشرية إلا فى الحروب أو بأحكام القضاء. والمتعارف عليه ان الاغتيال هو أسلوب العصابات الإجرامية، والمافيا، والمنظمات الإرهابية، وليس أسلوبا معهودا للدول.

ولكى نفهم لماذا تسلك دولة إسرائيل هذه المسالك الغريبة عن طبيعة الدولة كما تعرفها المجتمعات المعاصرة؛ لابد ان نفهم الطبيعة البيولوجية لدولة إسرائيل، لابد من أن نبحث فى الجينات الكامنة فى بنية هذه الدولة، خصوصا البنية السياسية والعسكرية،

ولكى يتحقق هذا الفهم لابد من النظر بعمق فى الحقائق الآتية:

أولا: إن نشأة هذه الدولة جاءت بعد فظائع لا إنسانية تعرض لها قطاع من الشعب اليهودى تصادف أنه يعيش فى بلاد سيطر عليها الحكم الألمانى النازى فى عهد أدولف هتلر اثناء الحرب العالمية الثانية، وأن هذه النشأة ارتبطت بعقيدة سياسية عنصرية لا دينية، لا علاقة لها بروح اليهودية، وضع أسسها اليهودى المجرى تيودور هرتزل المتوفى 1904م والمعروفة بالصهيونية. وحين أسست إسرائيل 1948 هاجر اليها عدد محدود من اليهود فى العالم، بحيث إنه طوال اكثر من خمسة وسبعين عاما منذ تأسيسها لم يهاجر اليها إلا أقل من ربع يهود العالم، وهؤلاء جميعا جاءوا من خلفيات مجتمعية تعرضوا فيها للقهر والإذلال والاضطهاد والعنصرية والتمييز، لذلك فهم تكوينة مجتمعية تعانى العقد النفسية المركبة التى تسببت فيها المجتمعات التى لفظتهم، ودفعتهم للهجرة، فالباحث فى خلفيات القيادات الإسرائيلية طوال عمر هذه الدولة يجدهم من تلك الخلفيات المجتمعية غير السوية.

ثانيا: إن نشأة الدولة ذاتها تحققت على يد عصابات إجرامية مارست قتل الأبرياء فى القرى والمدن الفلسطينية، وحرق القرى، والاغتيال السياسى قبل عام 1948 وبعده، ومن الغريب ان تلك العصابات مثل الهاجاناه، وشتيرن، والأراجون اغتالت مبعوث منظمة الأمم المتحدة لتطبيق قرار تقسيم فلسطين السفير السويدى الكونت فولك برنادوت، الذى قتلته عصابة شتيرن بقيادة اسحق شامير الذى صار رئيسا لحزب الليكود، ورئيسا لوزراء إسرائيل 1983 ـ 1992.

ثالثا: إن النواة التى تشكلت منها المؤسسات العسكرية والسياسية فى إسرائيل كانت تلك العصابات الإجرامية التى نشطت فى فلسطين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ومارست كل الفظائع ضد المدنيين الفلسطينيين لتحقيق التطهير العرقى اللازم لتفريغ ارض فلسطين؛ لاستقدام المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم.

فعلى سبيل المثال تكوين الجيش الإسرائيلى الحالى يعود لتلك العصابات، خصوصا لواء جولانى الذى يقاتل حاليا فى غزة، كان عصابة تشكلت قبل تأسيس إسرائيل عام 1948، وكذلك لواء جيفعاتي؛ أكثر تشكيلات الجيش الإسرائيلى وحشية فى غزة تشكل عام 1947 من عصابات منظمة الأراجون.

وكذلك حزب الليكود ذاته هو من هو الاسم الجديد لحزب حيروت الذى اسسه ديفيد بن جوريون اول رئيس وزراء لإسرائيل من عناصر عصابة الهاجاناه التى ارتكبت أكبر عدد من المذابح قبل قيام إسرائيل وبعده.

هذه الطبيعة البيولوجية للدولة لا تعطى أى امل فى ان تكون إسرائيل دولة طبيعية تعيش فى سلام وأمان مع جيرانها، وما يحدث اليوم سيتكرر الى ان تلحق بسابقاتها دولة الملك داوو التى تأسست 1011 قبل الميلاد، ودولة الحشمونائيم التى تأسست 140 قبل الميلاد، وكلتاهما لم تكمل العام الثمانين وانتهت.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية