تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ترامب.. باقى من الزمن 19 شهرا!
يوم الثلاثاء 3 نوفمبر2026، أى بعد تسعة عشر شهرا من الآن سوف تقام انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة الامريكية، وهذه الانتخابات تشمل جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدًا، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ التى تشمل 33 أو 34 مقعدًا من أصل 100 مقعد، و34 حاكما من الولايات الخمسين، هذه الانتخابات سوف تكون فارقة فى التاريخ الأمريكى الحديث، وسوف تشهد إقبالا جماهيريا واسعا على غير العادة، فالمتعارف عليه فى تاريخ الانتخابات الامريكية أنه فى الانتخابات العادية التى تشمل انتخاب رئيس الدولة تبلغ نسبة الاقبال حوالى 60% أما انتخابات التجديد النصفى فلا تتجاوز نسبة المشاركة الجماهيرية 40%؛ أما هذه المرة فإن انتخابات التجديد النصفى ستكون مختلفة تماما، ومن المتوقع أن تشهد إقبالا يفوق انتخابات الرئيس.
بعد تسعة عشر شهرا سيعود الهدوء للبيت الأبيض، وترتخى ستائره المشدودة، ويخلد الكثيرون فيه لقيلولة من النوم الهادئ، بعد أن أيقظوا العالم من أقصاه الى أقصاه على كوابيس وأحلام مزعجة. سيعود الديمقراطيون الى موقع الأغلبية فى كل من مجلسى الكونجرس: النواب والشيوخ، وكذلك الى أغلبية حكام الولايات، وسيفقد الرئيس ترامب السيطرة على مجلسى الكونجرس وعلى الولايات الخمسين، وهذا سيجعل من الصعب عليه أن ينفذ كل الخواطر التى تتوارد على ذهنه دون تردد، ودون إعادة تفكير فيها، أو تدبر فى نتائجها وآثارها، سيكون لزاما عليه وعلى فريقه دراسة كل خطوة من الخطوات، وكل قرار من القرارات، وكل الهواجس والخواطر قبل أن يتم إلقاؤها فى آذان العالم، وإرباك المجتمع الأمريكى، ومجتمعات العالم بها، بعد تسعة عشر شهرا سيعود العقل، وتتراجع العواطف والغرائز الانتقامية العنيفة، وحينها من المتوقع أن يتم ابطال العديد من القرارات التى تم اتخاذها فى العامين السابقين.
الأمان والأمل هما روح المجتمع الأمريكى، بل وجميع المجتمعات، وهما جوهر الثقافة الامريكية، وهما محفزا الهمم، ومحركا الطاقات، والدافع للتنمية والنهوض، واقتحام الصعاب، هما الحافز الأساسى للعمل، ولبذل الجهد، وتحمل الصعاب، وبدونهما تخمد حركة الانسان، ويركد المجتمع، وتتباطأ أو تتوقف الحياة، الشعور بالأمان فى الحاضر، والأمل فى المستقبل، الأمان والأمل مثل الماء والهواء للمجتمعات، ضرورات لا يتحقق الوجود بغيرهما، لذلك كانت تحرص الإدارات الامريكية المتعاقبة على ضمان تحقيقهما، وتسن من التشريعات والقوانين ما يحافظ على الأمان والأمل. فلا اقتصاد دون استقرار الإحساس بالأمان فى نفوس البشر، ولا تقدم دون نور الأمل، وإذا فُقِد أحدهما، أو كلاهما، ينهار الاقتصاد، وتخمد طاقة الحياة فى المجتمع، وتفشل الدولة.
ما يحدث فى أمريكا الآن هو حالة عميقة من فقدان الأمان، واليقين فى المستقبل، تلك الحالة لم يشهدها المجتمع الأمريكى بهذا العمق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فى أربعينيات القرن الماضى، حتى بعد احداث سبتمبر 2001 لم يكن هناك الإحساس العميق بالخوف مثلما هو الحال هذه الأيام، حينها كان الخوف محصورا فى مصادر خارجية قد تهدد المجتمع؛ أما الآن فالخوف أصبح واقعا حقيقيا، حيث تم طرد ما يقارب المائة ألف من موظفى الحكومة الامريكية من وظائفهم، وتم إلغاء وزارة التربية والتعليم الاتحادية، وتم فرض جمارك على الواردات التى ليس لها بديل محلى مناسب، مما جعل الانسان الأمريكى يخاف أن ينفق ما لديه خوفا من المستقبل الذى أصبح فى مهب رياح القرارات الصادرة من البيت الأبيض.
فى المائة يوم الأولى من رئاسة الرئيس دونالد ترامب كانت واشنطن العاصمة مركزا «لبياعى الخوف Fearmonger» أى أولئك الباعة الجائلين؛ الذين يطوفون الشوارع والحارات؛ ينادون على بضاعتهم بكلمات منمقة، أو أهازيج وأشعار جاذبة، ومواويل وأغان ترغِّب المشترى فى البضاعة، وتدفعه للشراء حتى وإن كان لا يريد، أو لا يحتاج، ولكنهم للأسف لا يبيعون بضاعة تسعد الانسان، أو تستجيب لحاجاته ورغباته، ولكنهم يبيعون الخوف بلغة منمقة، وبعبارات تحمل شعارات وطنية عظيمة، وأهداف نبيلة تعيد دولتهم لمجدها، ولكن بغض النظر عن الشعارات فإن جوهر البضاعة هو الخوف.
حالة الخوف من المستقبل، ومن تأثيراته السياسات والقرارات الجديدة التى ستشعل حربا تجارية، سيكون من أوائل ضحاياها الانسان الأمريكى دفعت الامريكان للخروج الى الشوارع فى مشاهد لم تعتدها طبقات معينة فى المجتمع الأمريكى، ولم تقم بها من قبل، حيث كان التظاهر عادة لهوامش المجتمع، وليس للتيار الرئيسى فيه. فى هذه اللحظة بدأت تتطاير شظايا الخوف فى كل مكان حيث تم حرمان جامعة كولومبيا مثلا من 400 مليون دولار من ميزانية مستحقة لها من الحكومة الفيدرالية؛ لأن الجامعة سمحت بالتظاهر ضد إسرائيل، وتم حرمان جامعة بنسلفانيا من 175 مليون دولار، لأنها لم تلتزم بسياسة حرمان المتحولين جنسيا من المشاركة فى الألعاب الرياضية، وتمت معاقبة مترو نيويورك لأسباب تتعلق بالموقف من عمدة نيويورك...الخ، تخويف وتهديد وحرمان لأسباب غير معتادة فى السياسة الامريكية.
كل ذلك سوف يقود الى التغيير القادم بعد تسعة عشر شهرا بالتمام والكمال، حينها سوف يعود الوعى الى الناخب الأمريكى ويختار من يمكن أن يعيده الى دائرة الأمان والامل، ويعيده هو الى سوق العمل بعد أن تاه فى صحراء الخوف أكثر من عشرين شهرا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية