تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
النسخة الإسرائيلية للقانون الدولى!
بعد متابعة متعمقة للإعلام الإسرائيلى طوال الأشهر الخمسة الماضية يمكن ان نخلص الى ان هناك رؤية إسرائيلية متكاملة للقانون الدولى، والقانون الإنسانى الدولى، وأن هذه الرؤية تمثل قناعات ايديولوجية راسخة فى عقول الطيف النخبوى الإسرائيلى من أقصى اليمين الى اقصى اليسار، وأن النخبة الإسرائيلية، سواء أكانت فى الحكومة، أو فى المعارضة، أو النخبة الاكاديمية غير الممارسة للعمل السياسى تنظر للعالم وللقانون الذى يحكم العالم من خلال المحددات الآتية:
أولاً: إن العالم لا يتكون من دول ذات سيادة كما هو متعارف عليه، وإنما يتكون من كيانات تتشكل من قوميات، أو أعراق، أو قبائل، أو اديان، وأن اليهود بحكم الوعد الإلهى، والخصوصية الإلهية هم فوق كل هذه الكيانات القومية والعرقية والدينية، وأنهم ليسوا سواء مع باقى البشر، بل هم الطبقة الأولى الأقرب للإله، وباقى البشر يتراتبون بعدهم فى درجات، يقع العرب والفلسطينيون فى أدناها. وترتيبا على هذا فلن تكون دماء اليهود مثل دماء البشر، أو حرية اليهود مثل حرية البشر، أو نفاذ القانون على اليهود مثل نفاذه على باقى البشر. وهذا الفهم ترسخ عبر ممارسات وافق عليها وقبل بها العرب، فحين يتم تبادل الجندى الأسير جلعاد شاليط فى 11 أكتوبر 2011 بعدد 1027 اسيرا فلسطينيا فهذا يعنى من ناحية القيمة الإنسانية، وليس من الناحية السياسية أن الفرد اليهودى يساوى أكثر من الف فلسطينى، لذلك فإن قتل 1200 يهودى فى 7 أكتوبر 2023 قد لا يعادله قتل نصف سكان غزة، لذلك لا ترمش عين إسرائيلية على كل تلك المجازر فى غزة.
ثانياً: فى النسخة الإسرائيلية للقانون الدولى لا مكان للأفراد، أو للإنسان بصفته الفردية، لان التعامل يتم مع الجماعات، او الكيانات القومية والعرقية والدينية، ومن ثم تكون المسئولية جماعية، ويكون الانتقام جماعيا، لان التفاعل الدولى يتم بين كيانات مغلقة صلبة حددتها عوامل البيولوجيا والتاريخ. فى فيلم أينشتين والقنبلة الذى أطلقته منصة Netflix فى 18 ديسمبر 2023، والذى جاء فى مقدمته أن كل العبارات التى ترد فى الفيلم حقيقية، وقالها فعلا أينشتاين. فى هذا الفيلم، وبعد ان فاز هتلر فى انتخابات ديمقراطية بأغلبية شعبية ساحقة، وبدأ فى تنفيذ أفكاره وبرامجه الانتخابية؛ قال أينشتاين: بعد ان ظهرت حقيقة برامج هتلر تجاه اليهود فلا يمكن القول إن الذين انتخبوه فعلوا ذلك بحسن نية. وهنا يكون من المنطقى تحميل كل الجماهير التى انتخبت هتلر مسئولية أفعال هتلر، وهى نفس الحجج التى يقدمها السياسيون والمفكرون الإسرائيليون لتبرير قتل النساء والأطفال فى غزة، لان هؤلاء الفلسطينيين انتخبوا حماس فى يوم من الأيام، لذلك فهم مسئولون عن أفعال حماس.
ثالثاً: إن الاتفاقيات الدولية والعهود والمواثيق الدولية لا تلزم الشعب اليهودى على الرغم من أنه شارك العديد من خبرائه فى صناعتها، ولكنهم صنعوها ليحكموا بها باقى القوميات والأعراق والأديان لا لأن تنطبق عليهم، ويحاكمون بها، لذلك ترفض إسرائيل وداعموها وحماتها فى أوروبا وأمريكا أن يصدر قرار دولى أو حكم قضائى دولى يلزمها بفعل أى شىء، ولذلك للقناعة بأن الإرادة اليهودية لا تعلوها الا إرادة الله، ولا يلزمها أحد الا الله ومن خلال وسائطهم فى التعامل مع الله لا من خلال وسائط الأديان الأخرى. لذلك هناك حرص شديد على أن كل حقوق الآخرين عند إسرائيل لابد أن يحصلوا عليها من خلال التفاوض، وليس من خلال المنظمات الدولية أو الاتفاقيات الدولية أو المحاكم الدولية. وهذا ينطبق أيضا على المعاهدات والاتفاقيات الثنائية بين إسرائيل وأى دولة أخرى، فتلك المعاهدات هى لإلزام الأطراف الأخرى تجاه إسرائيل، وليس العكس، إذ ان إرادة إسرائيل لا تقيدها معاهدات، فحين تكون مصالحها، وأمن شعبها يتطلب إهمال وتجاهل هذه المعاهدات، فعلى الذى يحكم إسرائيل أن يضرب بها عرض الحائط.
رابعاً: الأساطير الدينية التاريخية التى لم يتم تأكيدها أو التحقق منها علميا تحتل مرتبة أعلى من كل القوانين والمواثيق والعهود والمعاهدات والمنظمات الدولية، فما ورد فى النصوص الدينية اليهودية، سواء التوراة أو التلمود أو المشنا أو الجمارا أو غيرها لا يقف فى طريق تحقيقه أى نظام دولى أو قانون دولى، فحدود دولة إسرائيل تحددها الأساطير الدينية، وكذلك تعامل دولة إسرائيل مع الفلسطينيين أبناء الكنعانيين التاريخيين تحددها الأساطير الدينية أيضا، لذلك يكون الانتقام منهم، وقتلهم ليس لأفعالهم الحالية، وإنما لأفعال أجدادهم الأقدمين مع سيدنا موسى وسيدنا داوود عليهما الصلاة والسلام. لذلك يكون هدم البيوت وسيلة للعقاب، ويكون استخدام الجرافات لتدمير الشوارع والمزارع وشبكات المياه والكهرباء طبيعيا أيضا فى النسخة الإسرائيلية للقانون الدولى وقانون الحرب، ويكون تدمير كل مقومات الحياة، واستهداف المستشفيات لتحقيق القتل الجماعى طبيعيا أيضا.
القانون الدولى طبقا للرؤية الإسرائيلية يضع تحديا كبيرا على كل من يريد أن يتعامل معها كدولة فى القرن الحادى والعشرين، ويجعل من المستحيل الوثوق بأى مكون علمانى او يسارى من أحزابها، لأنه من المتوقع أن تنتج العقيدة الدينية نخبا سياسية تنقض كل ما حاول ترسيخه العلمانيون.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية