تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

اللعبة انتهت !

فى عام 2003 نشر الدكتور محمد الدورى كتابا بالإنجليزية والعربية بعنوان «اللعبة انتهت.. The Game is Over»، وقد شاءت الاقدار ان أجلس معه مرات حين كان يسجل حلقات حول الكتاب لقناة العربية.

الدكتور الدورى هو آخر مندوب دائم للعراق فى الأمم المتحدة، ترك منصبه فور سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكى يوم 9 أبريل 2003، وهو أستاذ للقانون الدولى، وكان عميدا لكلية الحقوق جامعة بغداد، وهنا استعير عنوان كتابه لمقاربة المشهد فى فلسطين، وما حولها فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة.

 

للحقيقة والتاريخ منذ 1979 وعالمنا العربى صار ملعبا كبيرا تدور المباريات فيه بين لاعبين دوليين واحيانا محليين، فى ذلك العام تم تجهيز الملعب بعدة احداث كبرى هي:
الثورة الإيرانية،
ووصول الخمينى على طائرة فرنسية،
ونهاية حكم آل بهلوى،
واندلاع حرب أفغانستان وبداية ظهور المنظمات الجهادية عابرة الحدود تحت الرعاية الامريكية،
واخير توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

وبعد ذلك توالت الاحداث لتحويل الجغرافيا العربية الى ملعب دولى من خلال:
الحرب العراقية الإيرانية،
ثم حرب تحرير الكويت،
والعشرية السوداء فى الجزائر،
وانقلاب الاخوان فى السودان،
وصولا الى احتلال العراق، وتفكيك الدولة العراقية،
ثم الربيع العربى المشئوم والحروب المتتالية بين حماس، وإسرائيل وحزب الله، وإسرائيل.

كل تلك المباريات كانت تمهيدا للقاء الختامى الذى بدأ 7 أكتوبر 2023 وسيكشف التاريخ ان خلف ذلك اليوم اسرارا، والغازا قد تكون مثل قصة أشرف مروان الذى ظل فى الوعى العربى جاسوسا لإسرائيل لنصف قرن، ثم تكشف الوثائق الإسرائيلية بعد الكشف عنها بمرور خمسين سنة انه بطل مصرى، نجح فى ان يحول رئيس الموساد الى ألعوبة بين يديه كما تقول تلك الوثائق.

بعد 7 أكتوبر تم كشف جميع أوراق اللاعبين، وخططهم واستراتيجياتهم، واصبح اللعب على المكشوف لأول مرة، فرئيس الوزراء الإسرائيلى الذى نجح منذ وزارته الأولى عام 1996 فى أن يحرك القوة الامريكية لتدمير، واحتلال العراق بذريعة الأسلحة النووية أعلن صراحة خططه بعد 7 أكتوبر، وعمل بكل ما يملك من قوة، ووظف الحلفاء والأصدقاء لتحقيق الرسالة الربانية التى يحملها على عاتقه، وهى الوصول الى حلم إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.

ولكن سرعان ما انتهت اللعبة يوم 9 أكتوبر 2025 فى سيناء بالقرب من موقع التجلى الأعظم فى جبل الطور حيث سمعت الأرض صوت الله، وتجلى عليها نوره فدكت الجبال دكا، فى شرم الشيخ... اللعبة انتهت... ولكن كيف كانت النهاية؟

نهاية هذه الجولة من اللعبة الطويلة المستمرة كانت عجيبة، لا يمكن ان يتم تفسيرها بمفاعلات القدرات البشرية وحدها، ولا يمكن فهمها بمعايير حركة التاريخ، وموازين القوى وحدها، ولا يمكن توقعها من خلال المقدمات التى قادت اليها... فيها كل ذلك، ولكن فوق ذلك فيها يد الله.

النهاية إذا نظرنا اليها من مدار تحليلى اعلى، او رأيناها بعين النسر المصرى سنجدها تسير فى اتجاهين:

الأول: ان كل الجهود الجبارة التى بذلها رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ 1996 إلى 8 أكتوبر 2025 نجحت فى تخليص العالم العربى من الظواهر السياسية السالبة فيه، وبدون عواطف او رومانسيات دينية او قومية كانت كل جهود إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب تخليص العالم العربى من تهديدات ايران واحلامها التوسعية فى إعادة تأسيس الإمبراطورية الفاطمية على أنقاض الدول العربية، فتم التخلص من قوة حزب الله التى كانت إيجابية ووطنية ولها كل التقدير فى العالم العربى حتى مايو 2008 حين وجه حزب الله سلاحه للداخل اللبنانى، ثم تحوله الى ذراع طائفية مقيتة ومجرم فى العراق وسوريا واليمن،

وكذلك اسقطت نظام البعث الخائن الذى باع الجولان 1967، وخان مصر فى حرب أكتوبر 1973، وتآمر على العراق، ودمر لبنان، وأسقطت التنظيم الذى صنعته اسرائيل فى غزة، ومولته لتفكيك القضية الفلسطينية، واجهاض الكيانية الفلسطينية. واعادت إيران الى وضعها وحجمها الطبيعى، والتداعيات القادمة ستشهد تغييرات جوهرية على النظام فى إيران، ووضعت نهاية للدعاوى التى كانت ترفعها التنظيمات الجهادية التى اتضح أخيرا أنها على وفاق واتفاق مع إسرائيل، وان كل دعاوى الجهاد هى ضد العرب والمسلمين. كل ذلك تحقق بالقوة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وغربيا.

ثانيا: فشل اليمين المتطرف فى إسرائيل فى تحقيق أهدافه الكامنة او المعلنة،
فلم يتم تهجير سكان غزة بفضل موقف الدولة المصرية الذى يليق بمصر وتاريخها،
والفشل فى ضم الضفة الغربية،
والفشل فى إضعاف السلطة الفلسطينية،
والنجاح الكبير فى تدمير سمعة إسرائيل وتحويلها الى دولة منبوذة على جميع المستويات فى مختلف قارات العالم،
ولعل موجة الاعترافات بدولة فلسطين، خصوصا من الدول التى أسست إسرائيل دليل على مدى الفشل والبؤس الذى وصلت اليه النخبة اليمينية الحاكمة فى إسرائيل،
والأكثر خطورة ان ما اعتبرته النخبة اليمينية فى إسرائيل نجاحا كان كارثة على يهود العالم الذين سيدفعون أثمان تلك الجرائم التى لم يكن للكثير منهم أى علاقة بها.

نهاية اللعبة ان كل ما قامت به إسرائيل رغم قسوته كان فى التحليل الخير فى مصلحة العالم العربى، وضد مصلحة إسرائيل، وهذه هى النهاية الساخرة لهذه اللعبة الخطيرة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية