تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الغرب يؤنسن وجهه الوحشى!

قد لا يختلف اثنان على ان عالم الفيزياء اليهودى الألمانى ألبرت أينشتاين هو أهم عقل أنتجته الحضارة الغربية على الإطلاق، وأن الاسهام الأبرز لأينشتاين هو نظرية النسبية، وجوهر هذه النظرية هو عنصر الزمن أو الوقت، حيث إنها تنص على أن الطاقة تساوى الكتلة مضروبة فى مربع سرعة الضوء. هنا الزمن هو العنصر الحاسم فى تحديد مقدار الطاقة وتأثيرها، ومن ثم صار هو العنصر الأهم فى لعبة القوة السياسية، وفى صناعة القيادة الغربية للعالم فى العصر الحديث.

فالغرب هو صانع الزمن فى العصر الحديث، وهو الذى يضع روزنامة العالم، والعالم يسير على إيقاع دقات الساعة الغربية، وتتحدد مواقيت كل بقاع الأرض حسب موقعها خط جرينتش، تلك القرية الصغيرة فى بريطانيا. وحيث ان الغرب هى من يملك آلة الزمن فهو يسير كل القوانين والقواعد والقيم الدولية طبقا لمواقيته التى تحددها فى الأساس مصالحه السياسية والاقتصادية، وانحيازاته الدينية والعنصرية، فبعد أربعة قرون من القتل الممنهج، والتصفية العرقية التى استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة البيولوجية، التى أدت الى تصفية قبائل السكان الأصليين فى أمريكا الشمالية، حيث قتل اكثر من 112 مليون انسان بدون مبرر الا الاستيلاء على الأرض لإقامة المستوطنات للمهاجرين البيض من أوروبا، بعد كل هذه القرون يذهب بابا الفاتيكان لتقبيل أقدام مجموعة من كبار السن من الهنود الحمر ليقدم لهم اعتذار الحضارة الغربية عن الجرائم التى حدثت.

ونفس الأمر تكرر مع الافارقة الذين تمت سرقتهم من أوطانهم فى تجارة البشر، يتم الاعتذار عن قتل عشرات الملايين منهم فى مشهد رمزى بعد مرور قرون من الظلم والاستعمار.

العدالة والزمن موضوع يستحق النظر العميق فى العالم الغربى، حيث تتحقق العدالة، خصوصا حين تتعلق بالإنسان غير الغربى، والمجتمعات غير الغربية فى غير زمانها، ويتم تأجيل تحقيقها الى لحظة زمنية معينة تفقد العدالة فيها قيمتها، ومن يتتبع السلوك السياسى للدول الغربية يجد أن هذا الامر مستقر وثابت فى جميع الدول الغربية، حيث المصلحة السياسية تساوى العدالة مخصومة من الزمن عشرات المرات.

ونفس الامر ينطبق على كل ما يتعلق بحقوق الانسان غير الغربى فى عالم الجنوب، فى آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، حيث يصبح موضوع حقوق الانسان خاضعا للمصلحة السياسية للدول الغربية، ولا يتم تحقيقه أو المطالبة به الا عندما يحين الزمن الذى يكتمل فيه تحقيق مصالح تلك الدول.

ومنذ يومين انتفضت أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة لتقديم المعونات الإنسانية للفلسطينيين فى قطاع غزة، بعد مرور خمسة أشهر على المذبحة المروعة التى تحدث على مدى الساعة، وتنقل لجميع انحاء العالم عبر الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعى، وبعد قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، وتدمير كل شيء يحتاجه أكثر من مليونى انسان. بعد كل ذلك تصحو الإنسانية فى قلوب وعقول الذين يمدون آلة الحرب، والقتل الممنهج، التى تهدف لإبادة الشعب الفلسطينى فى غزة، او تهجيره قسريا خارجها، هم نفس السياسيين الذين وقفوا فى الأمم المتحدة يعارضون وقف إطلاق النار، هم نفس السياسيين الذين زاروا القاعة التى ينعقد فيها مجلس الحرب الإسرائيلى، أو مجلس المذبحة والابادة الجماعية، هم نفس السياسيين الذى ظلوا يتشدقون بتكرار حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس لتبرير الإبادة الجماعية، وإضفاء الشرعية على كل جرائم القيادة العنصرية فى إسرائيل، التى لم تستطع ان تشفى من التشفى بعد قتل واصابة اكثر من مائة الف انسان، ثلاثة ارباعهم من الأطفال والنساء.

هؤلاء المتورطون فى القتل والابادة الجماعية ينتفضون لتقديم المساعدات الإنسانية عبر قبرص، ويعملون بجد واجتهاد لتأسيس ميناء بحرى مؤقت على ساحل غزة، وكأنهم اكتشفوا للتو أن غزة تقع على البحر، أو أن فيها مجاعة، أو أنها تتعرض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة الا فى رواندا فى منتصف تسعينيات القرن الماضي.

هنا تذكرت قصيدة للشاعر اليمنى الراحل عبدالله البردونى عنوانها: الغزو من الداخل, مطلعها:
فظيع جهل ما يجري...
وأفظع منه ان تدري
وهل تدرين يا صنعاء..
من المستعمر السرى؟
غُزاة لا أشاهدهم ...
وسيف الغزو فى صدري
فقد يأتون تبغاً...
فى سجائر لونها يغرى
وفى صدقات وحشى يؤنسن وجهه الصخرى.

وهنا وجدت البيت الأخير يصف بدقة تلك الانتفاضة الإنسانية التى ظهرت فى خطاب حالة الاتحاد الذى القاه الرئيس الأمريكى بايدن يوم 9 مارس 2024، وفى موقف الاتحاد الأوروبى، وتصريحات وزير خارجية بريطانيا، جميعهم بدأ فى عملية أنسنة للوجه الوحشى، أو الصخرى للعالم الغربى الذى يشارك بالسلاح والرجال والمواقف السياسية فى حرب الإبادة الجماعية فى غزة.

والمشكلة الكبرى أن عملية الأنسنة هذه للوحشية الغربية ستحقق أهدافها، لأن الثقافة العربية عاطفية، سريعة النسيان، وسريعة التسامح، وسرعان ما سوف تنسى ما قام به هؤلاء، وتتذكر فقط اللقطة الأخيرة للفيلم، وهى الحملة الإنسانية التى بدأها العالم الغربى قبل حلول شهر رمضان المبارك لإنقاذ أهل غزة...فما أرق وأطيب أولئك السياسيون الغربيون الذين يراعون مشاعر المسلمين، ويحرصون على أن يحل عليهم رمضان وهم فى راحة وسعادة وهناء!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية