تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

شائعات زراعية مغرضة

من أهم أهداف الشائعات هو التشكيك في الأمور المحورية بغرض النيل من الاستقرار واستغلال الأكاذيب لمخاطبة عواطف المواطن البسيط. وخلال الفترة الماضية، ركزت الشائعات على القطاع الزراعى، لأنه يشهد ازدهارا كبيرا غير مسبوق سواء في توسعة الرقعة الزراعية أو زيادة الإنتاج. ومن أبرز هذه الشائعات الادعاء بأن الهند طبقت توصيات العالم المصري الراحل الدكتور أحمد مستجير بري القمح بالمياه المالحة وأنها حققت نتيجة لذلك الاكتفاء الذاتي من القمح؟!
الشائعة الثانية هي أن إثيوبيا قد حققت أيضا الاكتفاء الذاتي من القمح بالتخطيط الجيد، ولاحظ أن كلتا الشائعتين تركزان على القمح الذي يشغل قدرا كبيرا من فكر المواطن المصري لكونه أساس رغيف الخبز ورمزا للمعيشة.
بالنسبة لتحقيق الهند الاكتفاء الذاتي من القمح بسبب ريه بمياه البحر المالحة، نود أن نشير إلى أن الهند تمتلك أكبر رقعة زراعية في العالم بمساحة 170 مليون هكتار أي 408 ملايين فدان وتليها الولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين وروسيا، وهي تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح منذ أمد طويل ومعه أغلب الحاصلات الاستراتيجية، بينما تمتلك مصر أقل قليلا من 10 ملايين فدان وبالتالي فوجه المقارنة غائب وغير عادل. وإذا أوضحنا أن عدد سكان الهند 1400 مليون نسمة، أي ضعف عدد سكان مصر بنحو 13 ضعفا فإن رقعة الهند الزراعية تبلغ 41 ضعف مساحة الرقعة الزراعية المصرية، أي ثلاث مرات ونصف أضعاف التعداد السكاني، ولو كان لدي مصر 35 مليون فدان بنسبة الرقعة الزراعية إلي السكان كما في الهند لكانت مصر محققة للاكتفاء الذاتي مع زيادة القدرة التصديرية. الأمر الآخر أن الهند لم تزرع القمح أبدا على مياه البحر المالحة، لأنها تدمر الأراضي الزراعية تماما وتخرجها عن نطاق الإنتاجية وليس من المنطقي أنه من أجل محصول واحد ندمر الأرض الزراعية ونجعلها غير صالحة لزراعة باقي الحاصلات الاستراتيجية والخضراوات والفاكهة. وقد سألت الراحل الدكتور أحمد مستجير وهو أستاذي وصديقي، هل ستدمر الأراضي الزراعية المصرية بريها بمياه البحر من أجل القمح ونتوقف عن زراعة باقي الحاصلات من فول وعدس وأعلاف وذرة وصويا وقطن وبنجر وغيرها؟! فأجاب بشكل قاطع بأنه عندما قام بنقل جين تحمل الملوحة من نباتات البوص التي تنمو على حواف البحيرات المالحة والسياحات إلي جينات القمح المصري لإنتاج قمح متحمل للملوحة، كان الغرض منها هو محاولة زراعة هذه السياحات وحواف البحيرات المالحة بالقمح وليس ري الأراضي الزراعية بمياه البحر المالحة وتحولها إلي البوار من أجل القمح. أضيف أن هذه التجربة هي محاكاة لما قامت به الولايات المتحدة من نقل جين تحمل البرودة الشديدة من أسماك المحيط المتجمد الشمالي إلى جينات القمح الأمريكي من أجل أن تتحمل النباتات تساقط الثلوج عليها أثناء موسم نموها ولا تحترق وتموت بل يتوقف نشاطها فقط وتُحفظ في الثلوج إلى أن يأتي موسم الربيع فتذوب الثلوج وتبتل الأرض ويستأنف القمح نموه. الخلاصة أن الهند لم ترو أراضيها بمياه البحر المالحة ولا حققت الاكتفاء الذاتي من القمح بفضل أبحاث عالم مصري بينما نحن في مصر لا نستفيد من علمائنا وهو أمر مفضوح وكاذب.
أما تحقيق إثيوبيا للاكتفاء الذاتي من القمح بينما بيانات هيئة القمح الأمريكي توضح أنها مازالت تستورد كميات من القمح الروسي والأوكراني وأن وارداتها من الحبوب تمثل 27% من إجمالي احتياجاتها، وأنها من البلدان الإفريقية التي تستقبل كميات كبيرة من المؤسسات الإغاثية كإعانات غذائية، رغم امتلاكها نحو 12 من أحواض الأنهار وعشرات الروافد النهرية في مناخات مختلفة، أي أن بعضها صيفي الجريان مثل أنهار النيل الثلاثة الأزرق وعطبرة والسوباط، ونهرها مع جيبوتي ونهر أومو مع كينيا، وبعضها شتوي أو دائم مثل نهري جوبا وأشبيلية مع الصومال ونصيب الفرد من المياه في إثيوبيا يبلغ ثلاثة أضعاف نصيب الفرد في مصر. وعموما وطبقا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة تقوم إثيوبيا بزراعة 35 مليون هكتار، أي 84 مليون فدان، ويهطل عليها 936 مليار م3 من الأمطار تنبت المراعي الطبيعية التي وفرت لإثيوبيا 100 مليون رأس من المواشي، نصفها من الأبقار. ولأن نحو 84% من أراضي إثيوبيا تزرع على الأمطار ولموسم واحد فقط، بينما أراضي مصر تزرع في الموسمين فتكون أراضي إثيوبيا تعادل نحو 45 مليون فدان من إنتاجية أراضي مصر، ولو كان لدي مصر 20 مليون فدان فقط لحققنا الاكتفاء الذاتي من جميع الحاصلات الزراعية. أي أن إثيوبيا طبقا لهذه البيانات الموثقة دوليا كان ينبغي لها تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل الحاصلات الاستراتيجية منذ أمد بعيد وليس الآن فقط، كما أن الزراعة المروية في مصر تنتج أكثر من ضعف إنتاجية الفدان في الزراعة على الأمطار في إثيوبيا، وبالتالي فإن محاولة تضخيم الأمر نكاية في مصر من المغرضين غير صحيح لا علميا ولا واقعيا.
مصر هي أكبر الدول العربية تقدما في قطاع الزراعة وأعلاها إنتاجية على الإطلاق ويمكن لمن يرغب مراجعة التقارير السنوية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية ليكون فخورا بموضع مصر عربيا، والعمل على تحقيق المزيد نحو الزراعة الحديثة والرقمية، فمصر هي الأولى عالميا في معدلات إنتاج قصب السكر والأرز من وحدة المساحة رغم محدودية مواردنا المائية والأرضية ورغم أننا استبدلنا الأمطار الصيفية بالري لهذين المحصولين، وعلينا أن نحقق تلك الإنتاجية المرتفعة مع باقي الحاصلات الإستراتيجية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية