تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. نادر نور الدين > الأرز اقتصاد وحماية وأمن غذائى

الأرز اقتصاد وحماية وأمن غذائى

يمثل الأرز مع القمح والذرة ثلاثى أهم الحبوب الغذائية فى العالم ويمثل وحده 65% من غذاء شعوب قارة آسيا وسكان السواحل. والأرز من الحاصلات الصيفية التى تتطلب رطوبة جوية مرتفعة أو وجود أمطار صيفية، ولذلك يزرع فى مصر فى أراضى الدلتا المجاورة للبحر المتوسط العالية الرطوبة صيفا. ونظرا لأن الأرز يزرع مغمورا بالماء طوال فترات نموه فهو يتحمل تركيزات الأملاح المرتفعة فى مياه الرى وفى التربة حيث يخفف الغمر بالماء التأثيرات الضارة للأملاح. وتطلق جذوره كميات هائلة فى أثناء تنفسها من ثانى أكسيد الكربون والتى تذوب فى ماء زراعته متحولة إلى حامض يحسن من خواص أراضى الدلتا. ويعمل الأرز أيضا على غسيل تراكمات الأملاح والملوثات ومتبقيات الأسمدة والمبيدات من التربة فأصبح البديل الحالى لفيضان النيل. ومن مميزات زراعات الأرز أنه يقوم بغسيل المياه الجوفية القريبة من سطح التربة من الأملاح ويوقف تدفقات مياه البحر المالحة إليها ولذلك كان لزاما زراعته فى مناطق الترب الزراعية المجاورة للبحار لحمايتها من التملح. وتزداد أهمية زراعة الأرز مع تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان جليد القطبين حيث قدر مايفقد سنويا من جليد القطب الجنوبى وحده بالذوبان مابين 1.25و2.25 جيجا طن، أى أن ارتفاع مستوى سطح البحار آت لا ريب فيه.

 

وتمثل أراضى الدلتا المصرية البالغ مساحتها نحو 4.5 مليون فدان نحو 72% من الأراضى السمراء فى مصر ويسكنها 55% من السكان فى 8 محافظات فقط، وتنتج 62% من كامل إنتاجنا الزراعى من الأراضى السمراء وأراضى التوسع. ونظرا للمنسوب المنخفض لأراضى الدلتا ومجاورتها للبحر المتوسط والبحيرات الشمالية الأربع المنزلة والبرلس وإدكو ومريوط، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الماء الجوفى المعلق فى شمالها إلى متر واحد من سطح التربة واقتحامه بالكامل بمياه البحر وحتى مدينة طنطا فى وسط الدلتا، فقد تملحت أراضى شمال ووسط الدلتا. وطبقا لدراسة سابقة للبنك الدولى فقد تملحت 46% من أراضى شمال الدلتا، و36% من أراضى وسط الدلتا و24 من أراضى جنوب الدلتا بمتوسط 37% من إجمالى اراضى الدلتا. هذه الأراضى ينبغى غسيلها سنويا من هذه الأملاح حتى نحافظ عليها ولا تخرج من الخدمة ولذلك يتحتم زراعة ثلث أراضى الدلتا بالأرز سنويا لأنه المحصول الوحيد الذى يمكنه غسيل هذه الأملاح وإيقاف تدهور التربة وكذلك تمثيله الركن الأهم فى الأمن الغذائى المصرى بمحصول نحو 3.5 مليون طن من الأرز الأبيض.

وإذا كان الاعتراض على كون الأرز مرتفعا نسبيا فى استهلاكه للمياه حيث يستهلك 5 آلاف م3 للفدان بينما يستهلك الذرة وأغلب الحاصلات الصيفية 3500 م3 للفدان، فهذا مردود عليه بأن الأرز هو محصول الحبوب الوحيد الذى يعطى 4 أطنان للفدان، وأن أسعار الأرز أعلى من أسعار الذرة ومن أسعار القمح الشتوى الذى يستهلك 2500م3، فما دام يعطى ضعف المحصول فمن الطبيعى أن يستهلك ضعف المياه. الأمر الثانى أنه لا إهدار ولا استنزاف للمياه عند زراعة الأرز حيث تذهب مياه زراعة الأرز إلى المصارف الزراعية والتى يعاد استخدامها فى الرى عدة مرات فى أراضى الدلتا، كما أن أغلب زراعات الأرز تروى مباشرة بمياه المصارف دون سحب من مياه النهر نظرا لتحمل الأرز لملوحة المياه ويعطى محصولا مرتفعا، ولذلك يعتبره المزارعون فى الدلتا أنه المحصول الأهم الذى يحافظ على أراضيهم من التملح والتدهور، وأنه يكلف القليل من المياه والتى تدخل جسم النباتات نفسه، بينما القمح الشتوى نفسه يستهلك كل المياه التى يروى بها ولا يذهب منها أى قدر للمصارف الزراعية يمكن أن يستفاد منها فى إعادة استخدامها فى الري. الأمر الأهم أن الأرز المصرى من النوعيات الفاخرة فى العالم وهو أجود من الأرز الصينى والهندى والفيتنامى المشابهة للأرز المصرى، ويتماشى مع نمط غذاء المصريين، وأن سعر الأرز قصير الحبة عالميا يتراوح ما بين 400 و500 دولار للطن (13 – 16 ألف جنيه) بخلاف مصاريف الشحن والتفريغ، ويرتفع فى أثناء أزمات الغذاء ويصل إلى ألف دولار للطن، ونحن نستهلك سنويا وبدون المخزون الإستراتيجى نحو 3.5 مليون طن ستكلف الخزينة العامة مابين 1.4و1.7 مليار دولار (43 – 53 مليار جنيه مصرى) لاستيراده، المعضلة الأكبر أن المعروض للتصدير من الأرز عالميا يبلغ 10% فقط من الإنتاج العالمى (51 مليون طن) مقارنة بنحو 25% من إنتاج القمح (200 مليون طن)، ولذلك هناك ندرة عالمية فى تجارة الأرز.

من السابق ينبغى التوسع فى زراعات الأرز فى سنوات الفيضان العالى، مع مراعاة أن الأرز يزرع فى مايو والفيضان لا تظهر ملامحه إلا فى شهر يوليو، ولذلك ينبغى الاعتماد على فيضان العام الماضى فكلما كان فيضان العام السابق مرتفعا وأحدث مخزونا طيبا فى مياه بحيرة السد العالى فقد يتطلب الأمر زراعة مايقرب من 2 مليون فدان، وفى حالة الفيضان المتوسط يمكن الاكتفاء بزراعة 1.5 مليون فدان وهو الحد الأدنى لزراعته للحفاظ على الترب الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الأرز.

إن أزمة ارتفاع أسعار الأرز الحالية تحتاج إلى حسن الإدارة، فلو كنا اشترينا الأرز من الفلاحين فى أكتوبر الماضى وقت حصاده بسعر السوق البالغ من 9-10 آلاف جنيه، بدلا من فرض سعر منخفض بحد أقصى 6.850 ألف جنيه للطن رفضه الفلاحون لكانت أسعار الأرز للمستهلك حاليا مابين 15-18 جنيها فقط للكيلوجرام.

> كلية الزراعة ـ جامعة القاهرة

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية