تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. مفيد شهاب > المركز القانونى لمدينة القدس

المركز القانونى لمدينة القدس

كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت القرار رقم 181 فى 29 نوفمبر 1947 بالموافقة على مشروع تقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 بتاريخ 11ديسمبر1948 الذى يقضى بتدويل منطقة القدس، يتضمن وضع نظام للإدارة الدولية لمدينة القدس، نظرا لاحتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود. ويشمل النظام الدولى بلدية القدس، أى مدينة القدس بأكملها بما فيها من أحياء قديمة وحديثة وقرى محيطة بها والتى تشكل معها وحدة واحدة، تم تحديد مشتملاتها فى خريطة ألحقت بقرار التقسيم، إلا أن النظام الدولى للقدس لم ير النور نتيجة لمعارضة كل من الدول العربية وإسرائيل لتدويل القدس، فبقى النظام المقترح حبرا على ورق.

 

وخلال الخمسينيات كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مدينة القدس الجديدة بأحيائها العربية، وسيطرت القوات الأردنية على مدينة القدس الشرقية بما فيها الأماكن المقدسة كلها. وفى 7 يونيو 1967 احتلت إسرائيل مدينة القدس بأكملها،عقب عدوانها الذى بدأ فى 5 يونيو.

وفى أغسطس عام 1980 أقدمت إسرائيل على ضم القدس المحتلة واعتبرتها عاصمتها الموحدة . وكان هذا العمل من جانب إسرائيل تحديا للمجتمع الدولى بأسره، وانتهاكا لمبادئ القانون الدولى، الذى أخذت جميع دول العالم على عاتقها احترامه والالتزام به، ومن ضمنها إسرائيل نفسها. وكان الهدف من لجوء إسرائيل الى هذه الإجراءات تثبيت أقدامها تدريجيا فى الأراضى العربية المحتلة، متبعة فى ذلك سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية، لتكون فى المستقبل بمنزلة أمر واقع تفرضه على الدول العربية، كما فعلت فى عام 1948. ولم يكن أمام دول العالم إلا أن ترفض نقل سفاراتها الى ما اعتبرته إسرائيل عاصمتها الأبدية، وإن كان بعضها قد أقام بعثات قنصلية هناك.

عدم شرعية تغيير الوضع القانونى للقدس:

عكست مواقف دول العالم من احتلال القدس الشرقية فى عام 1967 الوضع الخاص للمدينة. وفى هذا الصدد، أعلنت الولايات المتحدة فى 14 يوليو 1967 على لسان ممثلها فى الجمعية العامة «أرثر جولد برج» انها تعتبر القدس الشرقية التى احتلتها إسرائيل عام 1967 هى منطقة محتلة تخضع لقانون الاحتلال الحربى، ولا يجوز لإسرائيل أن تدخل عليها أى تغييرات، ولذلك فإن التغييرات التى أدخلتها إسرائيل على المدينة تعتبر باطلة ولا تمثل حكما مسبقا على الوضع النهائى والدائم للمدينة.

والحقيقة أن ما ذكره ممثل الولايات المتحدة يتفق وما تقضى به قواعد القانون الدولى التى لا تخول الدولة المحتلة إلا سلطة إدارة الإقليم المحتل والمسئولة عن ضمان توفير احتياجاته المعيشية وفى مقدمتها الخدمات التعليمية والصحية، دون أن تقوم بممارسة أى مظهر من مظاهر السيادة التى هى حق للدولة الشرعية وحدها مالكة الإقليم . علاوة على أن سلطة الإدارة هذه هى بطبيعتها سلطة مؤقتة لفترة محدده تنتهى بانتهاء فترة الاحتلال وعودة السيطرة على الإقليم المحتل لأبناء شعبه وممثليه الشرعيين.

وفى 14 يوليو 1967 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا استنكرت فيه عدم إذعان إسرائيل لتنفيذ قرارها رقم 2253، الذى كانت قد أكدت فيه عدم شرعية الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع المدينة، وكررت دعوتها لها لإلغاء كل الإجراءات التى اتخذت والامتناع عن اتخاذ أى عمل من شأنه تغيير وضع القدس. وفى الأول من يوليو 1969 أكدت الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن ــ مرة أخرى ــ على لسان السفير «شارلز يوست» مندوبها الدائم لدى المنظمة العالمية «ان القدس التى وقعت تحت سيطرة إسرائيل فى حرب عام 1967ــ مثلها مثل مناطق أخرى احتلتها إسرائيل «تعتبر منطقة محتلة تخضع لقواعد القانون الدولى الذى ينظم حقوق والتزامات دول الاحتلال، والتى تقضى بأن دولة إسرائيل لا يحق لها أن تحدث تغييرات فى القوانين أو الإدارة». وفى إطار الخطابات المتبادلة الملحقة بوثائق «كامب ديفيد» حول القدس، ورد برسالة الرئيس «جيمى كارتر» إلى الرئيس انور السادات بتاريخ 22 سبتمبر 1978 «ان موقف الولايات المتحدة بشأن القدس يظل هو نفس الموقف الذى أعلنه السفير «جولد بيرج» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 14 يوليو 1967 وهو ما أكده من بعده السفير «يوست» امام مجلس الأمن فى أول يوليو 1969».

كذلك جاء فى رسالة التطمينات الامريكية الى الفلسطينيين بتاريخ 18 أكتوبر 1991 «ان الولايات المتحدة تفهم الأهمية التى يعلقها الفلسطينيون على مسألة القدس الشرقية، ولهذا نريد أن نطمئنكم إلى أن لا شيء مما سيقوم به الفلسطينيون لاختيار أعضاء وفدهم فى هذه المرحلة من العملية ــ سيؤثر على مطالبتهم بالقدس الشرقية او يشكل حكما مسبقا أو سابقة لما سينتج عن المفاوضات. ويبقى الموقف الثابت للولايات المتحدة متمثلا فى أنه يجب ألا تعود مدينة القدس مقسمة مرة أخرى، وأن وضعها النهائى يجب أن يتم تحديده بالمفاوضات. ولهذا لا نعترف بضم إسرائيل للقدس الشرقية أو توسيع حدودها البلدية ـ ونشجع كل الأطراف على تجنب الإجراءات من جانب واحد، والتى قد تزيد من حدة التوتر المحلى او تصعب من المفاوضات أو تستبق تقرير نتائجها النهائية... وبالإضافة لذلك فإن موقف الولايات المتحدة يتمثل ايضا فى انه بإمكان فلسطينيى القدس الشرقية المشاركة بالتصويت فى انتخابات سلطة حكم ذاتى انتقالية ...وتساند الولايات المتحدة كذلك حق الفلسطينيين فى طرح أى مسألة، بما فى ذلك مسألة القدس الشرقية،على مائدة المفاوضات». وفى وضوح شديد أكد إعلان المبادئ الفلسطينى الإسرائيلى الموقع فى واشنطن فى 13 سبتمبر 1993 فى المادة 5/3 الخاصة «بالفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم انه» من المفهوم ان هذه المفاوضات سوف تغطى القضايا المتبقية بما فيها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين، والمسائل الأخرى ذات الاهتمام المشترك». كما نصت الفقرة الرابعة من نفس المادة على اتفاق الطرفين على أن «لا تجحف او تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم».

كذلك أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرار لها فى 3 ديسمبر 2003شجب قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية الى القدس . وفى قرار لها فى 7 ديسمبر 2007 تشير إلى أن محكمة العدل الدولية قد خلصت إلى أن إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، تمثل خرقا للقانون الدولى. وفى 6 فبراير 2016 تعيد الجمعية العامة تأكيد انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949 على الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية . وفى قرارات أخرى لها صادرة فى 10 ديسمبر 2009 و9 ديسمبر 2015 وأول ديسمبر 2017 تؤكد الجمعية العامة من جديد رفضها بناء اسرائيل مستوطنات فى القدس الشرقية، وأنها تعتبر أى خطوات تتخذها إسرائيل لفرض قوانينها وولاياتها القضائية وإدارتها على مدينة القدس غير مشروعة ولاغية، ودعت دولة الاحتلال الى «احترام الوضع القائم تاريخيا فى المدينة».

قرار الرئيس الأمريكى ترامب فى عام  2017  نقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس :

فى سابقة خطيرة، ورغم تحذيرات ورفض عربى ودولى واسع النطاق، كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قد أعلن فى عام 2017 اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وتنفيذ قرار الكونجرس الأمريكى السابق صدوره فى عام 1995 بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وكان «ترامب» قد استبق إعلان قراره بتصريح يبرر فيه أسباب اتخاذ القرار، ويزعم أنه تأخر كثيرا!

ولاشك أن إعلان هذا القرار آنذاك، وبعدما كان الرؤساء الأمريكيون السابقون قد أحجموا منذ عام 1995 عن تنفيذه، قد نسف جهودا كثيرة كان قد تم بذلها لإقرار الأمن والاستقرار والتعاون فى المنطقة .

قرارات مجلس الأمن تدين ضم القدس الشرقية ولا تعترف بها عاصمة لإسرائيل:

لاشك أن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يمثل تحديا صارخا للشرعية الدولية، وتعارضا صريحا مع أحكام القانون الدولى، وجميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن فى هذا الشأن، وفى مقدمتها قرار رقم 250 عام 1968 الذى أبدى الأسف لإقامة العرض العسكرى الإسرائيلى فى القدس فى 2 مايو 1968 والقرار رقم 253 لعام 1968 الذى اعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التى قامت بها اسرائيل ـ بما فى ذلك مصادرة الأراضى والأملاك التى من شأنها أن تؤدى الى تغيير فى الوضع القانونى فى القدس ـ إجراءات باطلة ولا يمكنها تغيير الوضع فيها، والقرار 267 لعام 1969 الذى أكد أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التى اتخذتها إسرائيل من أجل تغيير وضع المدينة هى اعمال باطلة، والقرار 298 لعام 1971 الذى اكد فيه المجلس، بأوضح العبارات الممكنة، أن جميع الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس لاغية تماما ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع بأى حال من الأحوال، والقرار 465 لعام 1980 الذى دعا إلى إزالة المستوطنات الإسرائيلية القائمة فى الأرض المحتلة ومن بينها القدس الشرقية، والقرار 478 لعام 1980 الذى دعا جميع الدول الى عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية الى مدينة القدس، والقرارات 672 لعام 1990، 673 لعام 1990، 904 لعام 1994 التى أدانت إسرائيل لارتكابها اعمال عنف ضد الفلسطينيين بمناسبة المذبحة التى شهدتها ساحة المسجد الأقصى فى أكتوبر 1990، ووصفت القدس بأنها أرض محتلة. وتتوالى القرارات الصادرة من مجلس الأمن فى نفس الاتجاه عاما بعد عام، ونراه يؤكد من جديد فى القرار رقم 2334 بتاريخ 23 ديسمبر 2016 أنه يعتبر أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أى شرعية قانونية .

وكل هذه القرارات وافقت عليها الولايات المتحدة الامريكية، وهى تؤكد بوضوح أن القدس الشرقية أرض عربية محتلة،ولا يجوز تغيير الأوضاع الديموجرافية أو السياسية فيها، وأن أى تغيير يعتبر باطلا ولا يعتد به . فالأمم المتحدة إذ تقرر عدم شرعية التغييرات الإقليمية الناجمة عن العدوان الإسرائيلى على الدول العربية وتقرر عدم شرعية الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل نتيجة احتلالها أقاليم هذه الدول، فإنها تؤكد بطلان هذه التصرفات التى تصدر بالمخالفة لقواعد القانون الدولى، وتدعم مبدأ الشرعية . ولما كانت هذه القواعد تتعلق بالمصلحة العليا والأساسية للمجتمع الدولى، فإن المخاطبين بها لا يملكون إلا الانصياع لأحكامها، ولا يجوز اتخاذ أى إجراء يخالفها بالإرادة المنفردة لأى دولة من الدول، لأنها قواعد مضمونة بجزاء حاسم، يتمثل فى بطلان كل تصرف يحدث انتهاكا لها بطلانا مطلقا.

وفى ضوء ما تقدم يتضح أن ما أقدم عليه الرئيس الأمريكى السابق من نقل السفارة الأمريكية الى القدس يمثل تراجعا صريحا عن الأسس التى أقرتها الحكومة الأمريكية للتسوية وفق صيغة مدريد، كما أنه يتناقض مع مبادئ التسوية السياسية للنزاع الفلسطينى الإسرائيلى الذى يفترض أن ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة من روسيا الاتحادية ودول الاتحاد الأوروبى، على أساس أن صيغ الاتفاقات التى تم التوصل إليها وضعت قضية القدس فى إطار مرحلة القضايا النهائية التى لا يمكن تغيير الأوضاع القائمة بشأنها فى الوقت الراهن. كما أنه يتناقض مع الضمانات التى قدمتها الولايات المتحدة للدول الأطراف فى عملية السلام بعدم اعترافها بضم القدس الشرقية. وعليه فإن القرار الأمريكى يشكل استباقا لمفاوضات الوضع النهائى لمدينة القدس، كما يشكل محاولة لفرض واقع جديد، مما يجعله يتسم بالإجحاف والاستهانة بمشاعر العرب والمسلمين والمسيحيين، علاوة على ما يمثله من مخالفة صارخة لكل المواثيق والأعراف الدولية . وهو بهذا يتضمن دعوة صريحة لتصعيد أعمال العنف فى الأراضى الفلسطينية بل فى المنطقة بأسرها، مما يؤثر حتما على عملية السلام، ولا يمكن إلا أن تكون له آثار سلبية على أى حديث أو ترتيبات تتعلق بالتعاون الإقليمى.

وقد جاء الموقف المصرى، على المستويين الرسمى والشعبى، حاسما فى رفض قرار نقل أى دولة لسفارتها من تل أبيب إلى القدس، داعية الى وحدة الصف والخروج من حالة التمزق التى يعيشها عالمنا العربى الآن، واتخاذ موقف حازم تجاه إلغائه، مؤكدا أن الاستمرار فى محاولات تغيير الوضع القانونى للقدس سيترتب عليه نتائج وخيمة على التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وأكدت ذلك مرارا فى مختلف المحافل الإقليمية والعالمية.الأمر الذى أفصحت عنه بوضوح كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إفتتاح المؤتمر الذى نظمته جامعة الدول العربية فى 12 فبراير الحالى تحت عنوان «القدس صمود وتنمية» والتى جاء فيها: «تؤكد مصر مجددا موقفها الثابت إزاء رفض وإدانة أى إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخى والقانونى لمدينة القدس ومقدساتها، كما تؤكد الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس بما فى ذلك المسجد الأقصى بكامل مساحته، باعتباره مكان عبادة خالصا للمسلمين».

إن الحق لا يبنى على الخطأ. وحين يكون هذا الخطأ متعلقا بمحاولة التغيير الإقليمى بين الدول، فإننا نصبح أمام حالة من حالات الانتهاك الصارخ لقواعد الشرعية الدولية، وهو ما ينبغى ان تتكاتف كل الجهود ضده والتحذير من مخاطره ووقفه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية