تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. مصطفى جودة > حكاية الملك «مو صلاح» «1ــ 2»

حكاية الملك «مو صلاح» «1ــ 2»

ولما كانت الليلة الرابعة بعد الألف قالت شهر زاد: «بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد، حكايتى اليوم عن مصرى نابغ من الذين ينعم الله بهم دائما على مصر عبر التاريخ. أمثال أم كلثوم ومشرفة وزويل ومجدى يعقوب، وغيرهم كثير.

ملخص حكايته يا مولاى أن العمل الجاد هو نوع من العبادة، وأن الشرف الرفيع لا يسلم من الأذى. هذا الرجل هو محمد صلاح، ابن قرية من ريف مصر العظيم، الذى أخرج للناس قادة عظماء، وعلماء نوابغ وأذكياء وفنانين، ومصلحين بلغاء، وغيرهم من كل أنواع البشر النجباء.

ولد فى قرية نجريج، شأنها شأن كل قرى مصر: الحياة فيها مثل الساعة الدقيقة، تتثاءب كل مخلوقاتها مع الغروب، تستعد دائما للصلاة، وتشرق عليها شمس كالحريق، ولا أحد يتذمر أو يضيق، الكل الى عمله البسيط مسرع فى الطريق.

الصغار الى مدارس بهم تضيق، والطعام من الأرض الى مائدة لا تعرف إلا ما يسد الرمق أو يزيد، لكن الكل راض وسعيد.

هناك ولد محمد صلاح، كان طموحه دائما عاليا، ولكن لم يخطر على قلبه أبدا أن الله سينعم عليه من فضله بتاج عظيم، ليس من ذهب أو جواهر، بل من هتافات القلوب أينما حل.

كبر الفتى، وكانت الكرة لعبته، ومالكة قلبه وهويته. كان يسافر من قريته الى القاهرة ساعات طويلة، ليتمرن ويعود فى نفس اليوم، يخرج قبل الشروق ويعود بعد الغروب، ويكافئ نفسه عبر كل ذلك بطبق كشرى لم يشبع منه يوما، ويتمناه حتى الآن إن استطاع الى ذلك سبيلا.

نصحه الكثيرون ألا يتعب نفسه ويجهدها، وأن يستفيق من الحلم الذى يراوده، فالأحلام لا تطعم الأفواه. لكنه كان مدفوعا بقوة لا يفهمها، الى مستقر يريده له الله، ليمنحه الإنجليز لقب الملك المصري: مو صلاح.

كانت البداية لصلاح فى مصر فى المقاولون العرب حيث تعلم النظام وتعلم أن الكرة ليست فقط لهوا ولعبا، ولكن مسئولية. بعدها تألق صلاح، وبدأت العيون الفاحصة ترقبه.

كان مختلفا وكأنه الكروان الذى تضرب أجنحته الظلام. ثم بدأت رحلته الدولية الكبرى الى بازل بسويسرا. لم يكن هناك يفكر كما السائحين فى جمالها وسحرها وجبالها، كان يدرك أن عليه وظيفة لا بد أن يتقنها.

هناك كانت البداية غربتين: غربة طريقة حياة وغربة لغة وثقافة. لكن كل ذلك لم يسبب له صدمة ثقافة، وزاده ذلك الأمر إصرارا. وشيئا فشيئا بدأت أهدافه الرائعة تهدى اليه وتصفه. هناك فى بازل كان ميلاده الكروى العالمى، وهناك فتح الله له للمجد أول باب. من بأزل أخذته يد القدر الى نادى تشيلسى أحد عمالقة الدورى الإنجليزى، وحيث تكاد كرة القدم أن تكون ديانة، وليست لعبة.

شاءت الأقدار فى تشيلسى ألا يكون له مكان مقدر ثابت، لم يدرك المدرب موهبته وعظمته، فكان يتركه ينتظر على دكة الانتظار حتى يحل مكان لاعب أساسى يصاب أو ألا يكون وافقه الحظ يومها. سافر بعدها الى فيورنتينا وروما حيث زادت سرعته واستوى على عوده، وعرفه الناس وبدأوا ينادون باسمه مثلما كان الرومان ينادون الأبطال الذين يصرعون الأسود فى قديم العهود.

وصل صيته بسرعة البرق إلى إنجلترا مرة أخري. خطفه نادى ليفربول، حيث كان الميلاد الثانى وكان المستقر والنبوغ والتوفيق الذى أراده الله له. دخل مدينة العمال تلك، ولكنه كان هذه المرة واثق الخطوة يجرى ملكا.

عشقه أهل المدينة ومنحوه لقب الملك المصرى، وتغنوا به وهم الذين لم يتغنوا بملوكهم وعظمائهم من قبل، وأصبح صلاح نشيدا يتغنى به الصغير والكبير كلما لمس الكرة، وكلما جرى بها وكأنه يحمل قلوبهم. بين عشية وضحاها أصبح ابن نجريج: «ابن العالم». رفع الملك «مو صلاح» من قيمة النادى وملأ خزائنه، وأعاد أمجاده وبطولاته.

صارت الجماهير الإنجليزية، لا تكف عن الشدو باسم شاب مصرى من نجريج. لم يكن ملكا بالسيف والإرث، بل بالقدم والخلق. لم يفتح مدنا، بل فتح قلوبا، وصار رمزا، ليس للمصريين فقط، بل لكل العالم ولكل من آمن أن الحلم ممكن. صار صلاح قدوة للغالبية، وكلماته تسمع، وفعله يقلد.

لم تغيره الشهرة والأضواء، لم يتغير، كما هو: يسجد لله شاكرا كلما سجل هدفا، وصار صوته صدى لقيم أكبر من الكرة: العمل، وجودته، والصبر، والإيمان. لم يقتصر الأمر والشهرة، على ليفربول فقط، ولكن تعداه الى العالم كله، وأصبح صلاح ملكا للقلوب فى كل العالم، وأصبحت صورته، الأكثر تميزا لأى شخصية فى العالم وربما فى التاريخ كله.

لم يكن صلاح ملاكا، وأسطورة بلا دموع، فقد خسر وتألم، وتعرض للنقد، والحسد من الكثيرين فى مصر وفى إنجلترا، لكنه تعلم أن الملك الحقيقى هو من ينهض كلما تعثر. كان إذا خسر مباراة، يكثف تدريبه، وإذا أخطأ أصلح، وهكذا لم يكن ملكا فى الملعب فقط، بل فى الأخلاق.

أخلص لوطنه وتبرع كثيرا لمؤسساته، وتبرع لقريته فبنى مدارس، وتكفل بمصاريف زواج شبابها، وبنى مستشفى بها، ومد يد العون لكل من فيها، ولم يرفض طلبا لأحد من بنيها. خلال ثمانى سنوات قدم الملك «مو صلاح»، الكثير للنادى وللجماهير. حقق لهم كل البطولات وأعاد لهم الأمجاد. وهنا أدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية