تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الكمين المهين

شاهد العالم كله يوم الجمعة الماضى مأساة حقيقية على الهواء تشبه المآسى الشكسبيرية، والتى تحوى كلمات تشخص المأساة تشخيصا دقيقا تعرف بلحظات الاكتشاف أو الإدراك التى يتعرف فيها البطل على حقائق كانت مخفية عنه أو فى فهمه لنفسه، مما يؤدى الى تحول فى الأحداث. هذا ما حدث بالضبط للرئيس الأوكرانى زيلينسكى فى البيت الأبيض فى أثناء المؤتمر الصحفى مع الرئيس ترامب. إنه يشعر بأن مجلس تأديب أدانه بقسوة أمام العالم كله. كان المؤتمر شيئا مهينا شاهده العالم كله وشاهد فيها كيف استدرج زيلينسكى إلى كمين، حيث قيل فيه على الهواء ما كان ينبغى ألا يقال إلا فى القاعات المغلقة وأدرك الرجل هوانه على الرئيس ترامب ونائبه. كان المفروض أن يكون اجتماعا ناجحا وافق فيه زيلينسكى على كل مطالب ترامب الخاصة بمنح أمريكا كميات كبيرة من خامات المعادن النادرة والتى تستخدم فى غالبية الأجهزة المتقدمة من تليفونات وكمبيوترات وغيرها، والتى تزداد أهميتها اليوم نتيجة أن الصين تملك غالبية المنتج منها. حاول زيلينسكى التصدى للرئيس ترامب ولنائبه فانس فى أثناء تلقى الأسئلة من الصحفيين واحتد عليهما. أصبح الأمر أكثر سخونة عندما تصدى فانس لما قاله زيلينسكى ووجه له الكلام واتهمه بأنه غير ممتن لما يقوم به الرئيس ترامب من مجهودات تهدف الى تحقيق السلام. انبرى بعدها الرئيس الأمريكى وتحدث فى غضب شديد، وقال ضمن ما قال موجها كلامه للرئيس الأوكرانى إنه قد يتسبب فى إشعال الحرب العالمية الثالثة وأنه يتعين عليه إبرام اتفاق مع روسيا من خلال تنازلات، لأن أوكرانيا فى مأزق ولا تمتلك الكروت اللازمة لتحقيق الفوز فى اللعبة، وأضاف إما أن تبرموا اتفاقا أو أننا سننسحب وسنبتعد وستتوقف أمريكا عن الدعم الذى بلغت قيمته 350 مليار دولار منذ اشتعال الحرب ولولا الأسلحة الأمريكية لقضت عليكم روسيا فى أسبوعين، وأضاف، أن تصريحاتك تفتقر للاحترام وأنه لا يجب أن تملى على الولايات المتحدة أحاسيسك. لم يتقبل الرئيس الأوكرانى ذلك القول وقال: «نحن لا نلعب كروتا هنا». لم يفهم الرجل تفسير ما قاله الرئيس ترامب بأنه كان يقصد الحرب وليس اللعبة، وأنه ترجم الكلمة حرفيا. عند سماع ذلك صار الأمر مثل مذبحة المماليك، حيث اتهم الرئيس ترامب الرئيس الأوكرانى بأنه شديد الكراهية للرئيس الروسى والذى يحترمه ترامب احتراما كبيرا، وصار الرئيس ترامب عقبها لا يلوى على شيء وارتفعت الأصوات لدرجة أن كثيرين من المعلقين والمحللين اعتبروا ذلك المؤتمر الصحفى الأغرب فى التاريخ. أظهرت الكاميرات السفيرة الأوكرانية فى واشنطن وهى تغطى وجهها من شدة الصدمات التى أتت متعاقبة ومتسارعة وبعيدة كل البعد عن الأعراف الدبلوماسية. انتهى الأمر وسط صدمة عالمية غير مسبوقة، غير أن الأسوأ حدث بعدها عندما انتهى المؤتمر وتوجهوا للداخل حيث كان مخططا أن يتم اجتماع، ويتم توقيع اتفاقية المعادن النادرة. كان واضحا أن شيئا أكثر مأساوية سيحدث، وهو ما حدث بالفعل، حيث أصدر البيت الأبيض بيانا بعدها بدقائق مفاده أن توقيع اتفاق المعادن النادرة لن يحدث، وأن الأمر تم تأجيله لحين تحلى الرئيس الأوكرانى بالرغبة فى السلام، وخرج وزير الخارجية الأمريكى ليبلغ الرئيس الأوكرانى أنه يتعين عليه مغادرة البيت الأبيض، وأنه لن يكون هناك اجتماع مغلق وحفل غذاء وتوقيع للاتفاق المرجو. خرج عقبها الرئيس الأوكرانى والذين معه مطأطئى الرءوس ليستقلوا سياراتهم مغادرين البيت الأبيض ترهقهم ذلة الطرد وإحساس شديد بالهوان. بعدها بدقائق نشر الرئيس زيلينسكى تغريدة وهو فى سيارته: «كل الشكر لأمريكا. شكرا على الدعم وشكرا على هذه الزيارة. شكرا للرئيس الأمريكى وللكونجرس الأمريكى والشعب الأمريكي. تحتاج أوكرانيا الى سلام عادل ودائم، ونحن نعمل على تحقيق ذلك بالضبط». كان هناك العديد من ردود الأفعال لما حدث وخصوصا القادة الأوروبيين الذين اعتبروا إهانة الرئيس الأوكرانى إهانة لهم، منها ما صدر عن رئيس الوزراء الإيطالى: «إن كل انقسام فى الغرب يجعلنا جميعا أضعف ويصب فى مصلحة أولئك الذين يرغبون فى رؤية انحدار حضارتنا. ليس انحدار قوتها أو نفوذها، بل انحدار المبادئ التى أسستها، وفى مقدمتها الحرية. إن الانقسام لن يفيد أحدا. إن ما نحتاج إليه هو عقد قمة فورية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والحلفاء للتحدث بصراحة حول الكيفية التى نعتزم بها التعامل مع التحديات الكبرى، بدءا من أوكرانيا، التى دافعنا عنها معا فى السنوات الأخيرة، وتلك التى سنضطر الى مواجهتها فى المستقبل وهذا هو الاقتراح الذى تنوى إيطاليا تقديمه الى شركائها فى الساعات المقبلة». وكتب وزير الخارجية الدنماركى معلقا: « إنها ضربة فى بطن أوكرانيا. عندما يحدث هذا أمام الكاميرات فلن يكون هناك سوى فائز واحد وهو الذى يجلس فى الكرملين». أما الرئيس التشيكى فكتب: « نحن نقف الى جانب أوكرانيا أكثر من أى وقت مضي. لقد حان الوقت لأوروبا لتكثيف جهودها». أما رئيس الوزراء البولندى فكتب: « أصدقائى الأوكرانيين الأعزاء، أنتم لستم وحدكم». أما نائب كتلة حزب المحافظين فى البرلمان الألمانى والذى فاز مؤخرا بالانتخابات الألمانية فكتب: « كانت المناظر الآتية من البيت الأبيض صادمة. كيف تطعن رئيسا لبلد تم غزوه فى ظهره بهذه الطريقة. أوروبا الحرة لن تخون أوكرانيا». فى أمريكا كانت أيضا هناك ردود فعل من أعضاء مجلس الشيوخ، حيث انتقد الأعضاء الجمهوريون زيلينسكى لتجرئه على الرئيس الأمريكى والتصدى له. عندما طالب وزير الخارجية الأمريكى بضرورة اعتذار زيلينسكى للرئيس ترامب، أجاب زيلينسكى بأنه لا يدين لأحد باعتذار.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية