تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الجامع
يقول المثل المصري: « اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع». فهم الكثيرون منه خطأ عبر الزمن أن الجامع هو المسجد وأن حاجة البيت هى فرض عين تجب حتى احتياجات المسجد رغم قدسيتها فى حياة المصريين. بتاريخ 28 مارس 2023، أصدرت دار الافتاء المصرية فتوى لتوضيح الأمور وتصحيحها بخصوص توضيح حقيقة المعنى المقصود، بناء على سؤال وجهه اليها سائل، جاء فيه: « على aإثر دعوة أحد الدعاة فى القرية من إكثار aالمسجد وترميمه وعلى بعض أعمال النفع العام، وكذلك لمساعدة بعض المحتاجين من الفقراء والمساكين فى ظل الظروف الراهنة، فذكر البعض أن ضعيف الحال يجب عليه عدم الانفاق من ماله فى تلك الأحوال وأن بيته وأهله أولى من ذلك، مسترشدا بمقولة، « اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، فما صحة ذلك؟. كان رد دار الإفتاء هو التالي: «أن المقولة المذكورة هى مثل سائر على ألسنة المصريين يعبر عن القيم الحضارية العملية المترجمة للأوامر الشرعية التى تلزم المسلم بترتيب أولوياته وفق مقتضى الحكمة، وهى تفيد بظاهرها أنه لا صدقة إلا بعد الكفاية، بمعنى أن بناء الإنسان مقدم على بناء البنيان، وأن المرء مطالب بالإنفاق فى مصارف الخير المتعددة من إعمار المساجد ورعاية الفقراء والمساكين، الى غير ذلك من وجوه الخير، كل حسب حالته، وأما ضعيف الحال، فلا يجب عليه الإنفاق من ماله فى الأحوال المذكورة فى السؤال، وأن أهل بيته أولى بذلك». لم تتطرق دار الإفتاء فى ردها الى المعنى والى السبب التاريخى وراء تلك المقولة التى يرددها المصريون بكثرة. المعنى هو أنه إبان الاحتلال العثمانى لمصر كان يوجد جامع للأموال، وكان يسمى الملتزم أيضا، يمر لتحصيل الضرائب من المصريين، ومع قسوة الحياة والفقر الذى كان من سمة تلك المرحلة لم يجد المصريون ما يعطونه الى ذلك الجامع، فجاء قولهم:
«اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع». كان يحدث أحيانا أنه لسبب ما ألا يحضر ذلك الجامع، فكان الناس حينها يرددون مقولة أخرى هي: « بركة يا جامع»، والتى أصبحت أيضا مثلا مصريا سائرا. إذ المعنى الحقيقى المقصود هو جامع الضرائب أو الملتزم وليس الجامع أو المسجد.
تذكرت ذلك المثل بعد تصريح الرئيس الأمريكى ترامب الأخير بخصوص قناة السويس والذى أدلى به بتاريخ 26 أبريل الماضي، والذى طالب فيه بضرورة السماح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية بالمرورعبر قناتى بنما والسويس مجانا، وكتب فى بيان على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة: « ينبغى السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجانا عبر قناتى بنما والسويس، وأنه ما كانت هاتان القناتان لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية. لقد طلبت من وزير الخارجية ماركو ربيو الاهتمام بهذا الوضع وتخليد ذكراه فورا». دار الزمان دوراته وتغير الملتزم أو الجامع، وبدلا من كونه عثمانيا أصبح رئيسا أمريكيا، وبدلا من تحصيله مجرد بضع جنيهات ودنانير معدودة أصبح يطلب التريليونات من الدولارات، وكأنه ثقب أسود يستهدف مقدرات المنطقة وأرزاقها. عندما أتى الرئيس ترامب أول مرة للمنطقة بتاريخ 17 مايو 2017، عقد اتفاقيات وصفقات بمبلغ 460 بليون دولار. الزيارة الثانية ستكون فى الفترة من 13 الى 16 مايو الحالى وستشمل ثلاث دول خليجية هى السعودية والإمارات وقطر، وستشمل صفقات واستثمارات بمبلغ تريليون من السعودية وتريليون وأربعمائة بليون من دولة الإمارات العربية المتحدة. كانت تصريحاته بخصوص قناة السويس دلالة على أن تكون من منجزات تلك الرحلة. لا يعنينا ما تقوم به دول الخليج من إنفاق لأموالها، فهم أحرار فيما يملكون وبالطرق التى يريدونها، فهم مستثمرون على درجة كبيرة من الحرفية، ولكن يعنينا تصريحه بخصوص قناة السويس، لأنه لوسأل عشرات المستشارين والمؤرخين التابعين للبيت الأبيض لأجابوه أن قناة السويس بالنسبة لمصر كحبل الوريد بالنسبة للإنسان، لأجابوه أن كل محاولات الذين سبقوه من قادة القوى الغربية بداية من نابليون ثم من بريطانيا العظمي، قوبلت بمقاومة عنيدة من شعب مصر الذى حفرها بعرقه ودمه، لأجابوه أن أمريكا لم يكن لها دور أو فضل فى حفرها أو بعده، والتى بدأت عام 1859 وانتهت بعد عشر سنوات فى 1869. حفر المصريون القناة بطول 165 كيلومترا، وعرض 190 مترا، وعمق 18 مترا، واستخراج قرابة 75 مليون متر مكعب من الرمال. اشترك فى عمليات الحفر نحو مليون عامل، مات منهم 120 ألفا نتيجة الجوع والعطش والأمراض. كانت أمريكا مشغولة حينها بالحرب الأهلية التى اندلعت فى الفترة من 1862 الى 1865، وانتهت بانتصار جيش الاتحاد بقيادة الجنرال يوليسيس جرانت والذى أصبح بعدها الرئيس الثامن عشر للولايات المتحدة الأمريكية لفترتين رئاسيتين متتاليتين فى الفترة من 1869 وحتى 1877، والذى زار مصر بعدها.
سيدى الرئيس ترامب أقول لسيادتك إنه كان هناك 17 زيارة رسمية وثلاث غير رسمية لرؤساء أمريكيين لمصر، تأكيدا على أهميتها التاريخية والاستراتيجية، وتوطيدا للعلاقات الطيبة معها. كانت أول زيارة للرئيس يوليسيس جرانت فى يناير 1878، قابل خلالها الخديو إسماعيل الذى احتفى به وخصص له قصره للإقامة، ثم خصص له باخرة تقله عبر النيل للأقصر حيث رحب به سكانها كونه بطلا أمريكيا. وصف الرئيس جرانت رحلته الى مصر فى رسالة الى ابنه بقوله: لقد أثارت مصر اهتمامى أكثر من أى جزء من رحلاتي». مقدرات الشعوب قياما لشعوبها سيدى الرئيس، سواء كانت كندا، أو جرينلاند، أوبنما، أو قناة السويس.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية