تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
نحن وسؤال التقدم!
أعتقد أن السؤال الأهم والذى لايزال يشغل عقل كل مصرى وعربى منذ فجر عصر نهضتنا الحديثة هو: لماذا يتقدم الآخرون ونتخلف نحن؟! ورغم كل ماصدر عن مفكرينا العظام منذ رفاعة الطهطاوى وشكيب أرسلان حتى الآن من مؤلفات ودراسات، ورغم ما عقد من ندوات ومؤتمرات على مدار السنين حول ذات السؤال إلا أننا لانزال نعيد نفس السؤال ونطرح تقريبا نفس الإجابات!.
وفى اعتقادى أن الأهم من الكلام النظرى والتحليلات العقلية هو العمل على تدريب أنفسنا وأبنائنا على العمل وفقا لقيم التقدم التى نعرفها جميعا وأهمها إتقان العمل وتقدير قيمة الوقت واحترام الآخرين، فهذه القيم الثلاث وحدها هى التى تحولت بها عبر الزمن المجتمعات المتخلفة الى مجتمعات متقدمة. واتقان العمل لايكون إلا بعد أن نتعلمه ونتدرب عليه جيدا وهذا مانفتقده كثيرا فى نظامنا التعليمى الذى هو فى معظمه يعد تعليما تلقينيا يقوم على الحفظ والاستظهار دون الفهم والتدريب العملي! أما الوقت وتقدير قيمة الزمن فنحن أمة درج الكثير من أبنائها على إهدار الوقت وعدم الإحساس بقيمة اللحظة الزمانية.
فعلى مستوى الأفراد عادة ما نقول: «تعالى نضيع وقت!», ونتبارى فى تفويت الفرص وإضاعة الوقت! وليس أدل على ذلك من أننا دائما ننظر الى الماضى بالتقدير والاجلال ونسميه الزمن الجميل ، بينما عادة ماننتقد الحاضر ونلعن كل مافيه ناسين أننا صناعه والمسئولون عنه!. أما المستقبل فهو البعد الغائب دائما فى نظرتنا للحياة ولا أدل على ذلك من قولنا «ياعم عيشنى النهاردة وموتنى بكره».
ونحن لانحسن التخطيط للمستقبل والاستفادة من ممكناته غير مدركين أن المستقبل هو مجالنا الوحيد للإنجاز وفرض الإرادة، واذا خططنا له ووعينا ممكناته فعادة لا نحسن تنفيذ ما خططنا له! أما احترام الآخرين فهى قيمة عادة ما نفهمها خطأ لأنه أحيانا مايكون احترامنا للآخرين مقصورا على احترامنا للأجنبى لدرجة تصل أحيانا إلى الشعور بالدونية أمامه مما يفقدنا الثقة بالنفس والقدرة على الابداع والفعل المستقل! بينما المقصود بها احترام الآخر الإنسان أيا كان لونه أو بيئته أو طبقته الاجتماعية، فالإنسان - أيا كان اسمه وعنوانه ومايقوم به من عمل – هو قيمة فى ذاته!.
إن تلك القيم الثلاث ترتبط جميعا بقيمة أعلى هى قيمة الصدق، فلو أن الإنسان تربى على الصدق سيكون صادقا مع نفسه قبل أن يكون صادقا مع الآخرين ، وسينعكس ذلك على عمله وعلاقاته بالآخرين فلا يخون ولاينافق ولايتسلق ولايتزلف ولايستسيغ أو يسوغ الانحراف، ولايحيد عن السلوك المستقيم أيا كانت النتائج!.
إن ماينقصنا بالفعل هو قيمة الصدق فى كل شيء . وقد صدق جدنا العظيم بتاح حتب الفيلسوف المصرى القديم فى القرن السابع والعشرين قبل الميلاد فى تقدير قيمة الصدق قائلا: الصدق.. هذا ما أورثنى إياه أبي!. لقد ورد ذلك فى ثنايا نصائح بتاح حتب الذى كان الوزير الأول فى الدولة المصرية لابنه وهو يعده لتولى الوظائف العليا فى الدولة، إنه يورث ابنه الفضائل وعلى رأسها فضيلة الصدق وليس الجاه والسلطان أوالعقارات والأموال!.
ولعل سائلا يسأل الآن: ماجدوى ذلك بالنسبة لسؤال التقدم؟! ولهذا السائل أقول: ان بناء الدول والحضارات يقوم على أساسين اثنين هما : العلم والأخلاق، وأن أحدهما لا يقوم بدون الآخر، وان فقدت أى حضارة أيهما تخلفت وانهارت مهما طال بها الزمن. وهذا هو مآل الحضارة الغربية اليوم، فقد قامت فى بداية العصر الحديث على تقدير العلم وعلى نظريات واكتشافات العلماء فى مختلف العلوم، ولما أهملت فى طورها الحالى الأخلاق وامتهنت القيم الإنسانية والدينية وسخرت منها – كما شاهدنا فى افتتاح الأوليمبياد الأخير فى باريس - أصبح مآلها الى الذبول والانهيار ان عاجلا أو آجلا حيث توافرت لها اليوم كل أسباب الاندثار والانهيار ولا يغرنكم ماترونه من ترسانات الأسلحة والقشرة اللامعة للتقدم والرخاء الاقتصادى لدى الغرب الأمريكى والأوروبى!.
وعود الى ماسبق، فإن علينا إذا ما أردنا التقدم بحق، العودة الى سلم قيمنا الأخلاقية الأصيلة وعلى رأسها الصدق فى العلم والتعلم والإخلاص والأمانة فى إتقان العمل. ذلك هو طريقنا للنهوض وتحقيق التقدم المنشود بعيدا عن التشبث والتقليد الأعمى لكل ما هو غربى.
--------------
أستاذ الفلسفة
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية