تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
محمد نجيب ..القائد المغلوب على أمره
تظل شخصية الرئيس المصرى الراحل محمد نجيب علامة استفهام كبيرة منذ ثورة يوليو 1952، فالرجل يمثل نموذجًا لا تعوزه الشجاعة ولا تنقصه الجرأة حتى وإن كان قليل الخبرة بدهاليز السياسة ودروب الحكم، فبعد رحيل الملك فاروق على متن سفينة المحروسة متجهًا إلى منفاه الاختيارى فى إيطاليا، اهتم محمد نجيب ورفاقه بمفردات الإجراءات التى قادها السياسى الداهية على ماهر باشا وأشرف عليها سليمان حافظ نائب رئيس مجلس الدولة، والغريب فى الأمر أن على ماهر نفسه كان رئيس الديوان الملكى المصرى عندما تولى فاروق الحكم وشاءت الأقدار أن يكون هو من يودعه أيضًا فى رحلته الأخيرة خارج مصر غداة أحداث ثورة يوليو ويومياتها المعروفة.
ولقد ارتبطت شخصية محمد نجيب فى ذهن المواطن المصرى والعربى أيضًا والسودانى تحديدًا بأنه ذلك الضابط الوطنى المستقيم الذى يتميز بطيبة القلب والوطنية الصادقة، وهو الذى كان يدرك جيدًا أنه لو فشلت أحداث تلك الليلة الخطيرة فى التاريخ المصرى المعاصر، فإن مكان اللواء محمد نجيب القائد المعلن للثورة سيكون ساحة المحاكمة العسكرية وربما يواجه حكمًا بالإعدام عقوبة على تمرده على سيد البلاد وصاحب العرش وحفيد محمد على، إلا أن الرجل بنقاء سريرته وصفاء معدنه لم يعبأ بشيءٍ من ذلك بل قبل دعوة الضباط الأحرار من شباب الجيش المصرى فى التصدى لتلك المهمة الخطيرة والتى أحجم عنها غيره.
والمعروف أنه تربى فى السودان رغم أن أصوله تعود إلى قرية النحارية بمركز كفر الزيات محافظة الغربية، لذلك كان هوى السودانيين يمضى معه فى مواجهة مجموعة الشباب الثائر الذين لم يتمكنوا من الاحتواء الحقيقى لشعار وحدة وادى النيل، فاستقل السودان ولا بأس فى ذلك فهذا حقه فى سيادته الوطنية، ولكن ماهى إلا شهور قليلة، وبدأ بعض الضباط يستهينون بمحمد نجيب معتبرين أن دوره كان شكليًا ويجب أن ينتهى، وأن جمال عبدالناصر هو القائد الحقيقى لتنظيم الضباط الأحرار، لذلك يجب أن يكون الحاكم الفعلى للبلاد، وبعد إعدام الشهيدين خميس والبقرى بكفر الدوار بعد حكم متعجل فى محكمة وقتية صدق على قرارها محمد نجيب نفسه كانت تلك أول صدمة للشعب الثائر فى قيادته الجديدة، ولقد حكى لى الكاتب الصحفى الراحل الكبير موسى صبرى أنه تصادف وجوده فى مكان المحاكمة فطلب منه الادعاء أن يمثل الدفاع عن المتهمين باعتباره حقوقيًا، وهو ما يعكس كما قال الأستاذ موسى صبرى لى حالة التعجل فى المحاكمة والإصرار على الحكم المبيت ردعًا لكل من يتخذ مسارًا مخالفًا عما رسمه الثوار الجدد بمنطق ذبح القطة من جانب العريس أمام العروس فى يوم زفافهما!.
ولذلك فإننى لا أزعم أن محمد نجيب كان ملاكًا بريئًا، ولكننى أدعى أنه كان قائدًا عسكريًا عفويًا يتصرف بتلقائية ودون وعى كامل بردود الأفعال من حوله، وقد اختلفت الآراء عند تحليل أزمة مارس 1954 حيث تردد أن نجيب هو الذى كان ينتصر للديمقراطية بينما يرى البعض أن التصويت بين الضباط الأحرار لم يكن فى صف نجيب ومن معه، وبرز من بينهم أسماء ضباط مختلفين نتذكر منهم خالد محيى الدين ويوسف صديق خصوصًا أن الضباط الأحرار كانوا قادمين من ولاءات مختلفة، فضلاً عن حماس الشباب الذى برز فى بعض مواقف جمال سالم على الساحة السياسية، وتصرفات صلاح سالم عندما كان مبعوث الثورة للسودان محاولاً الحفاظ على وحدة تراب وادى النيل، ولا أستطيع أن أزعم أن شباب الضباط الأحرار كانوا متعاطفين مع نجيب فقد برزت شخصية جمال عبدالناصر القوية وتحالفه مع صديق عمره عبدالحكيم عامر وغيرهما ممن مضوا على نفس الطريق مما يشير بوضوح إلى أن القائد الحقيقى للثورة يجب أن يكون وحده على المسرح وهو جمال عبدالناصر. بل إننى سمعت قصة تروى عن زيارة اللواء نجيب ومعه مجموعة من الضباط الأحرار إلى المملكة العربية السعودية وفق تقليد يقوم به الحكام الجدد لمصر للتبرك بالأرض المقدسة وأداء العمرة تيمنًا وتبركًا، ولقد قيل حينها إن الملك عبدالعزيز رحمه الله قال لأبنائه، وهو على فراش الموت، إن الذين حضروا للقائه ليس من بينهم القائد الحقيقى للثورة، فدهش الأبناء وقالوا: إن محمد نجيب هو رئيس الوفد وحاكم الديار المصرية، فأجابهم الملك الحصيف وسط معاناة مرضه الشديد أنه لاحظ أنهم لا يقطعون أمرًا ولا يعطون رأيًا نهائيًا بما يعنى أن هناك قوى محركة فى القاهرة هى صاحبة القرار الحقيقى، وليس محمد نجيب والذين معه، وكأنما كان الملك السعودى الراحل يقرأ فى كتاب مفتوح، فقد كانت تلك هى الحقيقة الواضحة وإن كانت تختفى وراء شكليات الشهور الأولى للحكم قبل أن يظهر اسم عبدالناصر بوضوح قائدًا ورئيسًا وزعيمًا، ولابد أن أسجل هنا تعاطفى مع محنة محمد نجيب وما جرى له منذ إقامته الجبرية فى فيلا بمنطقة المرج وما تعرض له من إهانات ونقله بعد ذلك إلى إحدى مدن الصعيد أثناء العدوان الثلاثى 1956 خشية أن يستخدمه الغزاة زعيمًا بديلاً بعد سنوات قليلة من الثورة، وقد تعرض الرجل لإهانات بالغة، ولكنه ظل صامدًا مؤمنًا وبقى فى منفاه لعشرات السنين إلى أن أطلق الرئيس السادات سراحه، كما استطاع الرئيس السيسى رد اعتباره حين أطلق اسمه على قاعدة عسكرية كبرى فى الساحل الشمالي... رحم الله محمد نجيب وعبدالناصر والسادات بل ومبارك أيضًا ممن حاولوا الإصلاح فنجح بعضهم وأخفق آخرون.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية