تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سفراء القرآن فى شهر رمضان
كان صوته يأتينى كل عام وقبل حلول شهر رمضان بأسابيع قليلة، كان ينتظر الرأى فى تلبية دعوة للدولة الإيرانية لكى يكون قارئ القرآن فى شهر رمضان للشعب الفارسى المسلم، وكنت أقول له يامولانا إنك تعرف الطريق وهو إخطار الأجهزة المعنية وسوف تحصل على الموافقة كما كان يحدث فى كل الأعوام الماضية، وبالفعل كان صوته يأتينى راضيًا مطمئنًا بعد عودته متحدثًا عن الحفاوة التى لقيها والتكريم الذى أحاط به، إنه قارئ القرآن الراحل أبو العينين شعيشع الذى غادر دنيانا منذ أعوام قليلة ولقد رحل عن عالمنا وهو على مشارف التسعين من العمر..
ولعل الكثيرين لا يعرفون أنه قد جرى الاستعانة بصوته المفعم بالشجن لترميم بعض الأسطوانات المسجلة لقيثارة السماء الشيخ محمد رفعت والذى كان يتلو كلام الله بمنزل زكريا مهران باشا فى صعيد مصر، ذلك لأن صوت أبو العينين شعيشع كان هو أقرب الأصوات إلى الشيخ رفعت - رحمه الله -وتعود صلتى بالشيخ أبو العينين شعيشع إلى سنوات بعيدة عندما كان يضع الطربوش على رأسه دون العمامة ويمتلك مساحة من الأرض الزراعية فى أطراف محافظة البحيرة، ولقد تعرف عليه أبى - رحمه الله - الذى كان مفتونًا بصوته الشهير وورثت عنه نفس العلاقة الوثيقة بذلك الشيخ الرائع صاحب الصوت المميز لدى الإيرانيين وغيرهم، لقد عبرت هذه الأحداث بخاطرى
ونحن نتهيأ لاستقبال الشهر المعظم، واسترجع أيضًا الصلة الطيبة التى ربطت أبى الذى كان مستمعًا شغوفًا بتلاوة القرآن وكان من معارفه القريبين صاحب الصوت الناعم محمود على البنا، وإذا كنت قد ورثت عن أبى حب الاستماع إلى القرآن الكريم فإننى فتنت منذ سنوات عمرى الباكرة بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل وأسلوبه فى القراءة وطريقته الفريدة فى الوقوف عند نهاية الآيات وأحيانًا فى منتصفها وهو يصول ويجول بين كلمات الله على نحو غير مسبوق،
وأعترف بأننى تعلقت بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد أيضًا ولياقة صوته الممتد أحيانًا بالتلاوة على نحو يدعو إلى الترقب والخشوع فى وقت واحد، كما تأثرت بطابور طويل من ملوك التلاوة بدءًا من الشيخ الحصرى مرورًا بالشيخ منصور الشامى الدمنهورى, وصولًا إلى كوكبة أخرى من أعلام التلاوة أذكر منهم الشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ عبدالرحمن الدروى والشيخ طه الفشنى،
وعندما بزغ لنا قارئ قادم من ميت عقبة بإمكانات صوتية هائلة هو الشيخ الطبلاوى كنت وقتها فى لندن أدرس للدكتوراة وأعمل فى السفارة المصرية والتقيت بصديقى الكبير الأستاذ محمود السعدنى كالمعتاد كل مساء للاستمتاع بحديثه وثقافته وعمق رؤيته وقلت له إن لدى شريطا جديدا وصل من القاهرة لمقرئ رائع اسمه الشيخ الطبلاوى، وجلسنا فى سيارتى نستمع إلى ذلك الشريط وانبهر به الأستاذ السعدنى رحمه الله ـ وقال لى إن هذا القارئ على مايبدو ظل يقرأ منذ سنوات طويلة ولكنه, حظى بالشهرة فى سن متقدمة نسبيًا،
وكان ذلك هو العهد بعدد من قراء الكتاب الكريم, خصوصًا القادمين من الريف المصرى سواء من الدلتا أو الصعيد كالشيخ المنشاوى وأولاده، إن محمود السعدنى كان مفتونًا بتلاوات القرآن المختلفة وهو صاحب عبارة قيثارة السماء عن الشيخ رفعت ـ رحمه الله ـ وله كتاب عن ملوك التلاوة يعتبر مرجعًا ممتعًا فى موضوعه،
ونحن إذ نستقبل الشهر المعظم الذى يسمى بشهر القرآن نتطلع إلى الدنيا حولنا وإلى مملكة التلاوة المصرية المعروفة إسلاميًا وعربيًا لكى أدعو إلى ضرورة أن تظل تلك الشعلة مضيئة ولا تخفت أبدًا،
وعندما كنت سفيرًا فى العاصمة النمساوية فيينا لاحظت أن العاملين فى السفارة ومكاتبها يضيعون يوم الجمعة تقريبًا بدعوى أداء الصلاة فاخترت حجرة واسعة فى المبنى الجديد وهيأتها على شكل مسجد صغير, وكان أحد الزملاء يقوم بتلاوة القرآن, بينما يقوم الآخر بتقديم الخطبة، ومن الدعابات التى لا أنساها أبدًا أنه تصادف فى أحد أيام الجمعة وصول مبعوث من الأزهر الشريف للحصول على وثيقة شخصية وقد طلب منه الزملاء فى السفارة أن يكون خطيب تلك الجمعة وإمامها من المسجد الصغير فى السفارة، وقد قال فى أذنى بعدها أحد الزملاء: (صلاة اليوم صناعة يابانى لأن خطيبها من الأزهر, بينما تكون صناعة تايوانى عندما يكون الخطيب من السفارة)، وأتذكر الآن بحنين شديد كيف كان يصطحبنى أبى رحمه الله ـ للاستماع للقرآن الكريم فى شهر رمضان من السرادق المقام أمام مبنى البلدية وكان يتلوه مقرئ شهير قادم من شرق الدلتا وهو الشيخ بدران السروى الذى لم أنس اسمه حتى الآن وكان صاحب طريقة فريدة فى التلاوة تجتمع حولها القلوب وتطرب لها الأسماع،
وأنا أريد لمدرسة التلاوة المصرية ألا تخبو أو تتراجع فهى واحدة من القوى الناعمة لبلادنا، وأتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات قد اصطحب معه فى زيارته الشهيرة للقدس المقرئ المصرى الكبير الشيخ مصطفى إسماعيل الذى قرأ القرآن فى صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى وهو أمر أصبح علامة تاريخية فى تلك البقعة المقدسة، ومازال الجيل القديم يتذكر قراء القرآن فى العصر الملكى وهم يحيون سهرات الشهر الكريم بالتلاوة فى ميدان عابدين بحضور الملك فاروق وبعض كبار المسئولين.
عاشت مملكة التلاوة المصرية أحد مظاهر القوى الناعمة المصرية وأقطابها الذين كتبوا أسماءهم بأحرف من نور فى سجل قراء القرآن الحكيم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية