تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ترامب ومصر
وصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرتين وفى الحالتين يبدو متفردًا عن نظرائه من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ جورج واشنطن وحتى الآن، فالرجل قادم من خلفية ليست سياسية، ولكنها تجارية اقتصادية تجسد شخصية رجال الأعمال على الساحة الدولية المعاصرة، فهو يقايض ولا يفاوض ويملى ولا يتفاهم، ويتصرف باعتباره الحاكم الأوحد والمرجع الأعلى، وصاحب الكلمة النافذة بين الأمم والشعوب، وقد يحقق نجاحات وقتية ويترك بصمات مرحلية، ولكنه لن يستطيع أبدًا أن يكون عنوانًا للمستقبل، وتجسيدًا لمدرسة جديدة مختلفة فى الفكر السياسى أو الأسلوب الدبلوماسى المعاصر، فالرجل القادم من قطاع الأعمال لا يمتلك رؤية بعيدة للعلاقات بين بلاده وباقى دول العالم، وهو يؤمن أحيانًا بالأرقام الصماء فلا يكاد يستطيع أن يميز بين ماهو حقيقى وماهو زائف أو حتى بين ماهو قصير المدى أو طويل الأجل، وخبرة دونالد ترامب فى منطقة الشرق الأوسط تتركز حول شهوته الجامحة فى استنزاف مواردها ومحاولاته المستمرة للسيطرة على مقدرات الغير.
ولمصر تجربة مختلفة فى العلاقة مع سيد البيت الأبيض دونالد ترامب، فالعلاقة كانت تمضى على نحوٍ معقول ومقبول فى رئاسته الأولى حتى كاد أن يجد حلاً لمعضلة السد الإثيوبى بين مصر وإثيوبيا، ولكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن فقد تمردت أديس أبابا، ووجدت من يهمس لها بالتوقف عن التسوية وفقًا للإرادة المشتركة والمضى وراء الإرادة المنفردة، بل إن العلاقة بين الرئيسين فى ولايته الأولى اتسمت بقدر كبير من التفاهم والتفاؤل، ولكن الرئيس الأمريكى القادم للبيت الأبيض فى رئاسته الثانية يحمل فى جعبته أفكارًا وأطماعًا قد لا تتسق هذه المرة مع مصالح مصر وإرادتها الحرة، وحين بدأ ترامب يعبث بخريطة التجارة العالمية وأرقام التبادل التجارى لم تكن له أطماع فى مصر إلا تلك السياسات التى يريد أن تصمت القاهرة عنها، وألا تكون طرفًا فيها، وعندما أدرك أن الاقتصاد المصرى يحاول أن يتعافى وليس لديه فائض تحصل عليه الإدارة الأمريكية الجديدة بدأ سيد البيت الأبيض فى التفكير فى قناة السويس التى حفرها الفلاح المصرى بعرقه ودمه فى القرن التاسع عشر، وخلط بينها وبين قناة بنما مع الفارق الضخم بين الحالتين، فاتفاقية القسطنطينية عام 1888 بشأن حرية الملاحة فى القناة وملكية مصر لها فضلاً عن قرار التأميم عام 1956 هى كلها مظاهر واضحة للشرعية لاتحتاج جدلا ولا تفتقد لبرهان، فالمشكلة أن ترامب يريد أن يأخذ من كل دولة ما يستطيع، وأن يأخذ منها أهم ما تملك اقتصاديًا أو استراتيجيًا، وكل ما يحصل عليه خير له ولبلاده من وجهة نظره، وبقيت القضايا السياسية العالقة بين القاهرة وواشنطن، والخلاف حول ما يسميه ترامب «صفقة القرن» التى يريد أن تقترن بها حياته ويرتبط بها تاريخه، وهى محاولة لتنظير ما سماه بالسلام الإبراهيمى.
وبالمناسبة فإن مصر لا تعارض تلك السياسات، ولكنها تنظر إليها بحذر وتتابع مسيرتها بحياد، ولذلك فإن مصر تحتل مساحة مختلفة فى ذهن الرئيس الأمريكى المختلف عن سواه فالرجل يراها من منظار المشورة الإسرائيلية له ورفض القاهرة لجريمة التهجير، وشعور واشنطن بتحريك من تل أبيب أن مصر تقف كالعقبة الكأداء أمام مخطط الدولة اليهودية الكبرى على أنقاض الأراضى الفلسطينية بعد محاولة تصفية قضية شعبها والقفز على حقوقها.
وفى ظنى أن الدور المصرى مرشح لمزيد من الاهتمام الأمريكى فى السنوات القادمة، باعتبارها دولة إفريقية عربية إسلامية ذات ثقل سكانى وحضارى فى قلب العالم، وأنه لايمكن تجاوز دورها وتجاهل مكانتها وإذا كانت ظروفها الاقتصادية قد فرضت عليها مصاعب من نوع خاص فإن ذلك لا يعنى بحال من الأحوال أنها تغيب عن الساحة أو تبتعد عن دائرة القرار، وأنا أظن أن ترامب الحليف القوى والصديق اللصيق لإسرائيل ورئيس وزرائها نيتانياهو سوف يدرك أن مصر هى التى تملك مفاتيح السلام فى الشرق الأوسط مثلما امتلكته من قبل، فالكل يدرك أنها القائدة فى الحرب والرائدة فى السلام، فالشرق الأوسط دون مصر يصبح شيئًا مختلفًا يبتعد عن روح الشرعية الدولية والسلم والأمن لهذه المنطقة الاستراتيجية المهمة من العالم حيث ملتقى إفريقيا بآسيا مع إطلالة على أوروبا، فمصر ليست أمة صغيرة يمكن نسيانها، أو دولة عابرة يجوز تجاهلها، فقيمتها معروفة، ومكانتها عالية، ومقامها محفوظ على مر الزمان.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية