تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

بَيْتٌ آيل للسقوط

عنوان هذا المقال هو جزء من عبارة قالها رفيع المقام عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق فى لقاء مشترك عندما سألته عن أحوال الجامعة العربية..

أما العبارة بأكملها فقد جاءت على النحو الآتى: إنها بيت العرب كل العرب وليس لهم من بيت سواه، ولكنه بيت آيل للسقوط. ومع ذلك فقد حاولت قمة الجزائر التى انعقدت فى الأول والثانى من نوفمبر من هذا العام منع هذا السقوط تحت عنوان قمة لم الشمل. ولغةً، مصطلح لم الشمل يعنى ايجاباً أخذه كله، ويعنى سلباً منعه من التفكك. ومعنى ذلك أن الوضع القائم فى دول الجامعة العربية يتسم بالتفكك والمطلوب من القمة استدعاء وضع قادم يكون التكامل فيه بديلاً عن التفكك. إلا أن هذا البديل لن يتحقق إلا بعد الوعى بعلامات التفكك.

ومن ثم يثار هذا السؤال: ما هى هذه العلامات؟ إنها محصورة فى ظاهرتين: الظاهرة الأولى بإبعاد سوريا من عضوية الجامعة العربية، والظاهرة الثانية القطيعة الحادة بين منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية بوجه عام وحماس والجهاد الاسلامى بوجه خاص، لأنهما ضد اتفاق أوسلو الذى تم الاتفاق فيه فى عام 1994 على أن تكون المنظمة هى السلطة الشرعية الممثلة للشعب الفلسطينى فى مقابل الاعتراف بوجود إسرائيل.

إلا أن المنظمتين حماس والجهاد الاسلامى تريدان تدمير الوجود الاسرائيلى بمعونة ايران. ومع ذلك كله فقد وقعت الفصائل الفلسطينية على ما يسمى إعلان الجزائر الخاص بتحقيق مصالحة فلسطينية بعد جدل حاد حول البند الخاص بتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية. فقد أصرت حماس على شطب ذلك البند وتم الحذف.

 

والرأى عندى أن الموافقة على الحذف يعنى إلغاء اتفاق أوسلو وهو أمر ليس فى الإمكان تحقيقه، وذلك لسبب تاريخى وهو أن أبو مازن كان المنَظر لذلك الاتفاق وله كتاب من تأليفه يحكى فيه قصة المفاوضات السرية مع اسرائيل وعنوانه الرئيسى قنوات سرية، والعنوان الفرعى الطريق إلى أوسلو، ومن نتائج هذه المفاوضات أن تكون غزة وأريحا فى قبضة المنظمة مع إعلان مبادئ ينص على التزام إسرائيل بقبول التفاوض حول قضايا حساسة ومن بينها قضية القدس، وقضية السلام، وقضية مستقبل فلسطين فى المنظمة.

وكانت قيمة أبو مازن المحورية تكمن فى أنه كان قائد المسيرة لمدة عشرين عاماً فى اتجاه مسار السلام من أجل إنهاء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى وعضوا فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس قسم العلاقات القومية والدولية منذ عام 1980، وكان من القادة الذين ابتدعوا ضرورة الحوار مع حركات السلام اليهودية فى السبعينيات من القرن الماضى. وبالرغم من قصة هذا المسار الإيجابية إلا أن ما هو سلبى لم يكن من الميسور حذفه لأنه يستند إلى ما أسميه ملكية الحقيقة المطلقة التى يتوهم صاحبها أنها لا تقبل المفاوضات أو المساومة. ولا أدل على صحة هذه العبارة فى كل مرة تتم فيه المصالحة بين الفصائل الفلسطينية فإنها سرعان ما تنهار. حدث ذلك فى اتفاق مكة فى عام 1997 وفى لقاء دمشق 2010 وفى اعلان الدوحة 2012، وفى لقاء القاهرة 2013 وفى اتفاق الشاطئ فى غزة 2014، وفى اتفاق القاهرة 2017. وبناء عليه فليس ثمة مبرر ليكون اعلان الجزائر هو المستثنى إذ سرعان ما انهار. ولا أدل على ذلك من أنه بعد توقيع الفصائل اعلان الجزائر ارتحل وفد من قادة الفصائل الفلسطينية وفى الصدارة مسئول العلاقات العربية فى حركة حماس خليل الحية وأمين عام حركة الجهاد الإسلامى زياد نخالة والأمين العام للجبهة الشعبية طلال ناجى وسفير فلسطين لدى سوريا، بالإضافة إلى خمس قيادات من فصائل فلسطينية أخرى لعقد لقاء مع الرئيس بشار الأسد بعد قطيعة دامت عشر سنوات. وكانت حماس قد قررت فى عام 2021 عقد ذلك اللقاء بعد التغيير الذى حدث فى قيادتها وأتى بقيادات الجناح المتشدد القريب من سوريا وايران. والجدير بالتنويه هنا أن كلا من سوريا وايران يقف ضد اتفاق أوسلو، وبذلك انتهى لم الشمل مرة أخرى، سواء على المستوى الفلسطينى فيما بين منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية أو على المستوى العربى الذى يرفض عودة سوريا بشار إلى الجامعة العربية مع ملاحظة أن الجامعة ذاتها عاجزة على لم ذاتها بسبب التفكك الحادث لدى اليمن ولبنان والعراق وتونس وليبيا.

وقد دعا ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان الرئيس الصينى شى جين بينج لعقد ثلاث قمم: قمة سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة عربية صينية من أجل تكوين رؤية مستقبلية مشتركة لمواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين فى سياق تدهور غربى فى غياب أية رؤية مستقبلية. وفى هذا السياق أيضا فإن روسيا جاهزة فى تبنى تلك الرؤية المشتركة بحكم تحالفها التام مع الصين.

والجدير بالتنويه هنا أن إسرائيل والدولة الموقعة على اتفاقات إبراهيم بحثت مشروعات لتدعيم التعاون الأمنى وتبادل المعلومات، كما اجتمع نحو 150 مسئولا من إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب لتعميق التكامل والأمن بين هذه الدول. وقد قيل عن هذا الاجتماع إنه الأكبر منذ مؤتمر مدريد للسلام فى عام 1991. وكل ذلك قد تم فى غياب البيت الآيل للسقوط.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية