تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
نعمة الرِّسالة.. وحقّ الرَّسول
مع إطلالة شهر ربيع الأوَّل من كلِّ عام هجريٍّ تتجدَّد أشواقُ المحبِّين وأقلام الكتَّاب والمؤلِّفين، وألسنة الخطباء والواعظين إلى الاحتفاء والاحتفال برحمة الله للعالمين، سيِّدنا محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومن باب نيل الشَّرف بالحديث عنه صلَّى الله عليه وسلَّم-، ومن باب أمانة النُّصح الواجبة على الخلق للخلق، ومن باب بيان الواجب والحقِّ أتأمَّل مكانة سيِّدنا رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- فى أمَّته، وموقف الأمَّة من بعثته، وأختصر ما حقُّه أن يكون مبسوطًا، وأوجز ما يجب أن أطنب فيه.
وفى القرآن الكريم نقرأ ثناءً عاطرًا ووصفًا جميلًا واحتفاءً كبيرًا بسيِّدنا رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-لم يقع لنبيٍّ قبله، على كثرة مَن ذكرهم القرآن. فمرَّةً يذكر الله تعالى صفاته فيقول: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا»، ومرَّةً يثنى على أخلاقه وما اجتمع فيه من كمالاتٍ فيقول: «وإنَّك لعلى خلقٍ عظيمٍ»، ومرَّةً يعلن المقصد الجامع من الرِّسالة والرَّسول فيقول: «وما أرسلناك إلَّا رحمة للعالمين» إلى غير ذلك من آياتٍ.
غير أنَّ قول الله سبحانه وتعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ» ممَّا يسترعى النَّظر والتَّأمُّل الدَّقيق!.
فى بداية هذه الآية يؤكِّد ربُّ العالمين –سبحانه وتعالى- أنَّ رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- هو النِّعمة الحقيقيَّة الَّتى يجب أن تشكر، واستعمل لبيان هذا المعنى لام القسم وحرف قد الَّذى يفيد التَّحقيق وقال: «مَنَّ» ولم يقل: «أنعم» لأنَّ المنَّة غالبًا ما تكون مع النِّعمة العظيمة.
وتكشف الآية عن المهمَّة الَّتى أرسل بها هذا النَّبيُّ الكريم فهو «يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ» ويعلِّمهم الحرام والحلال، والممنوع والمباح، والجائز وغير الجائز، ويتجاوز التَّعليم النَّظريِّ، وينفذ إلى ما هو أعمق من ذلك فهو «يُزَكِّيهِمْ» يزكِّى أخلاقهم، ويربِّى أرواحهم، ويرقِّى أحوالهم، ويهذِّب طبائعهم، ويوجِّه مشاعرهم وأحاسيسهم، وهو أيضًا «يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» تعليم يقينٍ واستقرارٍ؛ حتَّى لا يكونوا كمن يسمع القول ولا يتَّبع أحسنه.
وإذا كان القرآن قد أعلن أنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم - نعمةٌ عظيمةٌ ومنَّةٌ كبرى على الأمَّة، فإنَّ النِّعمة يجب أن تُشكر، وشكر نعمة الرَّسول والرِّسالة أن نُحسن استقبالها بالإيمان.
وربَّما يعجب بعض النَّاس حين نقول: إنَّنا يجب أن نُحقِّق الإيمان به –صلَّى الله عليه وسلَّم- شكرًا لله على نعمة إرساله فينا!. وعند الثَّناء على شيءٍ جميلٍ نصلِّى عليه- صلَّى الله عليه وسلَّم- وكأنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- رمز الجمال. وعند عقد الصَّفقات تراهم يصلُّون على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكأنَّ الصَّلاة عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مجلبةٌ للبركة. وعند الفصل فى خصومةٍ نصلِّى على الَّنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكأنَّ الصَّلاة عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- سبب سكينة الرُّوح. وهذا حسنٌ وطيِّبٌ، ولكنِّى لا أتكلَّم هنا عن الإيمان الَّذى يعرف النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالصَّلاة عليه عند فضِّ خصومةٍ أو إتمام صفقةٍ أو غير هذا من المواقف العارضة، وإنَّما أتكلم عن الإيمان بالنَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسَّلم- ذلك الإيمان الَّذى يقود القلب والفكر والشُّعور والسُّلوك جميعًا.
وبهذا نفهم قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسَّلم-: «لا يؤمن أحدكم حتَّى يكون هواه تبعًا لما جئت به» والمعنى: أنَّ من تمام الإيمان أن تكون المشاعر والأحاسيس تابعةً لما جاء به رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- من وحيٍ معصومٍ. فأين يكون النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسَّلم- عند الكذب فى المعاملة، والغشِّ فى التِّجارة وأكل الحقوق؟ وأين تكون الصَّلاة عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند أكل المال العام واستغلال المناصب وخيانة الأمانات؟ وأين تكون الصَّلاة عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقلوبنا فيها ما فيها تجاه جيراننا وزملائنا والنَّاس من حولنا؟ إنَّنا نريد إيمانًا به –صلَّى الله عليه وسلَّم- يوجِّه الألسنة للثَّناء عليه، وعرض دعوته ورسالته، ويوجِّه القلوب إلى الشَّوق إليه ومحبَّته، ويرشد الجوارح للاقتداء به واتِّباعه؛ حتَّى يملأ الإيمان به جنبات الحياة.
وإنَّ الاحتفال بهذه الذِّكرى تربيةٌ وتزكيةٌ واجبةٌ فى ظلِّ ما ركنت إليه النُّفوس من مادِّيَّةٍ جافَّةٍ حجبت الإنسان عن منبع الخير والنُّور. هذا هو شكر نعمة الرِّسالة والاعتراف بحقِّ ومكانة الرَّسول.
> مجمع البحوث الإسلامية
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية