تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
كيف تصنع الجامعات خريجا يلائم اقتصاد المستقبل؟
فى الآونة الأخيرة ومع التقدم الرهيب فى عالم الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات أصبحت أولويات سوق العمل مغايرة تماما سواء من حيث مواصفات الخريج الجامعى أو نوعية المقررات الجامعية التى يتلقاها، حتى صار شبابنا فى مختلف مراحلهم الدراسية يسألون: أى التخصصات نختار حتى يمكننا أن نجد وظائف تناسب عالم المستقبل؟ وما دور الجامعات فى إعداد وتأهيل الطلاب لهذه التخصصات؟.
فدول العالم تشهد تغيرًا جذريًا فى جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب ما أنتجته الثورات الصناعية الرابعة والخامسة من ابتكارات فى مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد. هذا التغيير أدى إلى إحداث تحويل جذرى فى مفهوم التخصصات المطلوبة لسوق العمل فى المستقبل، حيث تشير الدراسات الحديثة أن ملايين الوظائف الحالية ستختفى وسيحل محلها وظائف أخرى مرتبطة بابتكارات الثورات الصناعية الحديثة.فكما يتوقع الخبراء أن أهم وظائف المستقبل ستكون مرتبطة بشكل أو آخر بمفهوم الاستدامة ومهارات صنع وإدارة التكنولوجيا الحديثة.
ويشار دائما إلى أن أهم التخصصات المرتبطة بوظائف المستقبل هى تخصصات الطاقة البديلة والمتجددة، الروبوتات، الذكاء الاصطناعى، علوم البيانات الضخمة، إنترنت الأشياء، أمن الشبكات الإلكترونية، والتعليم الإلكتروني. وتتطلب هذه التخصصات اكتساب مهارات الإبداع والتفكير النقدى وحل المشكلات والتعامل مع الشبكات السحابية ومهارات العلوم والرياضيات وتحليل البيانات والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
هذا التغيير الجذرى فى طبيعة سوق العمل المستقبلى يفرض على الدولة المصرية وجامعاتها تحديات كبيرة يجب أن تواجهها، فلا معنى لاستمرار سياسات تنسيق تؤدى إلى إلحاق أكثر من 70% من الطلاب بتخصصات ستعدم الحاجة إلى خريجيها فى سوق العمل فى المستقبل القريب، ومعظمها فى تخصصات الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. فيجب أن يعاد النظر فى نسب الالتحاق الحالية بالجامعات فى التخصصات المختلفة، وعدم إنشاء أى كليات أو أقسام جديدة إلا إذا كانت مرتبطة بتخصصات سوق العمل المستقبلي.
كما ان هذا التغيير الجذرى يتطلب أيضا تطوير الجامعات طبقا لمعالم الثورة الصناعية الرابعة والخامسة. وتحاول الدول النامية فى شتى أنحاء العالم اللحاق بالدول المتقدمة فى استخدام التقنيات الحديثة بغرض إحداث نقلة نوعية فى جودة حياة المواطنين على أراضيها والاستعداد لمتطلبات سوق العمل المستقبلي.
وقد شهد العقد الأخير من القرن الحالى اعتمادًا متزايدًا على المعرفة والتقنيات الرقمية بدلاً من الوسائل العادية فى إنشاء المدن الجديدة والجامعات، حيث ظهرت العديد من الجامعات التى تعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعى والتى يطلق عليها الجامعات الذكية.
وتعرف الجامعة الذكية بأنها جامعة ذات بنى تحتية معتمدة على التقنيات التكنولوجية والرقمية فى إدارة كل أنظمتها بهدف جعل العملية التعليمية أكثر حيوية وفعالية، حيث تستطيع هذه الجامعات توفير بيئة تعليمية ثرية وتفاعلية، تعمل على تمكين المنتسبين لها وتشجيعهم على التفاعل والتعاون، وعلى زيادة المشاركة والتواصل بين الطلاب والأساتذة فى الإطار الذى يجعلهم مشاركين ومسئولين فى تطوير ورفع مستوى العملية التعليمية، وتسهم بذلك فى إعداد كوادر مؤهلة لوظائف المستقبل خصوصا فى التخصصات المشار إليها عاليا.
وهناك عدد من المقومات الأساسية التى ترتكز عليها الجامعات الذكية وهى وجود بنى تحتية مادية وتكنولوجية وبرمجية مؤهلة للتقنيات التكنولوجية والرقمية الحديثة. كما تتميز بوجود رأس مال بشرى كفء ومدرب وخطط واستراتيجيات وأهداف تعليمية مناسبة للتعليم الذكى.
ومنذ 2014 هناك اهتمام كبير من الدولة المصرية فى تحويل جامعاتنا إلى جامعات ذكية، وقد خطت معظم الجامعات المصرية خلال السنوات الأخيرة خطوات جادة ومهمة تجاه التحول لجامعات ذكية، فقامت بتفعيل منظومة الدفع الالكترونى فى كل معاملاتها المالية، واعتمدت فى فترة جائحة كورونا على منصات التعليم الإلكترونى مثل منصة بلاكبورد العالمية، ووفرت العديد من الجامعات سبورات ذكية وشاشات عرض وكاميرات للمراقبة وغيرها من التقنيات اللازمة نحو الاستعداد للتحول إلى جامعات ذكية. وفى عام 2021 كانت هناك دراسة لتقييم مستوى التعليم الذكى فى عدة جامعات مصرية، وقد أظهرت أن هناك عدة نقاط قوة للجامعات المصرية فيما يخص الاستعداد للتحول للتعليم الذكى، إلا أن هناك أيضا عدة تحديات يجب معالجتها للمضى قدما فى تحقيق أهداف الجامعة الذكية.
وهذا يصب فى اتجاه رقمنة العمليات الجامعية وليس تطوير المقررات التعليمية لتكون أقرب لوظائف المستقبل أو إنشاء تخصصات جديدة وأكثر استجابة للمعارف المطلوبة فى عالمنا الحالى الفائق السرعة والذكاء. كما أن معظم الأبنية التعليمية للجامعات تحتاج إلى إعادة الاستثمار فى تحسين البنية التحتية المتعلقة بذكاء الحرم الجامعى حيث لم تتم مراعاة متطلبات التعليم الذكى فى البناء الأصلى العتيق لهذه الجامعات. كما أن الجامعات تعانى قلة عدد موظفى تكنولوجیا المعلومات المؤهلين لتنفيذ رؤية الجامعات الذكية، بالإضافة لقلة الكادر الجامعى المهتم بقضايا التحول نحو معارف المستقبل ووظائفه.
لذا يجب أن تعمل الجامعات المصرية خلال الفترة القادمة على معالجة هذه التحديات لكى تتحول إلى جامعات ذكية تسهم فى إعداد خريجين قادرين على استيفاء متطلبات سوق العمل المستقبلي. فمتطلبات البقاء للأمم والمجتمعات لم تعد مجرد استيفاء الحاجات المادية للبقاء كالغذاء والسكن، ولكن البقاء فى أصله هو القدرة على التأقلم مع متطلبات عالمك.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية