تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فيتنام والسر المعلن للتقدم
فى الأسابيع الأخيرة، ونحن نناقش قضايا الإصلاح والتقدم فى مصر، ونشهد حوارات إيجابية مع رجالات الأعمال والصناعة للحديث عن تحديات وآفاق الاقتصاد المصرى، أصدر البنك الدولى (فى نوفمبر 2024) تقريرا مهما يتحدث عن تجربة النمو والتقدم فى إحدى الدول الآسيوية الصاعدة، وهى فيتنام. قراءة التقرير تؤكد لنا أن وصفة التقدم والنجاح معروفة، وتم تجربتها فى العديد من دول العالم، وليست سرا او اختراعا جديدا. فدولة فيتنام، التى مازال يطلق عليها رسمياً «جمهورية فيتنام الاشتراكية» تخلت منذ عام 1986 عن السياسات الثورية والاشتراكية والتخطيط المركزى، وتبنت سياسات اقتصادية تقوم على آليات السوق، وتحرير التجارة، وتشجيع الاستثمار الخاص. تقرير البنك الدولى يحمل عنوان «فيتنام 2045: التجارة فى عالم متغير، مسارات نحو مستقبل ذى دخل مرتفع». التقرير يستكشف كيف يمكن لفيتنام رفع مستوى مشاركتها فى سلاسل القيمة العالمية لتصبح دولة ذات دخل مرتفع بحلول عام 2045 (فيتنام تصنف الآن كدولة ذات دخل متوسط). ويؤكد التقرير أن الاندماج فى الأسواق العالمية من خلال التصدير كان المحرك الرئيسى لنجاح التنمية فى فيتنام على مدى السنوات الأربعين الماضية، مما أدى إلى واحدة من أطول وأسرع التوسعات الاقتصادية فى التاريخ الحديث. حيث أصبحت فيتنام اليوم واحدة من أكثر الاقتصادات انفتاحا فى العالم، ويعتمد ما يقرب من نصف الناتج المحلى الإجمالى للبلاد وواحدة من كل اثنتين من الوظائف، بشكل مباشر وغير مباشر على الصادرات. وتضاعفت دخول الأسر ستة أضعاف خلال أربعين عاما الماضيةً، الأمر الذى أدى إلى القضاء على الفقر المدقع تقريباً. وبناءً على نجاحها الماضى، حددت فيتنام أهدافًا طموحة للمستقبل، بهدف أن تصبح اقتصادًا حديثًا مرتفع الدخل بحلول عام 2045، وهذا يتطلب الحفاظ على نمو سنوى فى الناتج المحلى الإجمالى بنحو 6% على مدى العقدين المقبلين. ويشير التقرير إلى أن تحقيق فيتنام هذا الهدف يمكن أن يتحقق من خلال التقدم فى التصنيع والخدمات ذات القيمة المضافة الأعلى، والانتقال من التجميع النهائى الذى يعتمد على العمالة المكثفة والقيمة المضافة المنخفضة إلى التصنيع والخدمات ذات القيمة المضافة الأعلى. وستحتاج فيتنام إلى إدارة هذا التحول وسط حالة عدم اليقين العالمية المتزايدة والتحولات العميقة فى النظام التجارى العالمى. ويقترح البنك الدولى عددا من السياسات لتحقيق هذه الأهداف منها تعميق التكامل التجارى الإقليمى؛ وربط الشركات المحلية بسلاسل التوريد العالمية؛ وتعزيز التصنيع المكثف بالمهارات والتكنولوجيا والخدمات ذات القيمة المضافة العالية. ويشير التقرير إلى أن الاستثمار فى قوة عاملة أكثر مهارة، خاصة فى الهندسة والرياضيات وغيرها من مجالات العلوم والتكنولوجيا، أمر بالغ الأهمية لدفع الإنتاج إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى. النقاش المصاحب لتقرير البنك الدولى يشير إلى ثلاثة توجهات أساسية كانت وراء الصعود الاقتصادى لفيتنام. الأول هو تبنى فيتنام بحماس تحرير التجارة، حيث وقعت العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول الآسيوية والغربية (أكثر من 70 اتفاقية تجارية ثنائية). بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة لرابطة دول جنوب شرق آسيا. وفى عام 2000 أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وتحولت فيتنام إلى مركز تصنيع على مدى العقود الثلاثة الماضية، وجذبت شركات أجنبية كبيرة مثل إنتل وسامسونج وأديداس ونايكى لأن يكون لها مصانع بفيتنام، ورسخت مكانتها كمصدر للمنسوجات والسلع الإلكترونية والأحذية، والعديد من السلع الأخرى. وتشير التقارير إلى قيام شركة «إنتل» الأمريكية باستثمارات ضخمة لإنشاء مصنع لشرائح الكمبيوتر فى فيتنام، وأصبح 80% مما تصدره إنتل من هذه الشرائح للعالم ينتج فى مصنعها فى فيتنام، وقامت شركة مايكروسوفت وجوجل، وفيس بوك، وتويتر بتكثيف استثماراتها فى فيتنام. وأصبحت فيتنام موقع تصنيع رئيسى لشركة أبل، حيث استثمرت أكثر من 15 مليار دولار فى البلاد فى السنوات الخمس الماضية. ولا يقتصر الأمر على الشركات الأمريكية والغربية فقط حيث، قامت الصين وفيتنام بتوقيع «شراكة استراتيجية شاملة» فى عام 2008، وقامت أكثر من ثلاثمائة شركة تصنيع صينية بتأسيس مصانع لها فى فيتنام. وبلغ استثمارات الشركات الصينية فى فيتنام عام 2023 ما يقرب من خمسة مليارات دولار أمريكى فى مجالات التكنولوجيا الفائقة والكهرباء والإلكترونيات وتطوير البنية الأساسية، والطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، وغيرها. وقد استكملت فيتنام هذا التحرير الخارجى بالتوجه الثانى وهو الإصلاحات الداخلية مثل إلغاء القيود البيروقراطية، وخفض تكاليف الأعمال وإنفاذ العقود، وتحسين الوصول إلى الائتمان والكهرباء، ودفع الضرائب. وقد انعكس ذلك فى ارتفاع ترتيب فيتنام فى العديد من المؤشرات العالمية، مثل مؤشر ممارسة الأعمال، ومؤشر التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمى، ومؤشر الابتكار العالمى وغيرها. أما التوجه الثالث فهو قيام فيتنام باستثمارات ضخمة فى رأس المال البشرى والاجتماعى، مما أدى إلى تطوير قوة عاملة ماهرة، وتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية، وارتفع مؤشر التنمية البشرية لفيتنام بدرجة كبيرة، وانضمت إلى مجموعة البلدان ذات الدرجة العالية من التنمية البشرية. ويضيف بعض المحللين أسبابا أخرى لوصفة النجاج الفيتنامية تتضمن الحفاظ على الاستقرار السياسى رغم التغييرات فى القيادات الكبيرة بالبلاد مما يساعد فى تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب، إلى جانب مكافحة الفساد. بالإضافة إلى تبنى دبلوماسية تقوم على التعددية وتنوع العلاقات الخارجية، وتطوير عشرات الشراكات الاستراتيجية الشاملة مع دول رئيسية. باختصار، تؤكد التجربة الفيتنامية أن النجاح والتقدم أصبحت قواعدهما معروفة، وليست سرا خافيا، او تحتاج إعادة لاختراع العجلة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية