تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. محمد كمال > أمريكا تغيرت وكذلك الخليج

أمريكا تغيرت وكذلك الخليج

زيارة الرئيس ترامب الأولى خارج بلاده يجب وضعها فى سياقها الصحيح، وهو أنها زيارة لمنطقة الخليج وليس منطقة الشرق الأوسط ككل. وأن هذه الزيارة تمثل عودة الولايات المتحدة للخليج، وعودة الخليج للولايات المتحدة، ولكن فى إطار معطيات وأهداف جديدة.

فالخليج كان دائما له وضعيته المختلفة فى السياسة الامريكية. ونتذكر أن أحد الاهداف الكبرى لهذه السياسة فى الشرق الأوسط، والذى احتل المكانة الثانية فى الأهمية بعد الحفاظ على أمن إسرائيل، كان الهدف المتعلق بالحفاظ على صادرات البترول من المنطقة وبأسعار معقولة، وهو هدف يتعلق بالأساس بمنطقة الخليج. ونتذكر أيضا أن أحد المبادئ الشهيرة فى السياسة الخارجية الأمريكية ارتبط بالخليج، وهو مبدأ كارتر الصادر عام 1980، والذى تم إعلانه بعد الغزو السوفيتى لأفغانستان، ونص على أن الولايات المتحدة سوف تعتبر أى محاولة من قبل أى قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداء على المصالح الحيوية لها، وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأى وسيلة ضرورية، بما فى ذلك القوة العسكرية.

واستمرت العلاقة وثيقة بين الخليج والولايات المتحدة لعقود طويلة، وترسخت الشراكة بينهما بعد غزو العراق للكويت، وقيام الولايات المتحدة بقيادة الجهد الدولى لتحرير الكويت.

ولكن اهتزت العلاقة بين الطرفين فى 2011، فى أحداث ماعرف بالربيع العربي، الذى امتد للخليج فى إطار الاحداث التى شهدتها البحرين وتصدت لها دول مجلس التعاون الخليجي، والتى هزت الثقة فى مصداقية الولايات المتحدة كحليف يقف مع اصدقائه. كما تعمقت فجوة عدم الثقة بالإعلان الامريكى عن تخفيف الالتزام بمنطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، و«التوجه نحو آسيا» إما لمواجهة التنين الصينى أو الاستفادة من الفرص الاقتصادية فى القارة الصاعدة.

الخليج من ناحيته سعى لتنويع شراكاته الاستراتيجية والتوجه شرقا بالانفتاح على الصين وروسيا.

زيارة ترامب للخليج تمثل عودة أمريكية لمنطقة الخليج، ولكنها عودة وفقا لمبادئ مختلفة، اتضحت فى الخطاب الذى ألقاه ترامب فى مؤتمر الاستثمار السعودى الامريكى بالرياض، والذى طرح فيه ما سماه البعض «عقيدة ترامب»، التى تقوم على مفاهيم الصفقة، والواقعية والابتعاد عن الأيديولوجيا.

ترامب انتقد صراحة أفكار المحافظين الجدد (جورج بوش الابن وفريقه) التى قامت على تغيير النظم وإعادة بناء الأمم، واعتبر أن هذه الأفكار فشلت بشكل كبير، وأنها حققت الدمار بدلا من البناء، وأن البناء الحقيقى الذى حدث تم على يد أبناء المنطقة ووفقا لتصوراتهم الوطنية.

ترامب انتقد أيضا أنصار الليبرالية الأمريكية (أوباما وبايدن) الذين تبنوا أفكارا أيديولوجية تجاه المنطقة، واعطوا أولوية للقيم على المصالح.

حيث ذكر ترامب «هذا التحول العظيم (الذى تشهده المنطقة) لم يأتِ من خلال تدخل الغربيين ... الذين يلقون عليكم المحاضرات حول كيفية العيش أو كيفية إدارة شئونكم. لا، لم تكن معالم الرياض وأبو ظبى اللامعة من صنع ما يسمى «بناة الدول» أو «المحافظين الجدد» أو «المنظمات غير الربحية الليبرالية»، مثل أولئك الذين أنفقوا تريليونات وفشلوا فى تطوير كابول وبغداد والعديد من المدن الأخري. بل إن ولادة الشرق الأوسط الحديث قد تحققت على يد أبناء المنطقة أنفسهم ... حيث طوروا دولهم ذات السيادة، وسعوا وراء رؤاهم الفريدة، ورسموا مصائرهم بأيديهم»

إذن لدينا أمريكا تعود للخليج وفقا لعقيدة مختلفة تقوم على الواقعية والصفقات الاقتصادية والابتعاد عن الأيديولوجيا والترويج للقيم.

الخليج يعود للولايات المتحدة بشكل مختلف أيضا، فهو يعود كشريك فى الاستثمار فى التكنولوجيا المتقدمة، وليس فى تجارة البترول او مجرد صفقات السلاح. وهو ماوصفه ترامب بقوله إن قادة الخليج «يصنعون مستقبلاً يُعرّف الشرق الأوسط بالتجارة، لا الفوضي؛ وبتصدير التكنولوجيا، لا الإرهاب».

العديد من الصحف الامريكية علقت على الاتفاقيات الضخمة التى أعلنها ترامب بين شركات أمريكية وأخرى خليجية فى مجالات مثل الذكاء الاصطناعى وصناعة الرقائق وأشباه الموصلات، وتعدين المعادن النادرة، ومراكز البيانات الضخمة والطاقة الجديدة، والتى ستقام بالخليج.

بالإضافة إلى استثمارات بقيمة مليارات الدولارات التى تدفقت بالفعل من دول الخليج نحو شركات الذكاء الاصطناعى الأمريكية. وضمّت قائمة صناع التكنولوجيا الذين انضموا إلى ترامب فى زيارته للخليج، الرئيس التنفيذى لشركة إنفيديا جنسن هوانغ، وإيلون ماسك، والرئيس التنفيذى لشركة أوبن إى أى سام ألتمان، والرئيس التنفيذى لشركة أمازون آندى جاسي.

وقد وضعت إدارة الرئيس السابق بايدن العديد من القيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى دول الخليج، وقام الرئيس ترامب برفع هذه القيود، وساندته فى ذلك شركات التكنولوجيا الامريكية التى تبحث عن تمويل وشركات خارج الولايات المتحدة، واضطروا إلى البحث نظرًا للتكلفة العالية والاستهلاك الكثيف للطاقة فى إنتاج الذكاء الاصطناعي، وقد ذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية ان الصفقات الجديدة التى أبرمتها إدارة ترامب «تُظهر أن الأجواء قد تغيرت من تكامل متردد مع دول الخليج إلى تبنٍ كامل لدورها كممولين وشركاء فى ثورة الذكاء الاصطناعي». وأنه إذا لم تجد الولايات المتحدة سبيلًا لتمكين دول المنطقة من الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، فإن الأجهزة الصينية ستهيمن هناك. واستشهدت الصحيفة بتعليق سام وينتر ليفي، الخبير فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى والمتخصص فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الذى ذكر «هذه الرحلة تبرز ظهور الخليج كأحد أكبر اللاعبين فى سباق الذكاء الاصطناعي».

باختصار نحن أمام عودة أمريكية للخليج، وعودة خليجية للولايات المتحدة، ولكن فى إطار شراكة ذات مضمون جديد، ومختلف عما عهدناه فى العقود الماضية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية