تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التعامل مع ترامب

من الصعب وضع دليل لكيفية التعامل مع ترامب، فالرجل لايؤمن بأيديولوجية معينة يمكن الرجوع إليها لتحديد ملامح تفكيره، وعلى الرغم من أنه فاز كمرشح للحزب الجمهوري، الذى يمثل التيار المحافظ فى الولايات المتحدة، فإنه خرج على الكثير من الأفكار التقليدية التى عبر عنها هذا التيار. وبالتالي، فإن فهم ترامب يرتبط بعوامل أخري، منها السياق السياسى الذى يعمل فى إطاره الآن، وخلفيته المهنية، وخصائصه الشخصية.

ونقطة البداية هى ضرورة إدراك أن ما حدث فى 20 يناير الماضى (يوم تنصيب الرئيس الجديد ترامب) لم يكن مجرد عملية «انتقال سلمى للسلطة» من رئيس إلى آخر وفقا للتقاليد الدستورية والمؤسسية الأمريكية. بل يمكن وصفه بأنه كان أشبه بعملية «تغيير نظام» وهو التعبير الذى طالما استخدمه الساسة والمحللون الأمريكيون لوصف عمليات التحول الجوهرى فى النظم السياسية فى دول أخرى (خاصة الشرق الأوسط)، أى التحول الهيكلي، والانتقال من نظام إلى نظام آخر، وليس مجرد انتخاب شخص جديد، بأفكار مختلفة، ونقل السلطة له.

تغيير النظام فى هذا السياق الأمريكى الجديد، يقصد به أن الأسس التى عهدناها فى فهم خصائص النظام السياسى للولايات المتحدة والتعامل معه، مثل الفصل بين السلطات، ودولة المؤسسات، والرقابة والتوازن بين المؤسسات، لن تكون قائمة فى العهد الجديد لترامب، فالسلطات كلها فى يده، والمؤسسات التنفيذية تحت إمرته، وقام بتعيين قيادات على رأس هذه المؤسسات هدفهم إضعاف تقاليد هذه المؤسسات، وتصفية ما يسمى بـ «الدولة العميقة» داخل هذه الأجهزة الحكومية.

اما المؤسسة التشريعية التى من المفترض أن تقوم بالتوازن والرقابة، فقد تجاهلها تماما، وأصدر العديد من السياسات من خلال قرارات تنفيذية وليس تشريعات، فالغالبية فى الكونجرس لحزبه (الجمهوري)، وهذه الأغلبية تدين له بالولاء المطلق، وتعتقد أن مستقبلها السياسى مرتبط برضائه. وسوف تستمر هذه المعادلة السياسية عامين على الأقل، حتى موعد التجديد النصفى لانتخابات الكونجرس فى نوفمبر 2026. إذن لدينا رئيس بسلطات «إمبراطورية» ولديه قدرة كبيرة على المكافأة والعقاب باستخدام أدوات الحكم.

الرئيس ترامب بعد فوزه بالأغلبية الشعبية وأغلبية المجمع الانتخابي، ونجاحه رغم المحاولات المختلفة لمحاكمته، بالإضافة إلى نجاته من محاولة اغتيال، وصل إلى درجة عالية من الزهو بالنفس وغرور القوة، تجعل من الصعب عليه تفهم وجهة نظر مخالفة له، وفى الوقت نفسه يطرب كثيرا للإطراء والثناء.

التعامل مع ترامب يتطلب أيضا فهم خصائصه الشخصية المرتبطة بخلفيته المهنية قبل انتخابه رئيسا، ومنها خلفيته كرجل أعمال يتعامل وفقا للصفقات، و«مطور عقاري» يعتقد أن بعض المشاكل خاصة النزاعات حول الأراضى يمكن أن يكون لها حل عقاري، وهو أيضا شخصية تليفزيونية أحد أهدافها هو جذب الانتباه، ويرى أن الانتباه «قوة» لها فاعلية آكبر من المال، وأن التصريحات والمواقف المثيرة للجدل، حتى لو كان بعضها سلبيا أو لن يتحقق، لكنها فى النهاية تخدم هدف السيطرة على حيز الانتباه، وحرمان الخصوم منه. ومعظم رجال الأعمال الذين جذبهم لصفه هم من يملكون أدوات جذب الانتباه، خاصة الالكترونية مثل منصات تويتر/ إكس، أو الفيس بوك وأنستجرام وغيرها. ترامب لديه أيضا فواتير انتخابية عليه سدادها لقاعدته الانتخابية، ومنها تلك المؤيدة بشدة لإسرائيل. وهو فى النهاية يعلم انه لن يستطيع تنفيذ وعوده الانتخابية بالكامل، والواقع يفرض قيوده، ولكنه يسعى على الأقل ان يكون إنجازه أكبر ممن سبقه من رؤساء ديمقراطيين، سواء بشكل مطلق، أو فى كل قضية على حدة، بما فى ذلك ملف الشرق الأوسط بشكل عام، او ملفات مثل إيران، والسلام العربى الإسرائيلي. هذه الخصائص تفرض علينا التعامل بهدوء وحكمة مع ترامب، وفى الوقت نفسه القيام بالمهام الثلاث التالية:

أولا: التفكير دائما وطرح بدائل عملية قابلة للتنفيذ ردا على أفكاره التى قد نختلف معها، أو نرى صعوبة فى تحقيقها على أرض الواقع. والتعامل مع الأمر كله بدبلوماسية وكياسة.

ثانيا: التفكير فى التحديات التى قد نتعرض لها نتيجة تطبيق بعض سياسات إدارة ترامب، وبعضها يطبق على كل دول العالم، مثل قراره إيقاف المساعدات التى تقدمها وكالة المعونة الأمريكية (رغم أن حجمها محدود جدا فى مصر) أو فرض رسوم جمركية على الصادرات، او العلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية التى تتمتع الولايات المتحدة فيها بنفوذ كبير، أو أى شكل آخر من أشكال التصعيد المتوقع. وبالتالى من المهم وضع سيناريوهات للتعامل مع إمكان حدوثها وتوفير البدائل.

ثالثا: التفكير أيضا فى الفرص المتاحة، على سبيل المثال لو تم التوافق على أفكار مصرية لإعادة إعمار غزة، فإن ذلك يمكن أن يتيح فرصا واعدة لقطاع التشييد والبناء المصري، كما أن شخصية ترامب القائمة على مفهوم الصفقات، يجب أن تجعلنا حريصين على الحصول على مكاسب فى أى اتفاق، والجانب الأمريكى يتوقع ذلك من الطرف المقابل، وبالتالى من المهم أن تكون لدينا أفكار مسبقة و محددة حول كيفية تطوير العلاقات المصرية الأمريكية فى المجالات المختلفة، وبما يخدم عملية التنمية بمعناها الواسع فى مصر، وهناك العديد من الدول مثل الهند وفيتنام التى تمثل نموذجا غير تقليدى فى تطوير العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة. باختصار، التعامل مع إدارة ترامب لا يعنى التخلى عن المبادئ او الثوابت، ولكن يتطلب قدرا من الهدوء والحكمة، والنفس الطويل، والحوار المستمر، وتقديم البدائل، والاستعداد للمخاطر، وتعظيم المكاسب من الفرص المتاحة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية