تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مؤسسة الأهرام تبدأ عامها المائة والخمسين
بدأت مؤسسة الأهرام العريقة فى السابع والعشرين من ديسمبر الماضى عامها المائة والخمسين.
قرن ونصف من الصحافة والثقافة والأدب والرأى والتحليل والتوثيق.. إلخ. تلك فقط بعض جوانب رحلة حياة مؤسسة عريقة، هى جزء من تاريخ هذا الوطن العظيم.
حتى الإعلان الذى مثل أحد مكونات هذه المسيرة الطويلة، فإنه مثل فى أحد جوانبه أيضا توثيقا لخرائط العائلات داخل الأمة المصرية.
التأريخ لهذا النوع من المؤسسات الضخمة يحتاج إلى جهود متكاملة من جانب المتخصصين فى عدد من الفروع المعرفية؛ من أساتذة الصحافة، والتاريخ، والاجتماع، والتاريخ الاجتماعي، والاجتماع السياسي، وغيرها؛ فهو جهد يتجاوز مسألة التوثيق، ليشمل فهم علاقات التأثير والتأثر بين هذه المؤسسات والنخب الثقافية التى ارتبطت بها من ناحية، والأبنية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة التى مرت بها حياة هذه المؤسسات، من ناحية أخرى.
وليس أصدق من وصف طه حسين جريدة الأهرام بقوله: «هى صحيفة تحمل على ظهرها تاريخا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا محليا ودوليا». العديد من الرموز الفكرية الكبيرة سجلوا بأقلامهم تاريخ الأهرام، مثل طه حسين، ومنصور فهمي، ولطفى السيد، ولويس عوض، ومحمد فتحى زغلول، بالإضافة إلى محمد حسنين هيكل نفسه، لكن ذلك ليس كافيا بعد مرور قرن ونصف.
وحتى يتم إنجاز هذا الجهد البحثى الضخم والمهم، هناك عدد من الحقائق الأولية التى يجب تسجيلها فى الأيام الأولى من العام المتمم للقرن ونصف القرن الأول من حياة هذه المؤسسة العظيمة.
الحقيقة الأولى تتعلق بالعلاقة القوية بين تأسيس الأهرام ونشأة الصحافة فى مصر، فإذا كان يمكن التأريخ لبدء الصحافة المطبوعة فى مصر بصدور العدد الأول من صحيفة «الوقائع المصرية» فى الثالث من ديسمبر 1828، أى قبل تأسيس الأهرام بنحو سبعة وأربعين عاما، فإنه لا يمكن كذلك فصل تأسيس الأهرام فى السابع والعشرين من ديسمبر 1875 عن عملية التأريخ لظهور الصحافة بالمعنى الحقيقى فى مصر؛
لأسباب تتعلق بطبيعة «الوقائع المصرية» وجمهورها المستهدف آنذاك، ولأسباب تتعلق أيضا بتراجع الصحافة خلال عهد الخديو سعيد (1854- 1863) الذى أهمل الصحافة، بل إنه أهمل جريدة «الوقائع المصرية» نفسها، وأهدى مطبعة بولاق (عماد صناعة الطباعة فى ذلك الوقت)، بكل ما فيها، لأحد أصدقائه للتخلص من أعبائها، حتى جاء الخديو إسماعيل (1863- 1879) الذى أعاد الاهتمام بالصحافة والثقافة، وهى المرحلة التى شهدت تأسيس الأهرام.
وقد عرفت مصر منذ ذلك التاريخ ظهور واختفاء مئات المؤسسات والصحف والمجلات، لكن هذا لم يحدث مع الأهرام التى تأسست وظلت شاهدة على العديد من التحولات عبر قرن ونصف.
الحقيقة الثانية تتعلق بالدور الثقافى والتنويرى للأهرام، وهو دور تاريخى يصعب وصفه واختزاله فى مقال أو حتى كتاب واحد؛ إذ لم تعمل الأهرام كمنصة فقط للسجالات الفكرية، لكنها لعبت دورا لا يقل أهمية فى تطوير الحياة الثقافية فى مصر، سواء من خلال خريطة القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية التى تناولتها الأهرام على مدار تاريخها، أو من خلال الاشتباكات التى خاضتها فى سياق المعارك والسجالات الفكرية الكبيرة التى جرت فى مصر خلال حقب مختلفة، أو من خلال الدور الريادى الذى لعبته فى تطوير الحياة الثقافية فى مصر من خلال الانحياز فى المعارك الفكرية الكبيرة إلى العديد من الأفكار التنويرية.
وفى السياق نفسه، قدمت الأهرام نموذجا للعلاقة بين المؤسسات الصحفية والنخب المصرية؛ إذ مثلت صفحات الأهرام منصة لمعظم رموز هذه النخب، وهو أحد عناصر التميز التاريخى التى تحرص عليها الأهرام. وتأكد الدور الثقافى للأهرام بوسائل أخرى عديدة؛ منها أن بعض رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير أنفسهم كانوا أدباء مرموقين.
الحقيقة الثالثة تتعلق بنجاح الأهرام فى صك مدرستها الصحفية الرصينة، والتى طالت كافة أشكال الفنون الصحفية، من المانشيت والخبر والتحقيق والمقال والتحليل... إلخ، وهى مدرسة لها سماتها الرصينة التى توارثتها الأجيال وتحافظ عليها. هذه المدرسة الصحفية الرصينة مثلت بالتأكيد أحد مصادر تميز الأهرام، وأحد مصادر استدامتها.
الحقيقة الرابعة تتعلق بسؤال الاستدامة، أو لماذا استطاعت الأهرام أن تحافظ على بقائها؟ وهو سؤال يبدو بسيطا، وقد يبدو بالنسبة للبعض غير منطقي، لكن الإجابة عليه تقتضى قراءة معمقة فى ديناميات عمل مؤسسة الأهرام، ونمط علاقاتها بالأسواق المرتبطة بها (الطباعة، والنشر، والإعلانات... إلخ)، لكن الأهم هو قدرتها على التأقلم مع التحولات والتحديات الجارية بشكل مستمر فى هذه الأسواق منذ التأسيس حتى اليوم، وعلى مدار خمسة عشر عقدا.
كان أبرز مظاهر التأقلم تلك اتجاه المؤسسة إلى تدشين الصحافة المتخصصة، ثم الصحافة الرقمية، وقدرتها على استحداث وتطوير مصادر جديدة للتمويل، وتطوير المنتجات والمنصات الإعلانية، وغيرها. يرتبط بذلك أيضا نمط علاقات الأهرام مع النخب الوطنية، إذ تنطلق الأهرام ليس فقط من كونها منصة ووجهة للنخب الوطنية بمختلف مشاربها الثقافية وكاشفة عن تشكلات هذه النخب، لكنها لعبت دورا فى تطوير الجدالات الثقافية الدائرة داخل المجتمع، منذ التأسيس حتى اللحظة الراهنة.
أضف إلى ذلك ما ميز مؤسسة الأهرام من امتلاكها عددا من المراكز المتخصصة، بدءا من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الذى يُصنف ضمن الأربعة الكبار فى الإقليم، وضمن أهم ستين مركز فكر على مستوى العالم، بما فى ذلك المراكز الأمريكية والأوروبية، وغيره من المراكز كمركز آماك.
هذه الحقائق الأربع السابقة، وغيرها، وفرت شروطا كافية لتحول مؤسسة الأهرام إلى واحدة من أهم حوافظ ذاكرة وتاريخ الأمة المصرية؛ بكل ما تعنيه كلمة الذاكرة، أو كما وصفها طه حسين بأنها «ديوان الحياة المعاصرة»، وذلك بفضل رصدها وتفاعلها مع التحولات الكبرى، والأهم هو تسهيلها النفاذ إلى هذه الذاكرة من خلال مركز متخصص فى الأرشفة والحفظ الإلكترونى.
أخيرا، وليس آخرا، لم يكن لمؤسسة الأهرام أن تحفر تجربتها الرائدة تلك لولا إيمان الدولة المصرية الحديثة بالصحافة القومية؛ فتحية تقدير واحترام للدولة المصرية، وشركاء مؤسسة الأهرام فى مختلف القطاعات، وتحية تقدير لكل زملائى بمؤسسة الأهرام، ولكل قرائها.
الدور الثقافى والتنويرى للأهرام، هو دور تاريخى يصعب وصفه واختزاله فى مقال أو حتى كتاب واحد؛ إذ لم تعمل الأهرام كمنصة فقط للسجالات الفكرية، لكنها لعبت دورا لا يقل أهمية فى تطوير الحياة الثقافية فى مصر، سواء من خلال خريطة القضايا؛ الثقافية والاجتماعية والسياسية، التى تناولتها الأهرام على مدار تاريخها
mfayez@ahram.org.eg
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية