تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ما الذى يجرى غرب قناة السويس؟
كل مشروع يجرى على أرض مصر منذ عام 2014 يستند إلى فلسفة تنموية أو جيواقتصادية أو جيوسياسية محددة، فى إطار الرؤية الحاكمة للمشروع الوطنى الأكبر.
بعض هذه الفلسفات قد لا تكون واضحة فى المراحل الأولى لكن سرعان ما تتكشف هذه الفلسفة لعوامل تتعلق بتحولات البيئة الدولية أو الإقليمية، أو لعوامل تتعلق بحجم التشابكات التى يخلقها هذا المشروع مع غيره من المشروعات التنموية الجارية أو اللاحقة، أو لهذه العوامل جميعها.
بعض هذه المشروعات تعرض لهجوم ونقد، أو حتى قراءة مختزلة، لكن ما أن تتضح الفلسفة التى وقفت وراء أى من هذه المشروعات، أو تتضح القراءة المبكرة للتحولات الدولية والإقليمية، أو التشابكات القائمة بين أى من هذه المشروعات وغيره من المشروعات التنموية، سرعان ما تتراجع هذه الانتقادات المتسرعة وتأ
وعلى الرغم من أن مشروع قناة السويس الجديدة قد شهد تفاعلا ودعما واسعا من جانب المصريين، عبر عنه التمويل الضخم الذى قدموه للمشروع من خلال شهادة استثمار قناة السويس، والذى فاق التمويل المستهدف خلال فترة زمنية وجيزة، لكن هذا لم يمنع أيضا من ظهور بعض الانتقادات المتسرعة لهذا المشروع المهم، وأثار البعض أسئلة من قبيل ما الحاجة لهذا المشروع؟ وما مدى أهميته بالمقارنة بمشروعات أخرى.. إلخ. لكن مع الوقت اتضحت الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع شديد الأهمية.
مشروع قناة السويس الجديدة بدا بالنسبة للكثيرين وكأنه مشروع «ترفى» أو غير ذى أولوية، أو على أقصى تقدير هو مشروع لإحياء «وطنية» المصريين، خاصة بعد فترة حكم تنظيم الإخوان الإرهابى التى شهدت العديد من السياسات التى كان من شأن استمرارها النيل من اللحمة الوطنية والدولة الوطنية المصرية. ومع أهمية هذا الهدف الأخير، والدور الذى لعبه مشروع القناة الجديدة فى شحذ الوطنية المصرية، خاصة بالنظر إلى خصوصية قناة السويس بالنسبة للمصريين باعتبارها أيقونة مهمة فى النضال الوطنى ضد الاستعمار وضد التدخل الخارجي، حيث كان قرار تأميم الشركة العالمية لقناة السويس فى 26 يوليو 1956 أحد القرارات الوطنية التاريخية الذى مثل فى أحد أبعاده تأكيدا للهوية الوطنية المصرية، لكن قرار قناة السويس الجديدة تجاوز فى حقيقته هذا الهدف المهم، ليستند إلى أبعاد جيواقتصادية وجيوسياسية.
أحد أهم هذه الأبعاد التى حكمت قرار حفر قناة السويس الجديدة هو القراءة الاستراتيجية المبكرة للتحولات الاستراتيجية المهمة فى مجالى الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية.
لقد شهدت السنوات السابقة على قرار حفر قناة السويس الجديدة طرح العديد من مشروعات التجارة الدولية الجديدة؛ البحرية والبرية والسكك الحديدية، على نحو أسس لتحولات استراتيجية مهمة فى هذا المجال، شملت -على سبيل المثال- «ممر الشمال- الجنوب»، الذى طُرح من جانب روسيا والهند وإيران فى عام 2000، والذى يضم شبكة متعددة الأنماط من طرق التجارة الدولية التى تربط بين أقاليم جنوبى وغربى آسيا، وآسيا الوسطى، والقوقاز، وروسيا وصولا إلى شمال أوروبا، بالإضافة إلى مبادرة الحزام والطريق التى طرحها الرئيس الصينى فى عام 2013 والتى تضم شبكة معقدة من الطرق البرية والبحرية والسكك الحديدية بين معظم الأقاليم الاقتصادية الآسيوية والأوروبية.
قرار حفر قناة السويس الجديدة لم يستند إلى افتراض أن أيا من هذين المشروعين أو غيرهما يمثل تهديدا أو بديلا محتملا لقناة السويس، لكنه استند فى المقابل إلى قراءة ذكية واستشرافية بوجود تحولات استراتيجية فى طرق التجارة العالمية، تصل إلى حد التأسيس لتحولات مهمة فى الجغرافيا السياسية. كذلك، فإن هذه المشروعات لم تستهدف بالضرورة قناة السويس، أو طرحها كبديل لها، بقدر ما استهدفت بالأساس تسهيل التجارة العالمية من خلال تقليل تكاليف التجارة وتخفيض مدد الملاحة، الأمر الذى يساهم فى التحليل الأخير فى خلق تجارة جديدة Trade Creation أكثر من تأثيرها على حدوث تحول فى التجارة Trade Diversion.
يدعم هذا التحليل أن العديد من هذه المشروعات تعاملت مع قناة السويس باعتبارها مكونا رئيسا لا يمكن الاستغناء عنه فى خريطة طرق التجارة العالمية، وجاءت بعض الأزمات الطارئة بقناة السويس خلال السنوات الأخيرة لتؤكد حقيقة واضحة مفادها أن العالم والتجارة العالمية لا يمكنها الاستغناء عن قناة السويس وأنها مكون أصيل فى الجغرافيا الاقتصادية والتجارة العالمية. بمعنى آخر، فإن قرار حفر قناة السويس الجديدة كان قرارا استراتيجيا يعبر عن قراءة استشرافية مبكرة للتحولات الجارية فى خطوط التجارة الدولية، وتأقلما مصريا مبكرا مع هذه التحولات، على نحو يزيد من القدرات التنافسية للقناة.
ولا ينفصل هذا التوجه عن تطوير منطقة غرب قناة السويس كمنطقة صناعية وتنموية، وهو توجه يتكامل مع قرار حفر قناة السويس الجديدة، إذ لم تعد الممرات المائية مجرد ممرات ملاحية أو ممرات لعبور التجارة، بقدر ما أصبحت ترتبط بمناطق صناعية وتنموية، تستفيد من الممر الملاحي. ويتكامل مع ذلك أيضا تطوير الموانئ البحرية.
بمعنى آخر،
فإن قرار تطوير منطقة غرب قناة السويس هو قرار استراتيجى آخر يتكامل مع قرار حفر قناة السويس الجديدة بهدف تحويل القناة من ممر ملاحى مهم إلى منطقة تنموية، هدفها جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة حجم الصادرات المصرية إلى مختلف الأسواق والأقاليم الاقتصادية.
خلاصة القول،
إن قرار حفر قناة السويس الجديدة وتطوير منطقة غرب قناة السويس هو جزء من قراءة استشرافية للقيادة السياسية المصرية للتحولات الجارية فى العالم على مستوى الجغرافيا الاقتصادية والسياسية، وجزء ليس فقط من إعادة تعريف الموقع الجغرافى لمصر، بل إعادة تعريف علاقة مصر بالنظام الدولي.
أحد أهم الأبعاد التى حكمت قرار حفر قناة السويس الجديدة هو القراءة الاستراتيجية المبكرة للتحولات الاستراتيجية المهمة فى مجالى الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية. لقد شهدت السنوات السابقة على قرار حفر قناة السويس الجديدة طرح العديد من مشروعات التجارة الدولية الجديدة؛ البحرية والبرية والسكك الحديدية، على نحو أسس لتحولات استراتيجية مهمة فى هذا المجال
mfayez@ahram.org.eg
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية