تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قمة ألاسكا.... نموذج آخر لـ «دبلوماسية القفز فوق الأزمات»
توافقت معظم التحليلات على أهمية قمة ألاسكا بين الرئيسين ترامب وبوتين يوم الجمعة الماضى 15 أغسطس الجاري، والتى تبعتها موجة من التفاؤل حول إمكانية حدوث توافق بين قوتين رئيستين على قمة النظام الدولي، رغم أن القمة لم يرتبط بها الإعلان عن أى اتفاق محدد بينهما بشأن القضايا الخلافية العديدة،
وعلى رأسها الحرب فى أوكرانيا، وتوسع الناتو شرقا، والعقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، وغيرها.
هذا التوجه ارتبط بوصول الإدارة الأمريكية الديمقراطية بقيادة دونالد ترامب، والتى بشرت قبل دخولها البيت الأبيض بقدرتها على إنهاء هذه الحرب، وأنه لم يكن لهذه الحرب أن تحدث من الأصل فى حالة وجود ترامب فى السلطة.
التحول الظاهرى السريع الذى شهدته العلاقات الأمريكية ــ الروسية عقب وصول إدارة ترامب، أسس حينه لطرح فرضية مفادها إمكانية حدوث توافق أمريكى ــ روسى خلال المرحلة الراهنة فى تطور النظام العالمي، بهدف التفرغ الأمريكى لصدام، ربما يكون حتميا، مع الصين، والذى يستلزم ــ وفق هذه الفرضية ــ إبعاد روسيا عن الصين.
دعَّم هذه الفرضية اتجاه إدارة ترامب إلى تقييد/ ضبط الدعم العسكرى لأوكرانيا، والهجوم الذى شنه ترامب على الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى أكثر من مناسبة، واتهامه بأنه لا يمتلك أوراق لعب فى هذه الحرب، وأنه يطيل أمد الحرب من خلال ما وصفه بـ «البيانات التحريضية»، فى مقابل سعى الولايات المتحدة لإنهاء الصراع بين أوكرانيا وروسيا من خلال المفاوضات، وهو هجوم فُهم على أنه جزء من تجهيز زيلينسكى للقبول بصفقة أمريكية ــ روسية تطال أوكرانيا. فرضية سعى الولايات المتحدة إلى بناء توافق واسع مع روسيا لا يمكن استبعادها بشكل كامل، لكنها لم تعد التوصيف الدقيق الوحيد لما يجرى بين البلدين.
هناك فرضية أخرى يمكن طرحها لفهم ما يجرى بين الولايات المتحدة وروسيا، وهى «دبلوماسية القفز فوق الأزمات» أو «دبلوماسية ترحيل الأزمات إلى الأمام». قمة ألاسكا ليست المثال الأول لتطبيق هذه الدبلوماسية، فقد طبقتها إدارة ترامب الأولى مع كوريا الشمالية، عندما عُقدت قمة «ترامب ــ أون» فى 12 يونيو 2018 فى منتجع كابيلا بجزيرة سينتوسا بسنغافورة، والتى مثلت أول قمة بين رئيس أمريكى وزعيم كوريا الشمالية، والتى جاءت عقب مرحلة من التدهور الشديد فى علاقات البلدين.
تلا ذلك عقد قمة ثانية بين ترامب وأون على مدار يومى 27 و 28 فبراير 2019 فى العاصمة الفلبينية هانوى. وكانت الخطوة الرمزية الأكثر تعبيرا عن هذه الدبلوماسية اللقاء الذى جمع ترامب وأون فى 30 يونيو 2019 فى المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، ثم عبور ترامب خط السيطرة بين الكوريتين ودخوله الحدود الكورية الشمالية، فى خطوة كانت هى الأولى لرئيس أمريكى فى السلطة يدخل كوريا الشمالية.
تلا هذه الخطوة الرمزية المهمة عقد قمة ثالثة داخل «بيت الحرية» على الجانب الكورى الجنوبى.
هذه القمم الثلاث جاءت، أولا، بعد تدهور شديد فى علاقات البلدين، وبعد مرحلة من الحرب الإعلامية والكلامية المباشرة بين ترامب وأون، وساهمت، ثانيا، فى حدوث تحسن ملحوظ فى علاقاتهما، بل وبدء مرحلة مغايرة سادها تبادل عبارات من «الغزل السياسى» بين ترامب وأون.
لكن هذه القمم لم تؤد إلى تحقيق تحول جوهرى فى مسار العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، ولم يبدأ البلدان عملية تطبيع سياسى واقتصادى، ولم يتم توقيع اتفاق سلام ينهى حالة الحرب القائمة بينهما منذ نهاية الحرب الكورية ــ الكورية فى خمسينات القرن الماضي، ولم تمهد هذه القمم لتسوية نهائية للقضايا الخلافية بينهما، سواء القدرات النووية الكورية، أو القدرات الصاروخية بما تشمله من صواريخ بعيدة المدى، أو العلاقات الكورية ــ الكورية، وغيرها.
ولم تقدم كوريا الشمالية من خلال هذه القمم الثلاث أية تنازلات باستثناء البيان المشترك المقتضب الذى صدر عن قمة يونيو 2018، ولم يتضمن أكثر من التأكيد على مجموعة من المبادئ العامة التى لم تدشن لإجراءات محددة للتعامل مع أى من القضايا الخلافية السابقة.
مرحلة بايدن لم تخل هى الأخرى من عقد قمم أمريكية ــ صينية، لم تؤد إلى حدوث تحولات نوعية فى علاقات البلدين ولم تنه الخلافات القائمة بينهما.
هكذا، يبدو أن دبلوماسية «القفز فوق الأزمات» باتت إحدى سمات المرحلة الراهنة فى تطور النظام العالمى، وهى نتيجة، على ما يبدو، لعدد من المعطيات.
فهى ترتبط، من ناحية، بنزاعات وصراعات ذات طبيعة حدية لا تتسم مواقف الأطراف إزاءها بالمرونة، سواء لارتباط هذه الصراعات بقضايا شديدة الحساسية بالنسبة للأمن القومى، أو لارتباطها بعمليات بناء توازنات استراتيجية جديدة كجزء من طبيعة المرحلة الانتقالية الراهنة فى تطور النظام العالمي. كما أنها ترتبط، من ناحية ثانية، بطبيعة بعض القيادات السياسية الدولية القائمة ونمط تعاملها مع الأزمات الدولية والإقليمية، بصرف النظر عن درجة حدة هذه الأزمات أو مدى حاجتها لتسوية نهائية مستدامة كجزء من حفظ السلم والأمن الدوليين. بعض القيادات السياسية الدولية باتت معنية بتقديم نفسها كـ«صانع سلام»، أو أن لديه القدرة على فرض اتجاه معاكس لمسار بعض الأزمات والصراعات الدولية، بصرف النظر عن مدى ارتباط هذه التحركات بخطط حقيقية للتسوية أو بناء سلام مستدام، وبصرف النظر عن تحقيق نتائج ملموسة فى مسار هذه الأزمات. أضف إلى ذلك أن هذا التدخل يتم بشكل انتقائي، حيث يتم فى الوقت نفسه تجاهل أزمات وصراعات أخرى أكثر حدة وأكثر خطورة بالنسبة للسلم والأمن الدوليين.
بهذا المعنى..
فإن دبلوماسية القفز فوق الأزمات لا تعنى تجاوز أو تجميد الأزمات القائمة بهدف الانتقال إلى بناء سلام، أو بهدف تدشين علاقات تعاون اقتصادى على نحو ما قدمته خبرات دول شرق وجنوب شرقى آسيا خلال مرحلة الحرب الباردة، بقدر ما ترتبط هذه الدبلوماسية بسعى أطرافها إلى تحقيق أهداف أخرى، مثل تصدير صور محددة حول نفسها، أو بهدف ضبط علاقاتها الثنائية وعدم انتقال هذه العلاقات من مستوى «التنافس الاستراتيجى» إلى الصدام العسكري، من خلال الحفاظ على الحد الأدنى من التواصل السياسى. لذلك، نلاحظ فى الأغلب أن هذه الدبلوماسية، وما يرتبط بها من قمم، ترتبط بإخراج إعلامى إيجابى ومتفائل، وهو ما ارتبط بقمة ألاسكا.
------------------------------------------
قمة ألاسكا ليست المثال الأول لتطبيق هذه الدبلوماسية، فقد طبقتها إدارة ترامب الأولى مع كوريا الشمالية، عندما عُقدت قمة «ترامب ــ أون» فى 12 يونيو 2018 فى منتجع كابيلا بجزيرة سينتوسا بسنغافورة، والتى مثلت أول قمة بين رئيس أمريكى وزعيم كوريا الشمالية، والتى جاءت عقب مرحلة من التدهور الشديد فى علاقات البلدين.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية