تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الرئيس والجماعة الصحفية

ترددُت كثيرا قبل كتابة هذا المقال؛ فلا أحمل صفة نقابية تعطينى الحق فى الحديث باسم الجماعة الصحفية فى مصر، لكن مقالى هذا يؤسس له ثلاثة اعتبارات. أولها، الاهتمام الذى أولاه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالجماعة الصحفية فى كلمته المهمة بمحافظة بنى سويف فى ١٦ سبتمبر الماضى، وكانت هى المرة الأولى التى يتناول فيها رئيس الجمهورية واحدة من قضايا الجماعة الصحفية فى مصر، والتى تثار فى كل الاستحقاقات الانتخابية الخاصة بهذه الجماعة المهنية المهمة. ثانيها، هى خلفيتى، كباحث، وأحد أعضاء الجماعة الصحفية، معنى - من ثم - بالتحولات الاجتماعية والسياسية الجارية فى مصر منذ عام ٢٠١٤. ثالثها، هو الاستحقاق الانتخابى الأهم فى مصر الذى جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية فى لحظة شديدة التعقيد فى السياقين الإٍقليمى والعالمى، وهو استحقاق سوف يستتبعه بالتأكيد مزيد من تسريع وتعميق ملامح «جمهورية جديدة» يجرى بناؤها على أسس وفلسفة محددة.

 

الجماعة الصحفية فى مصر، كما فى غيرها من دول العالم، تُصنف ضمن الجماعات المهنية العديدة، كالأطباء والمهندسين والمحامين… إلخ. وعندما يُثار سؤال حول العلاقة بين الرئيس وإحدى هذه الجماعات المهنية، فإن هذا السؤال لا يفترض ابتداء أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أولى اهتماما بجماعة مهنية ما دون غيرها، إذ لم يُعرف عنه منذ عام ٢٠١٤ حتى الآن الانحياز لجماعة مهنية معينة، ويصعب أن نجد أساسا طبقيا أو جهويا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية فى عهد السيسى، باستثناء انحيازه الواضح لحماية الشرائح الاجتماعية الأدنى، ولقضايا تمكين المرأة والشباب، وتنمية الريف، وهى انحيازات إيجابية تقع فى قلب شروط تسريع وتعميق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، حسب أدبيات التنمية.

لكن كل هذا لا يعنى أن الجماعة الصحفية فى مصر لا تستفيد مما يجرى فى مصر منذ عام ٢٠١٤ حتى الآن. وتجدر الإشارة هنا أولا إلى خصوصية طبيعة الجماعة الصحفية بالمقارنة بغيرها من الجماعات المهنية الأخرى؛ فهى جماعة معنية أكثر من غيرها بقضايا الإصلاح والتحديث. ولا يعنى ذلك بالطبع أن الجماعات المهنية الأخرى غير معنية بهذا النوع من القضايا، لكنها ربما تأتى فى ترتيب تال بالمقارنة بقضايا مهنية أخرى بالنسبة لهذه الجماعات. كذلك، فإن الجماعة الصحفية هى الأكثر تأثرا بالأطر الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بقضية الإصلاح والتحديث بشكل خاص، وبقضية التنمية بشكل عام، باعتبار الأخيرة شرطا ضروريا لتغيير الأبنية الفكرية والثقافية والاجتماعية للمجتمع، ومن ثم فهى شرط ضرورى لنجاح عملية الإصلاح بشكل عام.

بهذا المعنى، فإن ما يجرى فى مصر منذ عام ٢٠١٤ يقع فى صلب اهتمامات ومصالح الجماعة الصحفية فى مصر، بدءا من تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وانتهاء بخبرة الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أبريل ٢٠٢٢، الذى تضمن محورا خاصا بالقضايا السياسية، وآخر خاصا بالقضايا المجتمعية. ويتأكد هذا الاستنتاج من خلال مراجعة المحور السياسى فى الحوار الوطنى.. إذ يقوم هذا المحور على مراجعة العديد من الأطر المنظمة للحياة السياسية بشكل عام، بما يتضمنه ذلك من قضايا فرعية عدة تتصل بمباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى، والأحزاب السياسية، والمحليات، والنقابات المهنية والعمل الأهلى، وحقوق الإنسان والحريات العامة. ولا تقل قضايا المحور المجتمعى أهمية، بالنظر إلى تعاملها مع بعض الأبنية الثقافية والفكرية. إن مراجعة موضوعية لقائمة القضايا التفصيلية التى جرى مناقشتها -حتى الآن- داخل الجلسات المعنية بهذه القضايا، خاصة داخل اللجان التخصصية، يشير إلى وجود مشروع حقيقى لتعزيز عملية الإصلاح فى إطار عملية وطنية بمشاركة النخب الوطنية المصرية، وبعيدا عن أى شكل من أشكال التدخل الخارجى. وليست مفارقة أن المنسق العام للحوار الوطنى هو أحد قيادات الجماعة الصحفية ونقيبها السابق.

هكذا، وبجانب المكاسب المهمة التى حققتها الجماعة الصحفية فى مصر، خلال السنوات الأخيرة، وبجهود هيئاتها المعنية، المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، فإنه من المتوقع أن تتعاظم هذه المكاسب خلال المرحلة المقبلة مع استكمال مشروع التنمية والتحديث، ومع استكمال الحوار الوطنى، وترجمة مخرجاته إلى واقع عملى يعزز فلسفة الإصلاح الجارية فى مصر باعتبار ذلك فى جوهر بيئة عمل هذه الجماعة وأجندة اهتماماتها.

انطلاقا من المعطيات السابقة، يصبح هناك أساس قوى للقول بوجود مصلحة واضحة لدى الجماعة الصحفية فى مصر فى استمرار عملية التنمية والإصلاح الجارية، والبناء على ما تم خلال الفترة (٢٠١٤- ٢٠٢٣)، ووجود مصلحة قوية فى استمرار القيادة السياسية التى دشنت هذا المشروع فى عام ٢٠١٤ بفلسفته المحددة، وبأولوياته المتدرجة فى إطار عملية إصلاح تراكمية. بمعنى آخر، تصبح الجماعة الصحفية فى مصر جماعة ذات مصلحة فى استمرار هذا المشروع الإصلاحى الكبير الجارى فى البلاد والدفاع عنه حتى اكتماله. بل إن الجماعة الصحفية، بالمعنى السابق، تقع فى قلب القوى الداعمة لهذا المشروع، انطلاقا من أن هذه الجماعة، بحكم طبيعة خلفياتها العلمية والمهنية، هى أكثر الجماعات المهنية إيمانا بأفكار التنمية والإصلاح، وأكثرها إدراكا أيضا لتعقيدات أى عملية تحديث وإصلاح كبيرة، حيث لا تمثل مصر استثناء من الخبرات العالمية المختلفة فى هذا المجال. مرة أخرى هذا المقال لا يتحدث باسم الجماعة الصحفية فى مصر، لكنه يحمل رؤية تحليلية لكاتبه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية