تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. محمد فايز فرحات > الخطوة التالية بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية

الخطوة التالية بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية

دون شك فإن اعتراف ما يقرب من مائة وستين دولة، من إجمالي مائة وثلاثة وتسعين هم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالدولة الفلسطينية هو إنجاز سياسي كبير.

هذا الإنجاز هو تكريس واعتراف بمبدأ حل الدولتين كواحد من المبادئ الأساسية التي تدافع عنها الدولة المصرية ضمن أسس تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتعنت ضد هذا المبدأ المهم، أو الرافض أساسا لحق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة.


صحيح أن الاعترافات الصادرة لم تقترن بتعريف محدد لحدود الدولة الفلسطينية، أو معالجة العديد من الإشكاليات الأخرى، لكن ذلك لا ينال من أهمية تكريسها لمبدأ حل الدولتين أولا، وتؤكد ثانيا حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. من ناحية ثانية، فإن هذه الاعترافات مثلت أيضا خطوة شديدة الأهمية في اتجاه تقويض الأساس الأخلاقي للاحتلال الإسرائيلي ولسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية، وسعيها الدءوب لتقويض الأساس المادي لمشروع الدولة الفلسطينية.

الاعترافات الدولية جاءت لتمثل رسالة واضحة وصريحة ليس فقط ضد إسرائيل لكن ضد حلفائها أيضا، جوهرها أنه إذا كانت الكتلة الأكبر داخل المجتمع الدولي لم تنجح حتى الآن في وقف العدوان الجاري على القطاع - بسبب التعنت الإسرائيلي والدعم الأمريكي - فإنها لا تزال تمتلك أوراقا أخرى في مواجهة هذا التعنت.

وتزداد أهمية هذه الاعترافات الواسعة بالدولة الفلسطينية إذا أخذنا في الاعتبار التحاق عدد مهم من الدول الأوروبية (أهمها المملكة المتحدة، البرتغال، فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، النرويج، أيرلندا، سلوفينيا، لوكسمبورج، السويد، مالطا)، الأمر الذي يشير إلى وجود تحولات مهمة داخل البيت الأوروبي، واستعداد قوى أوروبية مهمة لتبني مواقف مغايرة للموقف الأمريكي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وفيما يتعلق بدعم إسرائيل؛ إذ لم يعد هذا الدعم من حتميات العلاقات الأوروبية - الأمريكية، أو على الأقل كما كان عليه الوضع سابقا.

كما تزداد أهمية هذا الموقف الأوروبي في ظل إدارة ترامب التي تتبنى سياسات شديدة الانحياز لإسرائيل بدأتها في الفترة السابقة (يناير 2017 - يناير 2020)، واستكملتها خلال الفترة الراهنة.

من ناحية ثالثة، فإن خطوة الاعترافات الواسعة تلك تشير إلى استنتاج آخر لا يقل أهمية جوهره أنه يمكن، من خلال العمل السياسي والدبلوماسي المنظم والمُمَنْهَجْ، تحقيق أهداف ونجاحات مهمة في مسار إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتشكل اختراقا في هذا المسار.

صحيح أن موجة الاعترافات الدولية الأخيرة جاءت على خلفية العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وما ارتبط به من تكاليف إنسانية ومادية ضخمة، الأمر الذي أوجد تعاطفا دوليا واسعا مع الشعب الفلسطيني في محنته الحالية، وكنوع من التعويض عن عجز المجتمع الدولي عن وقف العدوان ووضع حد لهذه المحنة؛ لكن كان من الممكن أن تمر هذه التكاليف جميعها دون أي مكاسب سياسية، بل ربما كان من الممكن أن تمر هذه التكاليف حتى دون مواجهة فعالة للسردية الإسرائيلية حول ما حدث في السابع من أكتوبر 2023. لا شك أن هناك عملا سياسيا ودبلوماسيا ضخما تم خلال العامين الماضيين أوصلنا إلى بدء هذه الموجة المهمة من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.

هذا العمل قادته وتحملت عبئه وتكلفته الكبرى الدولة المصرية، في سياقات ثنائية وجماعية ومتعددة الأطراف.

لكن مع أهمية هذه الموجة من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية فإنها تظل غير كافية، سواء بالنظر إلى خطورة السياسات الإسرائيلية، أو ما تحظى به دولة الاحتلال من دعم سياسي وعسكري من جانب الولايات المتحدة،

الأمر الذي يشير إلى أهمية البناء على هذه الخطوة من خلال عمل سياسي ودبلوماسي مكثف ومُمَنْهَج على مسارات عدة:

أول تلك المسارات يتعلق ببناء الدولة الفلسطينية نفسها، والمقصود هنا أن يقدم الأشقاء الفلسطينيون نموذجا لدولة مدنية يمكن الدفاع عنها، وتشكل أساسا لتعميق قناعة المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين وجدارتهم في امتلاك دولتهم، خاصة الكتلة التي اعترفت فعليا بالدولة الفلسطينية.

في هذا السياق، هناك قائمة من الاستحقاقات المهمة على الأشقاء الفلسطينيين التعامل معها؛ أهمها إنهاء حالة الانقسام، وإعادة بناء المؤسسات السياسية الوطنية، وتكريس نموذج للديمقراطية وتداول السلطة، وتطوير خطاب سياسي موحد وحديث إزاء المجتمع الدولي، وغيرها من الاستحقاقات.

لقد بدأت السلطة الفلسطينية عملية إصلاح داخلية لكنها تحتاج إلى المزيد من الإجراءات كجزء من استدامة واستقطاب المزيد من الدعم الدولي لمشروع الدولة الفلسطينية.

المسار الثاني، يتعلق بالعمل على زيادة حجم المعاملات الدولية مع «الدولة الفلسطينية». الاعتراف في حد ذاته خطوة مهمة، لكن تعظيم آثاره الإيجابية يتطلب تحويله إلى واقع سياسي واقتصادي وثقافي، وهو ما سيعتمد بالأساس على حجم المعاملات السياسية والاقتصادية والثقافية التي ستؤسس لها هذه الاعترافات، أو بالأحرى المعاملات التي يجب أن تسعى إليها السلطة الفلسطينية استنادا إلى هذه الاعترافات.

بالتأكيد ستواجه السلطة الفلسطينية تعقيدات إسرائيلية شديدة أمام تكثيف هذه المعاملات مع العالم الخارجي، لكن مرة أخرى فإن جهدا دبلوماسيا وسياسيا منظما ومُمَنْهَجًا سيساهم في تآكل هذه التعقيدات واختراقها تدريجيا.

المسار الثالث، يتعلق بضرورة استثمار التحولات الاجتماعية الجارية داخل المجتمعات الغربية، خاصة بين الأجيال الجديدة، والتي باتت أكثر انفتاحا على دعم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ليس على أرضية دينية، لكن على أرضية حق شعب محتل في تقرير مصيره، ورفض القتل والإبادة على أسس دينية أو عرقية.

لقد عبرت هذه الأجيال الجديدة عن مواقفها تلك بأشكال ودرجات مختلفة خلال العامين الماضيين، وهو ما لعب دورا لا يمكن إغفاله في تغيير مواقف العديد من الحكومات الأوروبية.

هذه الأجيال تمثل فرصة كبيرة لدعم القضية الفلسطينية من خلال تغيير التوجهات التقليدية للنخب ومؤسسات الحكم الأوروبية، وربما الأمريكية في مرحلة لاحقة، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي التي جرت خلال السنوات الأخيرة.

****
إن خطوة الاعترافات الواسعة تلك تشير إلى استنتاج آخر لا يقل أهمية، جوهره أنه يمكن، من خلال العمل السياسي والدبلوماسي المنظم والمُمَنْهَجَ، تحقيق أهداف ونجاحات مهمة في مسار إدارة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتشكل اختراقا في هذا المسار

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية