تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

تبدأ اليوم جريدة الأهرام عامها المائة والخمسين، حاملة العدد رقم 50646، والتي صدر عددها الأول في الخامس من أغسطس عام 1876، بعد حوالي سبعة أشهر من التأسيس في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1875. على مدار هذه الرحلة الطويلة، مثلت الأهرام، ولا تزال، مساحة مهمة للتواصل بين أجيال من القراء والكتاب والأدباء والمفكرين وصانعي الرأي العام، لم تعمل فقط كمنصة للرأي والتحليل وصناعة الخبر والأفكار، لكنها عملت أيضا كشاهد على تاريخ وطن وأمة، وسجلت عبر هذا التاريخ الطويل طموحات وأحلام وهموم أمة وأجيال متتالية، عبر حقب زمنية متباينة. قدمت الأهرام عبر هذا التاريخ لجمهورها العظيم 50646 عددا، حمل 50646 مانشيتا وتجربة يومية فريدة لتعاون منظومة متكاملة من المحررين والكتاب والمطبعجية والإداريين في مختلف القطاعات ليقدموا للقارئ حصيلة يوم من العمل المخلص والدءوب. لا نزال نسمع من العديد من رموز المجتمع حكايات الأباء والأجداد مع جريدة الأهرام، كان وصول الأهرام بالنسبة لهم إيذانا ببدء يوم جديد، وبعضهم كان يرفض أن يفتح أي من أفراد أسرته عدد الأهرام قبله، كان يحرص أن يكون هو أول من يفتح الجريدة بيديه، ليكون أول من تطالع عيناه الجديد في هذا العالم. ما زلنا نسمع من كثيرين أنهم لا يستمتعون بمطالعة الأخبار والتحليلات إلا من خلال لمس الجريدة الورقية بأيديهم رغم النفاذ الواسع لأدوات النشر الإلكتروني. حكى كثيرون عن ذلك الارتباط الذي نشأ بين جيل الآباء والأجداد وجريدة الأهرام، إنها علاقة بين القارئ وتلك المنظومة المتكاملة التي حرصت كل يوم أن تأتي له بحصاد يوم كامل من العمل، مصاغا في إخراج وتبويب عشقته الأعين، وبنته أجيال متتالية من الفنانين والمبدعين.

 

عوامل عديدة ضمنت للأهرام هذه المكانة العظيمة والعلاقة الفريدة بينها وبين القارئ. أولها، النموذج الذي حفرته لنفسها عبر ما يقرب من قرن ونصف القرن، فرغم انتقالها من نمط الملكية الخاصة في مرحلة التأسيس إلى «صحيفة قومية» تعمل من داخل مؤسسة صحفية قومية مملوكة للدولة، لكنها لم تعمل باعتبارها متحدثة باسم النظام بقدر حرصها على العمل كمنصة للخبر والرأي والفكر والتحليل، تنحاز لقيم الموضوعية والعلم والحقيقة. ثانيها، عملت الأهرام كوجهة ومنصة لكبار الكتاب ورموز التيارات الفكرية والسياسية المختلفة، ويصعب حصر هؤلاء الكتاب الذين ارتبطت أسماؤهم بالأهرام منذ صدور عددها الأول حتى اليوم. وتجاوز دور الأهرام مجرد العمل كمنصة للرأي، والاشتباك في المعارك الفكرية الكبيرة التي شهدها المجتمعان المصري والعربي، والانحياز للتيارات التنويرية في مواجهة التيارات الظلامية، ليشمل بجانب ذلك المساهمة في صناعة والكشف عن النخب الفكرية والثقافية الجديدة داخل المجتمع من خلال العديد من الصفحات المتخصصة عبر عقود متتالية. كما مثلت الأهرام، كجريدة وكمؤسسة، مصدرا مهما في بناء النخبة المصرية، من خلال بناء الشخصيات العامة، وتولي العديد من أبنائها ورموزها المناصب المهمة، سواء داخل أروقة الدولة ومؤسساتها أو خارجها، بل إن أبناء العديد من الأهراميين الذين تولوا مناصب مهمة داخل المجتمع يقدمون أنفسهم على أنهم أيضا «من أسرة أهرامية»، في رسالة تقدير واعتزاز بهذه العلاقة مع مؤسسة وجريدة كان لها -ولا يزال- تأثيرها المهم في بناء أجيال وطنية تفخر بعلاقتها بالأهرام.

بالإضافة إلى هذين العاملين المهمين، مثلت الأهرام «مساحة مجتمعية» إضافية لـلتشبيك الاجتماعي، من خلال صفحات الوفيات التي تجاوزت دورها كوسيلة للإعلان عن رحيل الرموز المجتمعية المهمة، لتصبح بذلك منصة كاشفة عن الخرائط الاجتماعية وتاريخ الأسر المصرية. حتى فيما يتعلق بصفحات الإعلانات، فقد تجاوزت دورها كمنصات إعلانية لتلعب دورا اقتصاديا مهما من خلال تحفيز الطلب المحلي.

هذه الخصوصيات، وغيرها، عمقت العلاقة بين الأهرام والأمة المصرية والنخب الوطنية، على نحو جعل منها، ومن مؤسسة الأهرام بشكل عام، مؤسسة وطنية مملوكة للأمة وللوطن قبل أن تكون مؤسسة مملوكة للدولة.

تحولات ضخمة شهدتها -ولا تزال- العديد من الأسواق المرتبطة بمهنة الصحافة، بما في ذلك أسواق الإعلانات، وصناعة الورق، والطباعة، والنشر، كان لها انعكاساتها الضخمة على تكلفة إنتاج الجريدة، لكن ستظل مؤسسة الأهرام على عهدها والتزامها مع القارئ المصري العظيم، ومع النخبة المصرية، لتقديم صحافة مهنية، انطلاقا من قناعة وإيمان بأن الصحافة الورقية لا تزال لديها فرصة كبيرة للبقاء على عكس مما يروج له البعض، وهو ما تؤكده العديد من الحالات الدولية التي تراجعت عن فكرة وقف طباعة النسخ الورقية. هذه القناعة تزداد رسوخا استنادا أيضا إلى المسئولية المهمة التي تقع على عاتق الصحافة القومية في مصر، وهي القناعة التي تدعمها بكل قوة الهيئة الوطنية للصحافة، بقيادة المهندس عبد الصادق الشوربجي، التي تعمل على مدى الساعة لتعظيم قدرات وفرص المؤسسات الصحفية القومية.

في هذه المناسبة المهمة؛ تحية تقدير لقارئ الأهرام، وللنخب الفكرية التي ارتبطت بالأهرام، وتحية تقدير لكل شركاء مؤسسة الأهرام عبر تاريخها الطويل، وتحية تقدير لكل الزملاء العاملين بالمؤسسة الذين أخلصوا لهذا الكيان العظيم، وتحية تقدير للدولة المصرية بكل مؤسساتها التي آمنت بأهمية الصحافة القومية ودورها التنويري رغم كل المصاعب التي تواجهها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية