تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إعادة إعمار غزة.. الاختبار الكبير للمجتمع
مسألة إعادة إعمار غزة هى مسألة إنسانية لا شك، وبامتياز. الوضع الإنسانى الخطير فى غزة يضع المجتمع الدولي، الذى يتغنى بدفاعه عن حقوق الإنسان، وفى مقدمتها الحق فى السكن، فى اختبار شديد. لكن مع أهمية هذا البعد، فإن إعادة إعمار غزة هى مسألة تتجاوز هذا البعد الإنسانى رغم أهميته الشديدة.
هناك التزام سياسى وأخلاقى على المجتمع الدولى بإعادة إعمار القطاع. هذا الالتزام هو نوع من التعويض عن الخلل الكبير فى المنظومة الأمنية الدولية والأممية، وهو الخلل الذى نتج عنه تمكن العدوان الإسرائيلى على القطاع من الاستمرار لمدة عامين كاملين خارج القانون الدولى والقانون الدولى الإنساني، وعدم قدرة المجتمع الدولى على وقف هذا العدوان، بل ودعمه بشكل مباشر فى بعض المراحل. وهو أيضا ضرورة أمنية إذا أخذنا فى الاعتبار التأثيرات النفسية والسياسية بعيدة المدى على جيل من الفلسطينيين لن يكون بإمكان أحد محو مشاهد التدمير والقتل من ذاكرته.
لازالت هناك شكوك كبيرة فى مصداقية المشروع الدولى حول إعادة إعمار غزة.
هذه الشكوك تستند إلى أسانيد تاريخية وواقعية. الحالات التاريخية التى قام فيها المجتمع الدولى بتنفيذ مشروع دولي، فردى أو جماعي، لإعادة إعمار دولة أو إقليم ما بعد الحرب هى حالات محدودة، وارتبطت بمعطيات سياسية وجيوسياسية محددة؛
إذ تكاد تقتصر الخبرات التاريخية على حالتين رئيسيتين،
الأولى هى حالة «برنامج التعافى الأوروبي» (خطة مارشال)، والذى تضمن توجيه حزمة من المساعدات الأمريكية لاقتصادات أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بهدف مساعدة هذه الاقتصادات على التعافى من آثار الحرب، خلال الفترة (أبريل 1948- يونيو 1952).
الحالة الثانية، هى الدور المهم الذى لعبته الولايات المتحدة فى إعادة بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، سواء خلال مرحلة الاحتلال الأمريكى لليابان (1945- 1952) أو بعد انتهاء الاحتلال نفسه.
وبعيدا عن الجدل الذى ارتبط بهاتين الخبرتين، وحجم مسئولية الولايات المتحدة عن إعادة بنائهما بعد الحرب أو مساعدتهما على التعافى الاقتصادى من تداعيات الحرب، لكن ومع افتراض وجود وصدق هذه المسئولية، فإن شروطا معينة توفرت فى هاتين الحالتين منحتهما قدرا كبيرا من الخصوصية، أولها السياق الدولى آنذاك، والمتمثل فى تصاعد التهديد الشيوعى السوفيتي، حيث جاءت إعادة بناء هذه الاقتصادات مكونا رئيسا فى مواجهة المد الشيوعى السوفييتى فى اتجاه أوروبا الغربية أو فى اتجاه الأقاليم الآسيوية.
ولم تتوفر هذه الشروط فى أية حالة من حالات مرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ فرغم حديث الولايات المتحدة عن سعيها إلى إعادة إنتاج هاتين الخبرتين فى حالات مثل أفغانستان والعراق لكن هذا لم يحدث.
أضف إلى ذلك ضعف ارتباط مراحل ما بعد تسوية الصراعات، بشكل عام، بوجود مشروعات للتعافى وإعادة البناء.
هذه الخبرات الدولية المحدودة فى مجال إعادة الإعمار، وارتباطها بصراعات أيديولوجية بعينها، وبواقع جيو-سياسى محدد، يعمق الشكوك حول مدى جدية وجود مشروع دولى حقيقى ومتكامل حول إعادة إعمار غزة، ومدى وجود محفزات دولية تدفع فى اتجاه ضرورة وجود مثل هذا المشروع أولا، وتوفر له ثانيا شروط النجاح. هذا لا يعنى بحال من الأحوال عدم مسئولية المجتمع الدولى عما آلت إليه الأوضاع فى غزة، فكما سبق القول فإن إعادة إعمار غزة هى مسئولية إنسانية وأخلاقية، وضرورة أمنية أيضا.
هناك أحاديث جرت خلال الأيام القليلة الماضية عن احتمالات وجود خطط لإعادة تعمير جزئى فى غزة، فتحت بدورها الشكوك حول جدية وجود هذا المشروع، وحقيقة الأهداف النهائية من ورائه. وهنا تجدر الإشارة إلى عدد من الشروط الواجب توافرها فى أى مشروع دولى لإعادة إعمار غزة، حتى يتوافق هذا المشروع مع الشروط الإنسانية والأخلاقية والسياسية والأمنية التى يفرضها الواقع القائم بالقطاع وفى إقليم الشرق الأوسط.
أول تلك الشروط، أن يكون مشروع إعادة الإعمار مشروعا متكاملا، بمعنى أن يتعامل المشروع مع قطاع غزة بأكمله. ولا يعنى ذلك بالضرورة أن يبدأ مشروع إعادة الإعمار على كامل القطاع فى نفس الوقت؛ إذ يمكن أن يتم تنفيذ المشروع بشكل مرحلى استنادا إلى خطة متكاملة معلنة منذ اليوم الأول.
الشرط الثاني، يتعلق بضرورة اقتران أى مشروع لإعادة الإعمار بوجود تعهدات دولية بعدم حدوث تهجير لسكان القطاع. بدون هذه التعهدات فإن مشروع إعادة الإعمار سيتحول إلى مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، وهو أمر غير مقبول، كما سيفتح إقليم الشرق الأوسط على سيناريو فوضى إقليمية عارمة لن تكون فى مصلحة أى طرف. فضلا عما سيمثله ذلك من جريمة أخلاقية وسياسية.
الشرط الثالث، يتعلق بضرورة وجود تعهدات وضمانات دولية بعدم تكرار العدوان الإسرائيلى على القطاع مرة أخرى؛ إذ ليس من المتوقع إقبال أى طرف على المشاركة فى مشروع إعادة الإعمار فى ظل وجود احتمالات بعودة التدمير مرة أخرى.
هذه الضمانات يجب أن تتوزع على نوعين؛
أولهما تعهدات مباشرة من جانب الأطراف المعنية بعدم عودة العدوان والتدمير مرة أخرى.
ثانيهما، بدء عملية تسوية سياسية تنتهى إلى تسوية عادلة ونهائية وتاريخية للصراع الفلسطينى الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية، باعتبار أن إنهاء الصراع هو الضمانة الفعلية والحقيقية لعدم عودة العدوان الإسرائيلى على القطاع والأراضى الفلسطينية مرة أخرى.
هناك خطة مصرية/ عربية مطروحة لإعادة إعمار القطاع، لعبت مصر دورا رئيسا فى صياغتها، وبناء مستوى ضرورى من الدعم العربى والدولى اللازم والضرورى لهذه الخطة.
إن وجود أكثر من مشروع لإعادة إعمار القطاع لا يخدم هذه المسألة. وهناك أيضا فرصة مهمة لدى الولايات المتحدة لكى تلعب دورا مهما فى نجاح هذا المشروع الإنساني/ الأخلاقي/ السياسي/ الأمني، على نحو يساهم فى ترميم ما لحق بالمنظومة الدولية من عطب كبير سبق العدوان الإسرائيلى على القطاع، لكن العدوان ساهم فى الكشف عنه وتعميقه بشكل خطير. نجاح عملية إعادة الإعمار هو جزء أيضا من مسئولية الولايات المتحدة كقوة مهمة على قمة النظام العالمى حتى تاريخه.
***
هناك أحاديث جرت خلال الأيام القليلة الماضية عن احتمالات وجود خطط لإعادة تعمير جزئى فى غزة، فتحت بدورها الشكوك حول جدية وجود هذا المشروع، وحقيقة الأهداف النهائية من ورائه
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية