تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«حالة جديدة» فى إقليم الشرق الأوسط
الأحداث الكبرى على مستوى أى إقليم تؤسس لتحولات مماثلة على مستوى السياسات والعلاقات الإقليمية. وتزداد احتمالات هذه التحولات عندما تتزامن هذه الأحداث مع حدوث تحولات على مستوى قمة النظام الدولي.
هذا هو ما يحدث فى إقليم الشرق الأوسط فى المرحلة الراهنة.
فقد جاء العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة ليؤسس لعدد من التحولات والمراجعات المهمة من جانب القوى الرئيسية بالإقليم، سواء فيما يتعلق بعلاقاتها الثنائية والإقليمية، أو علاقاتها بالقوى الدولية.
هذا النمط من التحولات لا يأتى بالتأكيد بشكل مفاجئ، حيث تأتى هذه التحولات كمحصلة لتراكمات من الأحداث، لكن العدوان الإسرائيلى جاء ليمثل فى أحد جوانبه اختبارا للعديد من الفرضيات والسيناريوهات التى طرحتها أو أثارتها التحولات الإقليمية المتراكمة التى سبقت هذا العدوان.
أول هذه التحولات المهمة ؛ يتعلق بمراجعة العلاقات القائمة بين القوى الرئيسية بالإقليم فى اتجاهين متكاملين؛ الاتجاه الأول، هو مراجعة العلاقات العربية - العربية، فى اتجاه إنهاء الاستقطابات القائمة.
ورغم أن هذا التوجه قد بدأ بالفعل قبل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، لكن العدوان دفع هذه العلاقات نحو مرحلة أو حالة أخرى، تجاوزت مسألة مجرد إنهاء الاستقطابات، إلى تدشين حركة عربية استنادا إلى وجود تهديدات مشتركة للمصالح العربية وأمن الإقليم بما يتضمنه ذلك من تهديد أمن العديد من القوى العربية.
القمم العربية، والقمم الثنائية والجماعية، وما صدر عنها من مواقف وبيانات رسمية مثلت مؤشرا مهما على هذه الحالة العربية الجديدة. العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة مثل أيضا اختبارا مهما لمدى صدق منهج التعاون الاقتصادى وغير الاقتصادى فى التعامل مع التحديات السياسية والأمنية بالإقليم، والذى روجت له حكومة الاحتلال الإسرائيلى خلال العقود السابقة على بدء العدوان.
فقد جاء العدوان بما لا يدع مجالا للشك ليؤكد عدم صدق حكومة الاحتلال فى هذا المنهج، بل وعدم فعاليته وصعوبة القفز على الواقع الأمنى والجيوسياسى القائم فى الإقليم، وقبل ذلك على واقع الصراع الإسرائيلى الفلسطيني،
والسياسات الإسرائيلية ليس فقط تجاه الفلسطينيين والأراضى الفلسطينية ولكن تجاه الإقليم بشكل عام.
لقد أصبح مفهوم الأمن القومى العربى أكثر وضوحا من أى مرحلة سابقة، وأساسا صلبا للحالة العربية الجديدة.
الاتجاه الثاني، هو إعادة النظر فى طبيعة العلاقات بين القوى العربية وقوى الجوار الإقليمى - خاصة إيران - فى اتجاه تعزيز حالة التفاهم العربي- الإيراني.
فلم يقتصر ذلك على دول الخليج العربي، لكنه شمل أيضا قوى عربية رئيسة أخرى وفى مقدمتها مصر. صحيح أن هذا التوجه لم يصل بعد إلى محطته الأخيرة، لكنه يشهد زخما مستمرا، ويمثل تحولا كبيرا بالمقارنة بحالة العلاقات العربية- الإيرانية خلال العقود السابقة على العدوان الإسرائيلى على غزة.
العدوان الإسرائيلى على القطاع عزز هذا التوجه من خلال تحويله إسرائيل إلى مصدر تهديد مشترك لأمن الإقليم، بقواه العربية وغير العربية، الأمر الذى خلق مساحة للتوافق الإقليمى حول مخاطر السلوك الإسرائيلى إزاء أمن ومصالح دول الإقليم، وإزاء ثوابته المستقرة منذ عقود، والتى حكمت علاقة قوى إقليمية رئيسية بإسرائيل.
التحول الثانى يتعلق بالاتجاه نحو الانفتاح على مناقشة الأفكار الخاصة بإنشاء آلية إقليمية أو عبر أقاليمية للتنسيق والتعاون، بهدف مواجهة التحديات الأمنية الكبرى بالإقليم؛ السياسية والاقتصادية والأمنية، على نحو ما جاء فى كلمة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام القمة العربية والإسلامية فى 15 سبتمبر الجاري، و«الرؤية المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة» التى اعتمدها مجلس جامعة الدول العربية فى دورته الوزارية فى الرابع من الشهر نفسه بمبادرة مصرية - سعودية.
هذا التوجه يشير إلى عدد من الدلالات والرسائل المهمة؛
أولاها وجود إدراك مشترك بأن إسرائيل باتت تمثل تهديدا مشتركا وحقيقيا لأمن دول الإقليم،
وثانيتها رفض قوى الإقليم هيمنة طرف بمفرده على الإقليم وانفراده بفرض ترتيبات أمنية محددة بشكل أحادى الجانب وعلى حساب أمن الإقليم وأطرافه الرئيسة، وهو ما أشار إليه أيضا فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته.
التحول الثالث، والذى جاء تجسيدا للتحول السابق، هو تعميق العلاقات الدفاعية والعسكرية بين بعض دول إقليم الشرق الأوسط ودول أخرى من خارج الإقليم، وهو ما جسده اتفاق الدفاع الاستراتيجى المشترك الذى تم توقيعه فى 17 سبتمبر الجارى بين المملكة العربية السعودية ودولة باكستان.
وبعيدا عن طبيعة هذا الاتفاق ومجال عمله، لكنه يظل تحولا نوعيا يعكس دلالات ورسائل إضافية لا تقل أهمية؛ أولاها أنه يكرس التوجه السابق الإشارة إليه نحو إنهاء انفراد الجانب الإسرائيلى أو أى قوة أخرى من خارج الإقليم بأية ترتيبات أمنية تخص الإقليم، ثانيتها أنه يعمق حالة الترابط والاعتماد المتبادل بين أمن إقليم الشرق الأوسط وإقليم جنوبى آسيا، وثالثتها ما يمثله الاتفاق من رسالة مهمة للقوى الدولية حول حدود الاعتماد عليها لحماية الأمن والسلم الدوليين فى ضوء السلوك الإسرائيلى الخطير تجاه الإقليم، وأن قوى الإقليم مازالت تمتلك العديد من الأوراق للتعامل مع ما تعتبره تهديدا لأمنها ولأمن الإقليم، وأن هناك واقعا جيوسياسيا لا يمكن تجاهله.
تلك أبرز التحولات الجارية بإقليم الشرق الأوسط، وهى تمثل رسالة مهمة للقوى الدولية، مفادها أن إسرائيل وسياساتها العدوانية فى الإقليم باتت تمثل عبئا على حلفائها، بل وعلى المنظومة القيمية الغربية وعلى المبادئ والأسس المستقرة داخل النظام الدولي. كما تمثل خطرا على علاقات هؤلاء الحلفاء ومصالحهم مع الإقليم ودوله. هذه التحولات تحتاج إلى قراءة دقيقة من جانب القوى الدولية وحلفاء إسرائيل، فى ظل مرحلة شديدة التعقيد دوليا وإقليميا.
التحول الثانى يتعلق بالاتجاه نحو الانفتاح على مناقشة الأفكار الخاصة بإنشاء آلية إقليمية أو عبر أقاليمية للتنسيق والتعاون، بهدف مواجهة التحديات الأمنية الكبرى بالإقليم؛ السياسية والاقتصادية والأمنية، على نحو ما جاء فى كلمة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية