تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قراءة فى هندسة المستقبل المصرى
في زمن تتبدل فيه خرائط العالم وتتسارع فيه إيقاعات التغيير، تقف مصر أمام لحظة فاصلة تدرك فيها أن طريق النهضة لا يُبنى من أعلى الهرم الإداري فقط، بل يبدأ من القاعدة العريضة التي تحمل الوطن: المحافظات، الوحدات المحلية، والشارع الذي يشهد تفاصيل الحياة اليومية.
فالتنمية التي تولد من قلب المحافظات هي وحدها القادرة على الصمود، لأنها تلمس الإنسان مباشرة وتعيد تشكيل نظرته إلى واقعه وقدرته على المشاركة في صناعة المستقبل. وهكذا انتقلت مصر من مفهوم التنمية المركزية إلى مفهوم «التنمية من القاعدة» التي ينطلق منها المجتمع بكامله نحو آفاق جديدة.
لقد تبنّت الدولة المصرية رؤية استراتيجية عميقة تُعيد توزيع القوة والقدرة داخل الوطن. لم تعد العاصمة وحدها مركز القرار أو التنمية، ولم يعد الريف مجرد أطراف بعيدة، بل أصبح محورًا رئيسيًا في مشروع الدولة الحديثة. وقد تجلّى هذا التحول في مبادرة «حياة كريمة»، التي تُعد أكبر تدخل تنموي شامل في تاريخ مصر.
فهي ليست مشروعًا لتحسين البنية الأساسية فحسب، بل إعادة هندسة اجتماعية وإدارية للريف المصري، ترتكز على رفع جودة الحياة وتمكين المجتمع المحلي وإحياء دوره في تحديد أولوياته ومتابعة تنفيذها. إنها ثورة هادئة تعيد للدولة جذورها العميقة في القرى والنجوع والمراكز.
وتتقدم الدولة بخطى ثابتة نحو تطبيق اللامركزية بوصفها ضرورة وليست خيارًا. فالمحليات لم تعد مجرد جهاز إداري يقدم خدمات تقليدية، بل أصبحت مؤسسة وطنية لإدارة المشكلات وتوليد الحلول وتحقيق العدالة الخدمية بين المواطنين. ومع توسع الرقمنة وتبسيط الإجراءات ورفع كفاءة العاملين، باتت الوحدات المحلية أكثر قدرة على الاستجابة لاحتياجات المجتمع، وأكثر اتصالًا بالمواطن، وأكثر تأثيرًا في حياته اليومية.
وفي الوقت نفسه، تشهد المحافظات طفرة غير مسبوقة في تطوير البنية التحتية: طرق ومحاور كبرى، شبكات مياه وصرف وكهرباء، تطوير شامل للمدارس والمستشفيات، وتوسيع للمناطق الصناعية والخدمية. هذه الجهود ليست تحسينات سطحية، بل تأسيس لاقتصاد محلي قوي يصنع فرص عمل حقيقية ويعزز استدامة التنمية داخل كل محافظة، بحيث لا يضطر المواطن إلى الهجرة إلى العاصمة بحثًا عن فرصة أو خدمة.
وترافق ذلك مع إعادة بناء الجهاز المحلي نفسه، من خلال إعداد منظومة حديثة تمنح العاملين التدريب والتمكين والقدرة على التخطيط والمتابعة. وتعمل الدولة أيضًا على تحويل المحافظات إلى كيانات اقتصادية متخصصة؛ فهناك محافظات صناعية، وأخرى زراعية، وثالثة سياحية وثقافية، وفق رؤية تهدف إلى تنويع مصادر القوة الاقتصادية وتوزيعها بعدالة على جغرافيا الوطن.
وفي قلب هذا المشروع الوطني، تبرز جهود الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، التي تقدم نموذجًا للقيادة الهادئة الفاعلة، القائمة على الانضباط، الحسم، الرؤية، والكفاءة. فقد استطاعت أن تعيد صياغة فلسفة الإدارة المحلية على أسس علمية ومجتمعية متوازنة، وأن تضع خدمات المواطن وتمكين المحافظات في مقدمة أولويات الوزارة، مؤكدة أن التنمية ليست مباني تُشيَّد، بل قدرات تُبنى ومؤسسات تُفعَّل وشراكات مجتمعية تتسع.
إن اختيار الدولة أن تبدأ نهضتها من المحافظات ليس قرارًا تقنيًا، بل قرار وطنى يعكس إيمانًا عميقًا بأن مستقبل مصر لن يصنعه المركز وحده، بل يصنعه إنسان يعيش في قرية تستعيد حيويتها، ومحافظة تستعيد دورها، ووحدة محلية تستعيد قدرتها على تقديم الخدمة بكفاءة ومسئولية. فالتنمية الحقيقية تُقاس بقدرتها على تغيير حياة الناس، لا بعدد التصريحات أو حجم الاحتفالات.
وهكذا تتجه مصر اليوم نحو بناء «دولة متعددة المراكز»، دولة تتوزع فيها فرص النمو على امتداد خريطة الوطن من السلوم إلى حلايب، ومن دمياط إلى أسوان. إنها دولة تُعاد صياغتها من الجذور، من القرى والأحياء، حيث يلتقي صوت الناس مع قرار الدولة في نقطة واحدة هي مصلحة الوطن.
إن النهضة المصرية المعاصرة تثبت حقيقة واضحة: أن قوة الدولة تُبنى من قوة محافظاتها. ومن المحليات، حيث يتفاعل المواطن والدولة وجهًا لوجه، تبدأ القصة الحقيقية لمصر القادمة. قصة عنوانها: نهضة تبدأ من القاعدة… وتصعد نحو القمة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية