تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

مصر وإيران.. وسقوط الحواجز!

أعادت التوترات الحادة فى الشرق الأوسط، مؤخرا، الحديث عن مستقبل العلاقات بين القاهرة وطهران؛ خاصة بعد الموقف المصرى الرافض - رسميا وشعبيا - للعدوان الإسرائيلى على إيران، خلال حرب الاثنى عشر يوما، والاشتباك المباشر بين الطرفين، من دون وكلاء، بالحديد والنار واللحم الحي.

 

مارست القاهرة، خلال الأزمة، نوعا من الحياد النشيط؛ راعت التوازنات الإقليمية الدقيقة، مثل علاقاتها مع دول الخليج والولايات المتحدة، فى الوقت نفسه سعت بخطى دبلوماسية حثيثة لوقف التصعيد وتبريد الجبهات؛ حتى لا تنزلق المنطقة إلى حرب موسعة؛

أجرى الرئيس السيسى مباحثات هاتفية مع الرئيس الإيرانى بيزشكيان، وتواصل بدر عبدالعاطى وزير الخارجية مع نظيره الإيرانى عباس عراقجي. بينما أدان الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب «عدوان الكيان المحتل»، واعتبر صمت المجتمع الدولى عن هذا «الطغيان» شراكة فى الجريمة، ومحاولة لجرّ المنطقة لحرب شاملة، لا رابح فيها إلا «تجار الدماء والسلاح».

على المستوى الشعبى، أظهرت قطاعات من المصريين تعاطفا مع إيران، فى مواجهة العدوان الإسرائيلى، وبرغم إدراكهم تفاوت القدرات العسكرية للطرفين، احتفوا بمشهد الصواريخ الإيرانية التى طالت منشآت الاحتلال العسكرية والاقتصادية، أطلقوا- كعادتهم- قذائف السخرية من رموز الاحتلال؛ لا بمنطق «عدو عدوى صديقي»، بل الوعى بخطورة نهج تل أبيب التوسعى، ومحاولتها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على مقاسها.

ينظر كثير من المصريين إلى إيران بوصفها منافسا إقليميا لبلادهم، وليس مصدر تهديد لاستقرار المنطقة؛ قياسا بإسرائيل التى يعدونها مصدر التهديد الأكبر بالنظر إلى سلوكها العدوانى تجاه الفلسطينيين والعرب عموما؛ لذلك ظلوا يأملون ألا تنكسر إيران، وألا يسقط نظامها بالقوة، كى لا يستبدل بأحد البدائل التى تروج لها إسرائيل؛ هكذا مثلت محاولات احتواء الحرب، محطة جديدة فى مسار العلاقات المصرية - الإيرانية، وأسقطت الحواجز أمام عودتها المرتقبة إلى سابق عهدها.

قطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، ثم استؤنفت على مستوى القائم بالأعمال، ومازالت، لكنها تشهد حراكا، خلال الآونة الأخيرة، مع تبدل معادلات الإقليم؛

ما يعكس تبلور إرادة مشتركة؛ لتوسيع التعاون السياسى والاقتصادي؛ قامت إيران مؤخرا بإزالة اسم قاتل الرئيس السادات (خالد الإسلامبولي) من على أحد شوارع طهران، فى خطوة رمزية تظهر أن أبواب تحسين العلاقات الثنائية باتت مفتوحة.

فيما مضى، فضلت طهران تركَ الأزمة فى عهدة الزمن، بينما تعاملت معها القاهرة بفتور، اليوم لا ينفك وزير الخارجية الإيرانية عراقجى يؤكد الأهمية التى توليها بلاده لتطوير العلاقات مع مصر، وقال: إن «العلاقة معها حاليا أفضل من علاقاتنا مع دول كثيرة تربطنا بها علاقات دبلوماسية». وذلك رغم عدم تبادل السفراء بين البلدين، والذى يبدو أنه يلوح فى الأفق، خاصة مع ارتفاع منسوب الثقة، وطرح نقاط تفاهم تبنى جسورا بينهما، دون ضجيج، مع البحث عن ضمانات تسكن هواجس الجميع بالمنطقة، وكبح أحلام التمدد الإيرانى على حساب العواصم العربية.

إن عوامل التقارب بين مصر وإيران أكبر من مسببات التباعد؛ كلاهما قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، وتجمعهما تحديات متشابهة على صعيد الأمن الإقليمى، أو الضغوط السياسية والاقتصادية، تدفعهما إلى مزيد من التقارب المحسوب، وتتلاقى مصالحهما فى جملة ملفات، مثل وقف العدوان الإسرائيلى على غزة، وضمان أمن واستقرار الخليج العربى، وحرية الملاحة بالبحر الأحمر، وتهدئة التوترات الإقليمية.

إن الرغبة الإسرائيلية فى الهيمنة على الشرق الأوسط، بدعم غربى، وتهميش القوى الأخرى، ومحاولات تنفيذ مخطط التهجير، تعد كلها دوافع أساسية للتقارب المصرى الإيرانى، لتخفيض حدة المواجهات، وتوسيع دوائر الحوار بين القوى الإقليمية؛ هذا التقارب - إن حدث - يمثل رسالةً إلى قوى إقليمية ودولية؛ لرفض تكريس واقع جديد على حساب توازنات الإقليم ومصالح شعوبه العريقة.

ورغم أن هذا التقارب «تكتيكي» فى بعض جوانبه، فإنه مرشح ليكون جزءا من رؤية استراتيجية، تقوم على استقلالية أكبر فى السياسة الخارجية المصرية، تطمئن الأطراف التى ربما لا ترتاح لوجود علاقات مع طهران.

وفى ظنى، أن دول الخليج ترحب بوجود علاقات موثوقة بين القاهرة وطهران؛ لأن هذا سيكون ضمانة وحاجزا أمام أى اندفاعة إيرانية لتهديد الأمن الخليجى، المثال الساطع هنا هو العلاقات بين سلطنة عمان وإيران التى هى بمثابة قنطرة للتفاهم ومنع التصعيد بين عرب الخليج وإيران، بالمثل يمكن أن تصبح العلاقات المصرية - الإيرانية أيضا ثقلا فى ميزان بلدان الخليج.

النبأ الجيد أن هذا الواقع الجديد قد يشكل مهادا طبيعيا؛ لإعادة صياغة العلاقات بين القوى الإقليمية الأساسية: مصر والسعودية وتركيا وإيران، وربما باكستان، صحيح أن هناك تباينات بين هذه القوى، لكن ذلك لا يحجب إمكانية إيجاد منصات للتعاون بينها، تتوافق مع مصالحها ووضعيتها بوصفها قوى تقليدية بالمنطقة، ما يعتبر خريطة طريق للحفاظ على التوازن الإقليمي.

وهذا يصب فى مصلحة القاهرة التى تعمل على توسيع هامش المناورة، فى ظل اشتعال الجبهات من حولها؛ تقاوم محاولات تحجيم أدوارها، عبر عقد شراكات استراتيجية مع القوى المؤثرة، ولا شك فى أنها تحلت بقدر من الوعى والمرونة لتوطيد علاقاتها مع أطراف دولية، كالصين وروسيا ودول أوروبا، أو إقليمية، مثل تركيا،

وها هى إيران قد تنضم للركب، فى إطار سياسات مصر تنويع الشركاء والحفاظ على المصالح الوطنية والقومية، من موقع الندية والقوة، لا الاستتباع والانبطاح!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية