تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصر وإثيوبيا ومجلس الأمن
جددت مصر اعتراضها على الخطوات الأحادية الإثيوبية بشأن سد النهضة، التى تهدد استقرار الإقليم والعالم، أرسل الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية خطابا إلى مجلس الأمن الدولي، أشار فيه إلى أن أديس أبابا أفشلت المفاوضات بشأن السد، على مدى 13 عاما، لأنها ترغب فى التفاوض بلا سقف زمني، لتكريس أمر واقع، دون إرادة للحل، مبينا أنها خرقت «اتفاق المبادئ»، وتحاول إضفاء الشرعية على سياساتها المناقضة للقانون الدولي، بمزاعم لا أساس لها.
عبدالعاطى حذر من أن هذه السياسات سيكون لها آثار خطيرة على دولتى المصب، مؤكدا أن مصر مستعدة لاتخاذ جميع الخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها.
ليست هذه المرة الأولى التى تخاطب مصر فيها مجلس الأمن بشأن السد الإثيوبى، قدمت شكوى فى أكتوبر الماضى عقب انتهاء إثيوبيا من الملء الرابع للسد، وها هى تعيد الكرّة مع الملء الخامس، وسبق لمجلس الأمن أن اعتمد، فى سبتمبر 2021، بيانا رئاسيا دعا فيه الدول الثلاث لاستئناف مفاوضات السد، برعاية الاتحاد الإفريقى.
حرصت مصر على عدم تعكير العلاقات مع دول حوض النيل، لاسيما إثيوبيا، مارست «الصبر الإستراتيجى» قولا وفعلا، حتى فاض الكيل. أخطأت إثيوبيا فهم الرسالة على الوجه الصحيح، وأحسب أن الشكوى المصرية الأخيرة إلى مجلس الأمن ترمى إلى هدفين، الأول وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته فى حفظ الأمن والسلم الدوليين. الثانى إبراء الذمة بشأن مستقبل الأزمة التى تُلقى بظلالها الغائمة على: حوض النيل، والقرن الإفريقى، والبحر الأحمر، فى ظل الصلف الإثيوبى المتواصل.
يحتاج الأمر إلى تدخل جدى من مجلس الأمن، حتى لو استدعى الأمر فرض عقوبات على إثيوبيا وفق القانون الدولى، ويمكن لمصر اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطرح تصويت على قرار يؤكد الانتهاكات الإثيوبية لحقوق مصر والسودان، أو طلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية، حول مدى شرعية التصرفات الإثيوبية الأحادية.
تصرّ إثيوبيا على إفشال محاولات التفاهم مع مصر والسودان، ردت على خطاب مصر لمجلس الأمن بتكرار أكاذيبها المعهودة، زعمت أنها نفذت «إعلان المبادئ» بشأن السد تماما، وأن مطالب القاهرة فى النيل غير معقولة (كذا)، ولم تنس أن تضيف الجملة الخالدة: «مستعدون لحل الخلافات حول النيل عبر مفاوضات حقيقية»، ترافق ذلك مع إطلاق رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد سيلا من التصريحات العنترية. تراوغ أديس أبابا، تكذب بلا توقف، لا تبنى سدا للنهضة، بل ترصف طريقا تسير عليه الفتن والخراب، تسعى لتوتير الأجواء، فى منطقة متخمة بالأزمات، تجور على حقوق الآخرين، أرضهم ومياههم، تريد صراعا يكون بمنزلة «جهاز اشتعال» و«خزان وقود»، يستطيع آبى أحمد أن يلعب به، لتعبئة الشعوب الإثيوبية المتناحرة، فى وجه عدو خارجى (متوهم) هو مصر.
اكتشف آبى أحمد أن بلاده على حافة هاوية الحرب الأهلية بين عرقياتها المتنافرة، ركام من بقايا حقائق وأكاذيب، «أوهام إمبراطورية» ليس بينها «وتد» يمكنها التعلق به إلا اختراع عداوات مع دول الجوار واجترار أطماعها فى مقدراتهم، بالأمس القريب وقعت إثيوبيا اتفاقا مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه على ميناء وقاعدة عسكرية بحرية، مقابل اعترافها باستقلال الإقليم، غضب الصوماليون، طردوا السفير الإثيوبى من مقديشو، طلبوا الدعم والمعونة من مصر وآخرين لمواجهة الخطر الإثيوبى، كما تسعى إثيوبيا لقضم أراض من الصومال والسودان وإريتريا والهيمنة على جيبوتى وجنوب السودان.
ترفض القاهرة، جملة وتفصيلا، النهج الإثيوبى المثير للقلاقل مع جيران يرغبون فى تعزيز التعاون، بدلا من زرع التوترات بين الشعوب على طول مجرى النيل والاستئثار بمياهه وتلويث مياه البحر الأحمر وفضاء القرن الإفريقى بالصراعات. فى الوقت نفسه تحاول القاهرة تجنب الصراع مع أديس أبابا، تبذل جهودا دبلوماسية، إقليميا أو دوليا، لتوضيح خطورة التعنت الإثيوبى، أدى ذلك إلى تصنيف أزمة السد تهديدا للسلم الإقليمى والدولي. حولت ديناميات التعامل الإثيوبى مشكلة السد، من نزاع فنى حول المياه، إلى ساحة تنافس جيوإستراتيجى، تتهرب من توقيع اتفاق قانونى يضمن لمصر والسودان التدفقات المائية المعتادة فى سنوات الجفاف والجفاف الممتد، والتنسيق فى تشغيل السدود.
تدرك مصر أن مسيرة التاريخ احتكاك مطالب ومصالح، ضغوط مشاق ومصاعب، لكنها تعلم أيضا أن الحركة بغير حكمة فى مثل هذا الواقع، رد فعل لا إرادى، أقرب للتشنج منه إلى الفعل الواعى، مثلما أن الخوف ليس مطلوبا، عندما تكون فرص النجاة محدودة. أحسنت القاهرة، فى الفترة الأخيرة، بانخراطها فى شراكات أمنية واقتصادية مع الدول المحيطة بإثيوبيا، لكن هذا يتطلب إستراتيجية تحرك لحشد التأييد لإلزام إثيوبيا بتوقيع اتفاق قانونى حول السد، وضمان ديمومة التأثير المصرى فى القرن الإفريقى، حتى تبعث مصر برسالة واضحة أنها لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى تهديد لمصالحها، خاصة حصتها بمياه النيل.
لا ينكر أحد أن الدولة المصرية تواجه تحديات معقدة، فى ضوء العدوان الإسرائيلى على غزة شرقا، والانقسام الليبى غربا، والاحتراب السّودانى جنوبا، وهجمات الحوثيين على الملاحة بالبحر الأحمر وتأثيرها على موارد قناة السويس، لكن تفاعلات النظام الدولى فى المرحلة الراهنة قد تقلل صور الرعاية الممنوحة لإثيوبيا من جانب قوى إقليمية ودولية، فى ظل الحالة الصراعية بين الغرب وروسيا.. ما يعنى أنه على مصر اغتنام الفرص!.
M_ha7@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية