تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لماذا تنحاز أمريكا لإسرائيل؟!
«شكرا لأمريكا لوقوفها معنا اليوم وغدا ودائما»، هذا ما قاله بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ تعقيبا على تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن المؤيدة بقوة للحرب العدوانية التى تشنها الدولة العبرية على غزة، وإرساله حاملة الطائرات الأضخم «جيرالد فورد» قبالة الشاطئ الإسرائيلى لإظهار «العين الحمراء» لأى طرف يتدخل عسكريا لإنقاذ الفلسطينيين من التدمير والتجويع والتهجير، فى تناقض مع قيم الحرية وحقوق الإنسان التى تنادى بها واشنطن فى سياساتها الخارجية، بل وتناقض مع المصلحة الأمريكية المفترضة مع الدول العربية والإسلامية،
لا غرابة.. ذات مرة وصف بايدن نفسه بأنه «صهيوني»، وأنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لوجب اختراعها؛ من ثمّ يمكن فهم تماهى أمريكا وأوروبا مع مخططات الاحتلال لتصفية القضية إلى الأبد وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن إن أمكن، وهى المخططات التى ظلت كامنة فى الكواليس؛ حتى خرجت على مسرح الأحداث، مؤخرا، بعد عملية «طوفان الأقصى»!
الانحياز الأمريكى السافر لإسرائيل ليس جديدا، بعد دقائق من إعلان تأسيس إسرائيل، فى 14 مايو 1948، اعترف الرئيس الأمريكى هارى ترومان بالدولة الجديدة، ومن ساعتها وحتى اليوم لم تتوان واشنطن عن دعم الدولة اليهودية، هناك مقولة كاشفة لإسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق: الدعم الأمريكى لبلادنا لا يمكن مقارنته بأى دعم آخر فى التاريخ الحديث، نتلقى أكبر دعم عسكرى واقتصادى أمريكى بنحو 500 دولار لكل إسرائيلى سنويا. يختلف الساسة وصناع القرار فى واشنطن حول كل الملفات تقريبا، لكنهم يتفقون غالبا حول مؤازرة تل أبيب، ويتبارى مرشحو الرئاسة الأمريكية بإظهار تفانيهم الشخصى فى حب إسرائيل.
العلاقة بين إسرائيل والغرب موضوع معقد وعميق، قواسم مشتركة، تقتدى حرب الإبادة التى تشنها الدولة اليهودية على الشعب الفلسطينى بحروب إفناء الشعوب الأصلية من الهنود الحمر وغيرهم فى أمريكا الشمالية والجنوبية؛ وتتنوع الأسباب الكامنة لعلاقة الغرب وإسرائيل بين الدوافع المصلحية والمادية والتاريخية المتعلقة بموروث الحقبة الاستعمارية وحتى الحروب الصليبية،
وهوية الدولة الأمريكية المسيحية البروتستانتية المتأثرة باليهودية، لدرجة بروز مصطلح «المسيحية الصهيونية» التى يؤمن أتباعها بضرورة إقامة كيان يهودى فى فلسطين؛ تمهيدا للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه مملكة الألف عام، بالإضافة إلى دوافع أخرى إستراتيجية وسياسية واقتصادية؛ على نحو ما أوضح الدكتور عبدالوهاب المسيرى فى كتابه «اليهود واليهودية والصهيونية».
حاول الأمريكيان الدكتور ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد والدكتور جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاجو، البحث عن سر العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أشار ستيفن والت إلى أن القول المعتاد بأن إسرائيل هى أحد الأصول الإستراتيجية الحيوية لأمريكا، وأنهما تتشاركان القيم نفسها، لا يمكن أن يفسر كل هذا الدعم غير المشروط المقدم من قبل الولايات المتحدة؛ منبها إلى أن هذا الدعم الأمريكى السخى لتل أبيب يعد أحد الأسباب الكامنة للإرهاب، وعبئا إستراتيجيا على أمن واستقرار أمريكا،
وفيما يتعلق بالقيم، فإن تعامل إسرائيل مع مواطنيها العرب والفلسطينيين الذين تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية يتناقض مع القيم الأمريكية. ويرجع والت الدعم الأمريكى المفرط لتل أبيب إلى «اللوبى الصهيوني» الموالى لإسرائيل فى أمريكا، وهو تحالف فضفاض من أفراد وجماعات يعمل للتأثير على السياسة الأمريكية فى اتجاه مؤيد للدولة العبرية، ويضم المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، مثل «أيباك» والمجموعات المسيحية الصهيونية، وتتمثل آلية عمل هذا اللوبى فى مسارين: التدخل فى الانتخابات الأمريكية المختلفة، بدعم مرشحين معينين وتسهيل وصولهم للمناصب الحكومية، أيضا تقديم حوافز لهم لتنفيذ السياسات المطلوبة وسن التشريعات؛ لدرجة أن معظم أعضاء مجلسى النواب والشيوخ يدركون أن أى محاولة للحد من الدعم الأمريكى لإسرائيل هو «لعب بالنار»؛ يعرض فاعله لاتهام خطير «معاداة السامية»، بل إن الرئيس الأمريكى جيمى كارتر راعى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم يشفع له ذلك؛ عندما أصدر كتابه «فلسطين: السلام لا الفصل العنصري»، والذى أشار إلى أن قيام أى سياسى أمريكى بانتقاد إسرائيل كمن ينتحر سياسيا، محذرا من استمرار الواقع الفلسطينى الراهن؛ فهاجمته جماعات الضغط الإسرائيلية مطالبة باعتذاره عما كتب.
يطول نفوذ اللوبى الموالى لإسرائيل كل جوانب الحياة الأمريكية الثقافية والإعلامية والعسكرية والعلمية والاقتصادية والسياسية، وقد تقصى جون ميرشايمر التأثيرات السلبية لضغوط ذاك اللوبى على السياسة الخارجية الأمريكية ومصالحها، وضرب مثلا بتداعيات مناصرة الولايات المتحدة الممارسات الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة، إذ تفضى إلى غضب كبير فى العالمين العربى والإسلامي؛ ما يغذى التطرف والإرهاب، موضحا أن دعم الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية وحماية إسرائيل من الإدانات الدولية باستخدام الفيتو وغيره، كان أحد أبرز دوافع منفذى هجمات 11 سبتمبر، ويوضح أن اللوبى قاد دفة واشنطن إلى غزو العراق، وهو أحد أكبر الأخطاء الفادحة فى التاريخ الأمريكي.
لا يمكن إنكارقوة اللوبى الإسرائيلى فى واشنطن، لاسيما فى الأزمة الحالية، إلى حد أن نيتانياهو تبجح بأنه سيغير «الشرق الأوسط»؛ لكن من المبالغة الأسطورية القول بأن اللوبى يتحكم بمفاتيح الأمور فى البيت الأبيض، فما تعاظم نفوذ إسرائيل إلا بقدر ضعف المنافسين وتهافت همتهم، فالدول التى تفرط فى قدراتها تصبح نهبا للآخرين.
يقول جبران: «أعان الله الصامتين على ضجيج قلوبهم»!.
M_ha7@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية