تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. محمد حسين أبوالحسن > قمة أسمرة.. وحماية الأصول الاستراتيجية!

قمة أسمرة.. وحماية الأصول الاستراتيجية!

الخميس الماضى، احتضنت العاصمة الإريترية أسمرة قمة بين رؤساء مصر وإريتريا والصومال، كان أبرز بنود بيانها الختامى: الحفاظ على وحدة الصومال ودعمه بمواجهة أى إجراءات تنتقص سيادته، أو تهدد بتفكيك دول القرن الإفريقى.

مثلت القمة استجابة لتطورات عاصفة؛ عقب اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال الانفصالية كدولة مستقلة، وإبرام مذكرة تفاهم معها، يناير الماضى، لاستئجار 20 كم على ساحل خليج عدن، ما يهدد بتمزيق الصومال.

استشاط الصومال غضبا؛ ووصف الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد،بـ«شرير القرن الإفريقى»!.

كانت مصر من أولى الدول التى رفضت الاتفاق غير الشرعى بين إثيوبيا وأرض الصومال، وطالبت باحترام القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى، الذى ينص على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها وعدم التدخل فى شئونها.المفارقة أن إثيوبيا دولة مقر «الاتحاد الإفريقي» تنتهك قراراته بصلف!.

يشرف الصومال على مدخل البحر الأحمر البوابة الجنوبية لقناة السويس، والخطوات الإثيوبية العدوانية تجاهها تهدد الأمن القومى المصرى؛ وتقوض الاستقرار الهش بالقرن الإفريقى.

تمتد العلاقات المصرية - الصومالية إلى آلاف السنين، وهى تكتسب قوة دفع إضافية مع استفحال الصراعات فى المنطقة المضطربة التى تضم إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتى، وعصفت بها حروب كثيرة، دارت رحاها بين إثيوبيا والصومال قادت لانهيار الدولة الصومالية، إثيوبيا وإريتريا، حرب أهلية فى إثيوبيا؛ كلمة السر فى توترات الإقليم هى أطماع إثيوبيا؛ أيقظت محاولاتها المحمومة للسيطرة على «أرض الصومال»، مخاوف الصومال وإريتريا وجيبوتي؛ وأججت الخصومات الإقليمية.

باتت إثيوبيا دولة مارقة لا دور لها سوى زعزعة الاستقرار فى إفريقيا، تهدد أمن مصر والسودان المائى،وتصدر الإرهاب إلى الصومال، تثير الاضطرابات فى إريتريا وجيبوتى، كما أن محاولة إخراج مصر من السودان بتمرد الميليشيات تمت بتدبير إثيوبى مع آخرين؛ إثيوبيا هى النسخة الإفريقية من إسرائيل،

وإذا كانت إسرائيل تسعى لتغيير الشرق الأوسط، فإنَّ إثيوبيا تريدالهيمنة على القرن الإفريقى، وتمنى النفس بفرض الأمر الواقع بشأن مياه النيل العنصر المحورى فى الديناميات الجيوسياسية الأوسع فى قلب القارة.

إن أمن القرن الإفريقى إحدى ركائز الأمن القومى المصرى، تشرف المنطقة على نهر النيل والبحر الأحمر، لاتستطيع القاهرة أن تقف متفرجة، أمام أزمات إقليمية تؤثر بشدة على قدرتها، على تحمل الضغوط المتنامية أو احتواء الفوضى من النوع الذى تنشره إثيوبيا فى الجوار.

مصر هى الكيان الأقوى فى إفريقيا، وهى مطالبة طوال الوقت بحماية أصولها الاستراتيجية خارج حدودها، بكل أبعادهاالعسكرية والاقتصادية والثقافية، إلخ؛بوصفها أهدافا طبيعية للجهد الجيو ـ سياسى المصرى، والذى ينبغى أن يكون ضمن تفاهم مع قوى إقليمية ودولية؛ يمكن للقاهرة أن تقدم الكثير لمقديشو فى عملية إعادة بناء الجيش الصومالى، للحفاظ على وحدة أراضيه، كى يتصدى لأى محاولات غزو لأراضيه، بعد الاتفاق بين هرجيسا وأديس أبابا.

وقعت مصر والصومال، أغسطس الماضى، اتفاقية تعاون عسكرى، وشددت القاهرة على أنها لن تسمح بأى اعتداء على سيادة الصومال، بوابة حماية مصالحها فى باب المندب هذا من جانب، ومن جانب آخر مساعدة الصومال على مكافحة الإرهاب، لاسيما أنه يخوض حربا شرسة ضد حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة.

أظهرت القمة الثلاثية حالة التوافق بين مصر وإريتريا والصومال على ضرورة ضمان سلامة الملاحة الدولية فى البحر الأحمر؛ يعتمد مستقبل الأمن البحرى فى القرن الإفريقى على التوازن الدقيق بين حماية المصالح المشروعة، واحترام السلامة الإقليمية؛ ما يؤكد أهمية تعزيز التعاون المشترك لصيانة مصالح شعوب المنطقة، وتضييق الخناق على دعاة الفوضى والإرهاب سواء من الجماعات المتطرفة أو الدول مثل إثيوبيا، فى ظل رغباتها العدوانية للتوسع والهيمنة على حساب الدول المحيطة بها.

أيضا تكثيف الجهود لتحقيق الاستقرار فى السودان ودعم مؤسساته الوطنية، وتوطيد التعاون،جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقى،فى جميع المجالات، مع احتمال انضمام السودان وجيبوتى إلى أطراف قمة أسمرة.

تكبدت مصر خسائر فادحة على المستويات كافة، نتيجة غيابها عن إفريقيا، خلال الثلاثين عاما الماضية؛ تعرض أمنها القومى لأخطار وجودية، خاصة فى قضية سد النهضة وتوابعها، وأهدرت فرصا هائلة، ومنحت قوى منافسة الفرصة لملء الفراغ الذى تركته، اليوم تعمل مصر جاهدة لتصويب مسار علاقاتها مع شعوب القرن الإفريقى،

التحرك المصرى خطوة تأخرت كثيرا، لكنها تأتى فى الاتجاه الصحيح، ومن شأن الاتفاقات العسكرية وغير العسكرية التى أبرمتها القاهرة مع الدول المحيطة بإثيوبيا، مثل أوغندا وكينيا وإريتريا والصومال، أن تعزز دور مصر كلاعب رئيسى فى الإقليم، وتستعيد حضورها كنصير استراتيجى للمجتمع الدولى فى المنطقة، بالتحالف مع دولها على قاعدة تلاقى المصالح؛ هذا يبعث برسائل واضحة فى بريد الآخرين، ويجعل من هذه الاتفاقيات مؤشرات جادة على إمكانية «العمل على الأرض»، عند اللزوم.

من حسن الطالع أن أعلنت أوغندا، عقب القمة الثلاثية، إرجاء الاجتماع الأول لدول اتفاقية «عنتيبى»، وهى اتفاقية مجحفة لمصر والسودان.

الأجواء متوترة والاحتمالات مفتوحة، لكن الرهان على مواصلة الضغوط؛ كى تئوب إثيوبيا إلى رشدها ولا تخرج الأمور عن حدود اللعب النظيف، ويحل التعاون بدلا من الصراع، خاصة أن أنباء أديس أبابا تشير إلى اتساع تمرد «ميليشيا فانو» ضد نظام آبى أحمد، ما يدل على تصدع فى الجبهة الداخلية!.

M_ha7@hotmail.com

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية