تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فرصة عظيمة لمصر!

أثبتت مصر أنها قوة استقرار فى أوقات الأزمات، من خلال دورها المحورى فى قضايا إقليمية وعالمية؛ وتقديرا لهذا الدور أصبحت أول دولة إفريقية متوسطية تُشارك فى برنامج «هورايزون أوروبا» أو «أفق أوروبا»، أكبر برنامج بحثى وابتكارى فى العالم بميزانية 100 مليار يورو.

 

هكذا يقدر الاتحاد الأوروبى دور مصر؛ ويتيح لها أدوات تعزز أداءها هذا الدور بكفاءة أكبر، و«أفق أوروبا» إحدى هذه الأدوات فائقة الأهمية، خطوة نوعية فى مسار العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وبروكسل، تعكس التحول من الدعم المالى التقليدى إلى شراكة قائمة على المعرفة والابتكار والتكامل.

وهذا لا يرمز فقط إلى اعتراف أوروبى بإمكانات مصر البحثية، بل يشير إلى رغبة فى إدماجها ضمن المنظومة العلمية الأوروبية، فى لحظة تتزايد فيها أهمية التكنولوجيا فى صياغة القوة الدولية.

إن انضمام مصر إلى «هورايزون أوروبا» يفتح الباب أمام الباحثين والجامعات والمراكز، للمشاركة مع مؤسسات أوروبية مرموقة فى مشاريع بحثية، في: الطاقة، الصحة، البيئة، التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعى، والزراعة الذكية؛ والتحول الأخضر؛ وبالتالى نقل المعرفة والتكنولوجيا وتطوير القدرات العلمية المصرية، خاصة فى القطاعات الحيوية؛ لترجمة الأولويات المشتركة إلى عمل يعود بالنفع على الجميع.

إن برنامج «أفق أوروبا» فرصة حقيقية لبلادنا، نحن فى أمس الحاجة إليها، ولابد من اغتنامها بأقصى سرعة وكفاءة وكثافة؛ تتيح للباحثين المصريين الاندماج فى الشبكات الدولية وتمويل المشروعات العلمية وربطها بالصناعة؛ ما يعزز حلقات الوصل بين أوروبا وإفريقيا. لكن ذلك مرهون بقدرة مصر على استثمار الانفتاح الغربى وتكييف سياساتها الاقتصادية والتعليمية؛ وفقا للمعايير الأوروبية، ولو أن القاهرة نجحت - ولا خيار أمامها غير ذلك- فإنها ستتحول خلال العقد المقبل إلى مركز إقليمى للبحث والابتكار فى جنوب المتوسط؛ بما يعزز مكانتها كفاعل استراتيجى لا غنى عنه فى معادلة الأمن والتنمية إقليميا وعالميا.

تقع جودة التعليم والبحث والابتكار فى قلب جهود الأوطان لتحقيق الرخاء، والتعاون الدولى إحدى بوابات الخبرات والمعارف والاستثمارات اللازمة لدفع عجلة التقدم. لا يقتصر تقدم الأمم على الموارد الطبيعية أو القوة العسكرية، بل يعتمد أساسا على القدرة على إنتاج المعارف وتسخيرها من أجل التنمية. يذهب الدكتور انطوان زحلان، فى كتابه «العلم والسيادة» إلى أن العلم والتكنولوجيا ركيزتان للسيادة الوطنية والاستقلال الحقيقى، وردم الفجوة التكنولوجية مع الخصوم والتغلب على التحديات؛ لأن استيراد التكنولوجيا دون بناء قدرات وطنية يؤدى إلى تبعية دائمة؛ فالتكنولوجيا المستوردة، مهما كانت متقدمة، لا يمكن أن تحقق تنمية مستدامة إذا لم تُدمج ضمن نسيج اقتصادى واجتماعى محلى.

هذا يعنى أن الدول بحاجة إلى بنية تحتية علمية، تشمل المختبرات والمراكز البحثية والجامعات القادرة على إنتاج معرفة تتناسب مع احتياجات شعوبها. إن العلم والتكنولوجيا ليسا مجرد وسائل لتحسين الإنتاجية أو تطوير الصناعات، بل أدوات تمكّن الأمم من السيطرة على مصيرها. والشعوب التى تستثمر فى البحث العلمى وتطوير التكنولوجيا تستطيع التغلب على المعوقات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية. على سبيل المثال، استطاعت اليابان وكوريا الجنوبية أن تحول نفسها من اقتصادات مدمرة بعد الحرب العالمية الثانية إلى قوى اقتصادية عالمية، من خلال الاستثمار الضخم فى التعليم والبحث العلمى والابتكار التكنولوجى.

من الخطأ الاعتقاد بأن السيادة الوطنية تتحقق بالاستقلال السياسى فقط، بل بقدرة الأمة على إنتاج المعرفة وتطوير التكنولوجيا التى تخدم أهدافها؛ فالعلم والتكنولوجيا يمنحان الأمم القدرة على مواجهة التحديات. ولتحقيق السيادة يجب على الدول صياغة «رؤية استراتيجية للتقدم»، من خلال العلم والتكنولوجيا؛ بتطوير التعليم وبناء مؤسسات قوية، تنتج المعارف وتسخرها، والتغلب على التبعية التكنولوجية. إن التعليم، فى رؤية انطوان زحلان، هو أهم عنصر فى بناء قوة الأمة، وهو ليس مجرد نقل للمعرفة بل تقوية للتفكير النقدى والإبداع، وبالتالى القدرة على حل المشكلات.

لقد وعت أوروبا أن العلم والتكنولوجيا هما مدخلات حيوية لازدهار المجتمعات؛ لذلك أرست التجربة الأوروبية عدة دروس مهمة: الأول ضرورة توطين العلم لا الاكتفاء باستيراد منتجاته، والثانى ربط منظومة العلم والجامعات ومؤسسات الأعمال، والثالث انفتاحه على العلوم الإنسانية، فبدون العدالة وحقوق الإنسان يصبح العلم والتكنولوجيا أدوات قمع واستغلال وإفقار، والرابع المناخ السياسى المحفز للتقدم العلمى. أيضا إدراك أن العلم بداية لا نهاية؛ فإذا لم يتعلم مجتمع ما كيف يدير قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية فإنه لن يكون قادرا على متابعة التعلم، أو الاستفادة من التكنولوجيا لحل معظم مشكلاته.

إن البلدان التى تستثمر فى بناء قدراتها التعليمية والعلمية والتكنولوجية هى التى تعيش فى المستقبل، والذين يفشلون فى الانتباه إلى التحديات محكوم عليهم بالإخفاق؛ تأتى الساعة عندما يأتى الرجل؛ وأى مجتمع لن يستطيع الدفاع عن نفسه، إلا بأن يسعى إلى تربية جيدة لأطفاله وخدمات صحية عالية الجودة لجميع سكانه، وأن يُثبّت مبادئ اقتصادية تمكن كل مواطنيه من اكتساب ما يكفى ليكونوا قادرين على العيش بكرامة، ويسهموا فى استمرارية مجتمع عادل ومزدهر للجميع، لا فئات دون أخرى.

حسنا فعلت مصر بانضمامها إلى برنامج «أفق أوروبا» باعتباره أحد تجليات شراكة استراتيجية، تمس جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو حدث جدير بالاحتفاء والإشادة؛ حيث يفتح المصريون والأوروبيون نافذة لبناء مستقبل واعد، ليس لهم فحسب، بل لجميع دول الإقليم وما حوله!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية