تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عبدالناصر ومانديلا.. ورد الجميل!
نجحت جنوب إفريقيا فى جرجرة الكيان الصهيونى إلى محكمة العدل الدولية، أسقطت عنه أوراق التوت؛ كشفت سوءاته أمام العالم، ظهرت الحقائق عارية؛ فتغيرت معطيات المشهد المأساوى، أدركت شعوب الأرض فداحة الجرائم اللاإنسانية التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الأبرياء العزل فى غزة، من قتل وتشريد وتجويع وتدمير منهجي.
برهن «أبناء الزعيم نيلسون مانديلا» على أن بعض الضمائر مازالت حية، فى هذا العالم القاسى، ومن خلال مرافعتهم الضافية فى لاهاى ردّ أبناء مانديلا دينا أو جميلا قديما، غرسه أحرار العالم لاسيما المصريون، عندما ساندت الكنانة فى عهد الزعيم جمال عبدالناصر كفاح شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصرى، لتضرب القاهرة أول مسمار فى نعش هذا النظام، إن قادة جنوب إفريقيا الذين تقدموا بالدعوى ضد الكيان الصهيونى هم الأوفياء لتراث عبدالناصر ملهم مانديلا.
زار نيلسون مانديلا مصر 3 مرات، الأولى كانت فى ستينيات القرن الماضى، بالتنسيق مع الرئيس عبدالناصر ومساعده محمد فائق، شغف مانديلا- أو ماديبا أى العظيم المبجل- بحضارة مصر القديمة ومشروعها التحديثى الذى أطلقه ناصر؛ وإن حالت المصادفة دون لقاء الرجلين، يقول مانديلا، فى سيرته الذاتية: «كانت مصر قد تملكت مخيلتى وأنا طالب كمهد للحضارة الإفريقية وكنز لجمال الفن والتصميم، وكنت دائما أرغب فى زيارة الأهرامات وأبو الهول وعبور النيل أعظم أنهار إفريقيا، ذهبت إلى القاهرة، وقضيت يومى الأول فى المتحف أفحص القطع الفنية، وأدون الملاحظات وأجمع المعلومات عن نمط الرجال الذين أسسوا حضارة وادى النيل القديمة، ولم يكن اهتمامى اهتمام هاو للآثار؛ لأن من المهم للأفارقة أن يتسلحوا بالبرهان الذى يدحضون به ادعاءات البيض بأن الأفارقة لم تكن لهم فى الماضى حضارة تضارع مدنية الغرب. واكتشفت فى صباح واحد أن المصريين كانوا يبدعون أعمالا فنية ومعمارية عظيمة، بينما كان الغربيون فى الكهوف. كما كانت مصر نموذجا مهما لنا، كان أمامنا على الطبيعة برنامج النهضة الاقتصادية الذى أطلقه جمال عبدالناصر؛ حدد الملكية الخاصة للأراضى الزراعية، وأمم بعض قطاعات الاقتصاد، وبدأ برنامجا سريعا للتصنيع، وجعل التعليم ديمقراطيا، وبنى جيشا حديثا. وكثير من تلك الإصلاحات بالتحديد ما يطمح المؤتمر (الوطنى الإفريقي) إلى أن يحققه، والأهم بالنسبة إلينا فى ذلك الوقت أن مصر هى الدولة الإفريقية الوحيدة التى تمتلك جيشا وأسطولا بحريا وجويا يمكن أن يقارن بذلك الذى تمتلكه جنوب إفريقيا».
سعى مانديلا آنذاك إلى تدشين مكتب لحركة التحرر الجنوب إفريقية (حزب المؤتمر) بمصر، وعندما زارها ثانية عام ١٩٩٥ استقبلته مصر بوصفه رمزا للنضال من أجل الحرية وأيقونة لمناهضة العنصرية، ومنحته جامعة القاهرة الدكتوراه الفخرية، عندها قال: «كان لدى موعد تأخر ربع قرن مع رجل كنت أشبّ على أطرف أصابعى فى بريتوريا حتى يرانى من القاهرة، ثم حالت ظروف دون أن ألقاه، ولما جئت إلى مصر اليوم، كان من سوء حظى أن عبدالناصر لم يعد هنا.. سأزور فى مصر ثلاثة أماكن: الأهرامات، والنيل العظيم، وضريح الرئيس جمال عبدالناصر زعيم زعماء إفريقيا»، وأضاف مانديلا: «جئت لأقول إن شعبنا لم ينس دعم الشعب المصرى له، وإن شعوب إفريقيا يفخرون بمصر، قوة النضال ضد التمييز العنصرى». ولما سألته صحفية إسرائيلية عن سبب عدم زيارته إسرائيل، قال مانديلا: «لا نغفل أى دولة فى العالم، لكننا نحكم عليها أساسا من موقفها تجاه نضالنا من أجل التحرر».
وبالطبع كانت إسرائيل أهم حليف للنظام العنصرى فى جنوب إفريقيا، كلاهما نظام عنصرى وحشيّ؛ تكره إسرائيل ناصر ومانديلا معا، قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق: «عبدالناصر ألد أعدائنا وأخطرهم ووفاته عيد لكل يهودى فى العالم».
تظل مصر منذ عهد عبدالناصر، لكثير من شعوب العالم، صاحبة خريطة طريق التخلص من العبودية والاستعمار بكل أشكاله؛ وما حدث فى محكمة لاهاى من ممثلى جنوب إفريقيا نصرة للقضية الفلسطينية العادلة يثبت أن عبدالناصر كان على حق، برغم التشويه والأباطيل والحروب على ميراث الرجل من تيارات محلية وقوى إقليمية ودولية، كان ناصر تجسيدا لعنفوان الثائر ورجل الدولة وتواضع الأبطال الذين حققوا المجد لبلادهم، أوصل ثقل مصر والعرب والأفارقة إلى العالم وبات رمزا لشعوب الجنوب، كان عدد البلدان الإفريقية المستقلة قبل ثورة 23 يوليو 4 فقط، وبفضل الجهود المصرية أصبحت 30 دولة فى عام 1963، أجهض عبدالناصر التمدد الإسرائيلى فى إفريقيا، وفتح مجالات التعاون مع دولها، بوصفها العمق الاستراتيجى لمصر العربية؛ صارت القاهرة صاحبة القول الفصل فى القارة، حيث ينبع النيل شريان حياة المحروسة.
لم ينس الأفارقة صنيع مصر الناصرية؛ فلا توجد مدينة إفريقية إلا وبها شارع أو جامعة باسم ناصر، وعقب رحيله بدلنا بوصلتنا، أهدرنا أرصدتنا وأخلينا موقع «الصدارة الإفريقية» بإصرار عجيب؛ تاركين الساحة لإسرائيل وكبار وصغار؛ استهتار بالغ بمصالح البلاد والعباد؛ دفعنا ثمنه فادحا فى قضايا وجودية حساسة.
إن عبدالناصر ومانديلا زعيمان عظيمان ورمزان خالدان فى مسيرة الكفاح من أجل تحرير الإنسان والشعوب فى بلاد إفريقيا والعالم، سبقت مصر فى العطاء والمنح، ورد أبناء مانديلا (الجميل) الأسبوع الماضى، وليتهم يواصلون!.
M_ha7@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية